يحمل رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، نجيب ميقاتي، ملف اللجوء السوري في لقاءاته ضمن اجتماعات الدورة السنوية الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك مطالباً المجتمع الدولي بدعم بلاده لمعالجة الأزمة التي بات تعاظمها يشكل "خطراً على لبنان ونسيجه الاجتماعي"، على حدّ تعبيره.
ويحاول ميقاتي، خلال وجوده في نيويورك، حصد دعم المجتمع الدولي لمساعدة لبنان على معالجة أزمة اللجوء ولا سيما "المستجدّ غير الشرعي" الذي برز في الفترة الأخيرة من بوابة الحدود المتفلّتة، وذلك على وقع توسّع رقعة الاحتجاجات في سورية المناهضة للنظام السوري واستغلال المهرّبين لأوضاع اللاجئين الذين تتقطّع بهم السبل ويتعرّضون للابتزاز.
ويُتهم حزب الله من قبل معارضيه بالسيطرة على المعابر ولا سيما غير الشرعية، التي تشهد عمليات خطف وتهريب أفراد وسلع وبضائع وأسلحة وأدوية ومحروقات وغيرها من العمليات التي تعجز أجهزة السلطات اللبنانية عن ضبطها كما يتهم الحزب بتقديم الغطاء للمهرّبين، وهو ما ينفيه باستمرار.
وبحسب معلومات "العربي الجديد" فإنّ "ميقاتي يحمل معه قضية اللاجئين السوريين إلى نيويورك، ويتوقف عند تداعياتها الكبيرة على أمن لبنان واقتصاده وتوازنه الاجتماعي، ويرفع الصوت بضرورة دعم المجتمع الدولي له في معالجة هذه الأزمة، التي لم يعد لبنان قادراً على تحمّل أعبائها ولن يقف مكتوف الأيدي أمامها، كما سيتحدث عن تقاعس خارجي بهذا الإطار تجاه لبنان الذي يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين، وأن عودة اللاجئين لا يمكن أن تتحقق إذا لم تتضافر الجهود العربية مع مؤازرة من المجتمع الدولي".
ويضع ميقاتي من يلتقيهم في إطار الخطوات اللبنانية الأخيرة لمعالجة اللجوء المستجد غير الشرعي عبر المعابر والحدود والمقررات التي اتخذتها حكومة بلاده لمواجهة هذه الأزمة والتي تحتاج إلى دعم، خصوصاً أن لبنان لا يملك كل الإمكانية لضبط عمليات التهريب.
وتجدر الإشارة في السياق إلى أن ميقاتي كان لوّح قبل أشهرٍ إلى "طرد السوريين" بالوسائل القانونية في حال عدم التعاون دولياً مع لبنان لإعادة اللاجئين إلى بلادهم، ووجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، حذّر فيها من أن الوضع الصعب الذي يواجهه لبنان يقتضي مقاربة مختلفة نوعياً في التعاطي مع أزمة اللجوء السوري قبل أن تتفاقم الأوضاع بشكل يخرج عن السيطرة.
وتكثف الأجهزة الأمنية اللبنانية من حملات توقيف وترحيل اللاجئين والمتسلّلين بطرق غير شرعية إلى الأراضي اللبنانية، والتي حذّرت منظمات لبنانية ودولية من انتهاكها من مبدأ عدم الإعادة القسرية، وتعريض مئات السوريين لخطر الاضطهاد أو التعذيب.
كما أصدرت الحكومة اللبنانية قبل أيام جملة قرارات لمواجهة اللجوء السوري المستجد عبر نقاط عبور غير شرعية، ضمنها منع السوريين من الدخول بطرق غير شرعية واتخاذ الإجراءات الفورية بحقهم لإعادتهم إلى بلدهم.
ووزعت الأدوار على الوزارات المعنية لتنفيذ إجراءات بحق السوريين والمؤسسات المخالفة، مثل ضبط عملهم في لبنان وتحديد الموجودين فيه بصورة قانونية، كما جرى تكليف وزارة الإعلام إطلاق حملات توعية من مخاطر اللجوء على المجتمعين السوري واللبناني في خطوة رفعت من خشية زيادة خطاب الكراهية والتحريض ضد اللاجئين.
ويوجد في لبنان، بحسب آخر إحصاءات أعلن عنها المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، مليونان و80 ألف لاجئ، في حين قال مركز "وصول" لحقوق الإنسان (ACHR) إن "عدد ضحايا الترحيل القسري منذ بداية الحملة الأمنية في إبريل/ نيسان الماضي، إلى يونيو/ حزيران الماضي، بلغ 365، في حين بلغ عدد ضحايا الاعتقال التعسفي 841".
وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإنه تم تعليق وصول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى الحدود من قبل الأمن العام اللبناني منذ ديسمبر/ كانون الأول 2021، الأمر الذي يجعل التحقق من المعلومات المتعلقة بالتحركات عبر الحدود أمراً صعبة.
كما أن المسألة معقدة أيضاً نظراً لعدم توفّر بيانات موثوقة ومتّسقة، مع الإشارة إلى أن الأرقام الواردة في البيانات العامة الأخيرة التابعة للجيش اللبناني تتماشى مع ما تلحظه المفوضية من ارتفاع ملحوظ في التقارير المتعلقة بعمليات التصدّي والترحيل من قبل الجيش اللبناني عبر الحدود الشمالية مع سورية في وادي خالد، مقارنة بالأشهر السابقة خلال العام الحالي.
