تتعدد أشكال حركة التضامن مع فلسطين حول العالم ما بين السياسي والثقافي والفنّي، إلّا أن التضامن القادم من عالم الرياضة وملاعب كرة القدم له ميزة خاصّة لما تحمله حماسة الجماهير بالأعلام الفلسطينيّة والهتافات من تشجيع ملفت في ميدان غير متوقع، غالبًا ما يُفضّل فيه وضع الشأن السياسي جانبًا بحسب البروتوكول وقواعد السلوك. إلّا أن جماهير نادي سيلتيك لديها رأي آخر عندما يتعلق الأمر بفلسطين، حتى لو كلّفها ذلك عقوبات وغرامات.
تواظب جماهير النادي الاسكتلندي على التعبير عن تضامنها مع قضية فلسطين في السنوات الأخيرة بشكلٍ لافتٍ، من خلال رفع الأعلام الفلسطينيّة جماعياً، وتصميم رسومات تضامنيّة مع القدس وغزّة، تُرفع في المدرّجات أمام عدسات الكاميرات. عادةً ما تترافق هذه المبادرات التي يقودها "اللواء الأخضر" مع أحداث سياسيّة في فلسطين، أو خلال مباراة كرة قدم، يواجه فيها سيلتيك فريقا إسرائيليا في الدوري الأوروبي، أو حتى فريقا أوروبيا عاديا.
صوت المضطهدين
تأسس "اللواء الأخضر/ الكتيبة الخضراء" The Green Brigade عام 2006، وهو مجموعة مشجّعين ضمن ألتراس نادي سيلتيك، أخذ منذ انطلاقته طابعًا سياسيًا واضحًا، من خلال غناء أناشيد تُمجّد الجيش الجمهوري الاسكتلندي، أو في تسجيل مواقف حول قضايا عالميّة مثل الترحيب باللاجئين، ودعم استقلال كتالونيا، والحديث عن حرب العراق وأفغانستان، وتأييد حراك "حياة السود مهمّة"، ودعم الشعب الفلسطيني.
لم تكن الدعوة لتسديد الغرامة فقط، بل كان عنوانها جمع الأموال دعمًا للشعب الفلسطيني
هذا التعاطف مع المضطهدين لم يأت من فراغ، بل من شعور مشابه يحمله الاسكتلنديون عاشوه في السابق خلال سعيهم للاستقلال، وأيضًا في أعقاب المجاعة الكبرى التي حلّت باسكتلندا بعد نزع الملكية عن الأراضي الخاصّة. هذه المجاعة كانت نقطة انطلاق لتأسيس نادي سيلتيك لكرة القدم في عام 1887، على يد رجل دين كاثوليكي، بهدف جني الإيرادات لتوفير الطعام للمهاجرين الاسكتلنديين المقيمين في مدينة غلاسكو، لتكون انطلاقته حاضنة للفقراء والمظلومين.
تحدّي الغرامات
التضامن المتكرر مع فلسطين في الزاوية الخضراء من مدرجات الملعب، حيث يجلس دومًا ألتراس اللواء الأخضر، أدّى إلى تغريم الفريق مبالغ مالية في أكثر من مناسبة من قبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا). في أغسطس/ آب 2016، غُرّم النادي بسبب "لافتات غير مشروعة" بحكم المادة رقم 16 البند 2 من لوائح الاتحاد، وذلك في أعقاب مباراة ضمن تصفيات دوري أبطال أوروبا، لعب فيها الفريق أمام " هبوعيل بئر السبع" الإسرائيلي والتي انتهت 2-5 لصالح سيلتيك.
الغرامات المتكررة من قبل "يويفا" لم توقف جمهور سيلتيك عن التضامن، بل العكس تمامًا. تحولت الغرامات المفروضة إلى مناسبات لمزيد من الدعم ومن تحشيد الرأي العام من أجل فلسطين، من خلال فتح باب التبرع الشعبي للنادي بهدف جمع الغرامات، لتتحول قضية الغرامة من قضية داخليّة محصورة بإدارة الفريق، إلى قضية رأي عام في اسكتلندا سارع فيها الناس إلى دعم الفريق وجمهوره الذي يصرّ على تكرار رفع الأعلام الفلسطينيّة مهما دفعه من ثمن، ليتمكنوا من سداد الغرامات والحصول على المزيد من التعاطف الشعبي مع الفريق.
لم تكن الدعوة لتسديد الغرامة فقط، بل كان عنوانها جمع الأموال دعمًا للشعب الفلسطيني، وتحديدًا لمنظمة المعونة الطبيّة الفلسطينيّة، التي تقدّم الرعاية الصحيّة والطبية لضحايا الاحتلال، ولمركز "لاجئ"، وهو مشروع ثقافي ورياضي لأطفال مخيم عايدة للاجئين، قرب بيت لحم. تخطت الحملة 120 ألف دولار خلال أيّام، مع العلم أن الغرامة كانت 20 ألف دولار.
من اسكتلندا إلى مونديال قطر
تميّز جمهور سيلتيك لا ينحصر في الرسائل السياسيّة الجريئة فقط، بل في اللوحات والدخلات الفنيّة التي يقدّمها، إذ حاز النادي في عام 2017 على جائزة "أفضل جمهور في العالم" من قبل "يويفا" بعد "دخلة" رائعة على طول المدرجات بأكملها، تحمل صورة كأس دوري الأبطال، بمناسبة مرور 50 عامًا على تتويج الفريق باللقب الأوروبي الأغلى.
في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما كانت المقاومة الفلسطينيّة في نابلس تخوض المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، رفع جمهور سيلتيك لافتة طويلة ممتدة على طول المدرّج حملها العشرات، كُتب عليها "التضامن مع نابلس.. الحريّة لفلسطين". كثرت في السّنة الأخيرة مناسبات ومبادرات التضامن مع أوكرانيا في ملاعب كرة القدم الأوروبيّة ضد الغزو الروسي، دون أن يتعرض أصحابها لأي غرامات كما حصل مع النادي الاسكتلندي، الأمر الذي يعكس ازدواجيّة المعايير الغربيّة عندما يتعلق الأمر بفلسطين. افتتح هذا الأسبوع المونديال في قطر، وتكاد لا تخلو أي مباراة فيه، كما الشوارع، من أعلام فلسطين، لتكون اللافتة المحمولة في مدرجات سيلتيك كأنها لافتة ممتدة بين جماهير ومدرّجات عديدة حول العالم.