وتبعاً لمعلومات "العربي الجديد"، فإنه "في شهر أغسطس/ آب وحده وصلت للمفوضية تقارير تفيد بترحيل ما يقدر بنحو 6000 شخص أو إعادتهم عبر الحدود البرية مع سورية في منطقة وادي خالد، ليصبح مجموع الأشخاص الذين تمّت إعادتهم أو ترحيلهم عبر الحدود الشمالية لعام 2023 نحو 11000 شخصاً. أمّا في منطقة البقاع، فمنذ 8 سبتمبر/ أيلول ولغاية الساعة، علمت المفوضية عما لا يقلّ عن 120 مداهمة في مخيمات غير رسمية يعيش فيها اللاجئون".
وأسفرت المداهمات عن مصادرة ممتلكات بعض اللاجئين واعتقال ما لا يقل عن 85 لاجئاً، غالبيتهم من الرجال. ويُفترض حتى الساعة أنه تمّ ترحيل 60 شخصاً منهم 30 على الأقل مسجلّين لدى المفوضية. وترِد التقارير عن عمليات الترحيل حتى الآن بشكل رئيسي في سياق المداهمات الحاصلة. وذلك وفق ما يشير المصدر.
في الإطار، قالت مصادر رسمية في المفوضية لدى تواصل "العربي الجديد" معها إنها على علم بالتقارير التي تتحدث عن زيادةٍ في دخول السوريين إلى لبنان، ولكنها لا تستطيع الوصول إلى الحدود ولا تديرها، غير أن السلطات المعنية هي المخوّلة تقديم آخر التحديثات عن أرقام الدخول.
وأضافت "مع ذلك، قامت المفوضية بتتبع الزيادة في عدد عمليات التصدّي والترحيل على الحدود اللبنانية خلال الأشهر الماضية، وخاصة عبر الحدود الشمالية. كما أن المفوضية على علم بالمداهمات المتزايدة في سهل البقاع. وفي هذا الصدد، نشدّد على أن الوصول إلى الأمان هو حجر الزاوية في حماية اللاجئين، ونواصل العمل مع الحكومة اللبنانية بشأن القضايا المتعلقة بالحماية من الإعادة القسرية لجميع الأشخاص الذين يلتمسون الحماية الدولية أو يحتاجون إليها، من الموجودين على أراضيها أو على الحدود".
من جهتها، قالت المحامية ديالا شحادة لـ"العربي الجديد" إن "لبنان بالطبع استفاد اقتصادياً من اللجوء بحسب تقارير صادرة عن منظمات حكومية دولية"، مشيرة إلى أن "الدخول غير الشرعي إلى لبنان لا ينزع عن الداخل صفة اللجوء فيما لو كان بالفعل فاراً من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان المستمرة في سورية".
وأشارت شحادة إلى أنه "على المجتمع الدولي الاستمرار في تقديم الدعم للاجئين وللدول الحاضنة لهم وإلا عليه رفع نسبة إعادة التوطين للاجئين في دوله".
وتعتبر شحادة أن "حل أزمة اللاجئين هو سياسي حصراً ويتحكم به نظام الأسد الذي يمارس سياسات واضحة النوايا لجهة عدم تشجيع اللاجئين على العودة ومنها: عدم البدء بإعادة اعمار المناطق المدمرة، الاستمرار في التجنيد القسري، الامتناع عن الكشف عن عشرات الالاف على الاقل من المفقودين وفرض رسوم هي الأعلى في العالم للإعفاء من التجنيد أو تأجيله أو للحصول على جواز سفر أو حتى لدخول البلاد، وغير ذلك".
من ناحية ثانية، يحمل ميقاتي معه ملف الانتخابات الرئاسية، إذ يشير لمن يلتقيهم إلى ضرورة مساعدة لبنان على حلّ الأزمة، وبأن حكومته تقوم بكل الخطوات اللازمة وتبذل ما بوسعها في هذه الظروف الدقيقة، رامياً كرة المسؤولية عند البرلمان الذي لا يلاقي الحكومة في "إصلاحاتها".
واستهلّ ميقاتي لقاءاته في نيويورك، أمس الاثنين، مع نائبة وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، وتم خلال الاجتماع بحث العلاقات اللبنانية - الأميركية والملفات التي يواجهها لبنان.
وطالب ميقاتي المجتمع الدولي بـ"دعم لبنان لمعالجة ازمة اللاجئين السوريين، التي بات تعاظمها يشكل خطراً على لبنان ونسيجه الاجتماعي"، وقال بحسب بيان صادر عن مكتبه الإعلامي إن "الحكومة أنجزت المشاريع الاصلاحية المطلوبة من صندوق النقد الدولي، والملف بات في عهدة مجلس النواب ليقرر ما يراه مناسباً".
بدورها، دعت المسؤولة الأميركية الأطراف اللبنانية إلى الإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مشدّدةً على أنّ "واشنطن تدعم أي حوار لبناني - لبناني في هذا الصدد". كما دعت لبنان إلى "تفعيل التعاون مع المنظمات الدولية وخاصة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لمعالجة ملف النزوح السوري المستجد وكل جوانب ملف النزوح". وذلك تبعاً للبيان.
وشددت أيضاً على أن "واشنطن تدعم الجيش اللبناني"، معتبرة أن "من الضروري استكمال الإصلاحات الاقتصادية والمالية الضرورية".