أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم الخميس، بعد اجتماع مع رئيس الجمهورية ميشال عون، أنه اتفق مع الأخير على "خارطة طريق" لحل الأزمة مع دول الخليج، من دون أن يتحدث عن تفاصيلها، رامياً الكرة بملعب وزير الإعلام جورج قرداحي لاتخاذ قرار الاستقالة، بدعوته إياه إلى "تحكيم ضميره" و"تغليب المصلحة الوطنية على الخطابات الشعبوية".
واستقبل عون، اليوم الخميس، في القصر الجمهوري ببعبدا ميقاتي الذي وضعه في صورة الأجواء التي أحاطت بزيارته لغلاسكو، للمشاركة في مؤتمر المناخ والاجتماعات التي عقدها مع مختلف الجهات العربية والدولية.
وبحث عون وميقاتي الأزمة التي يعيشها لبنان، وتوتر العلاقات مع السعودية ودول الخليج على خلفية تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي، وما لحق ذلك من إجراءات وقيود دبلوماسية واقتصادية.
وقال ميقاتي، في تصريحات بعد اللقاء مع عون: "بحثت مع الرئيس عون سبل الخروج من الأزمة الحالية، واتفقنا على خارطة طريق".
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد لقائه الرئيس عون: بحثت مع فخامة الرئيس سبل الخروج من الأزمة الحالية واتفقنا على خارطة طريق pic.twitter.com/Z924L8Kh8p
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) November 4, 2021
وفي كلمة خلال إطلاق وزارة السياحة الرزمة السياحية الشتوية، اليوم الخميس، من السرايا الحكومي، دعا ميقاتي وزير الإعلام جورج قرداحي إلى "تحكيم ضميره وتقدير الظروف، واتخاذ الموقف الذي ينبغي اتخاذه، وتغليب المصلحة الوطنية على الشعارات الشعبوية".
وقال ميقاتي "يبقى رهاني على حسّ وزير الإعلام الوطني لتقدير الظرف ومصلحة اللبنانيين، مقيمين ومنتشرين، وعدم التسبّب بضرب الحكومة وتشتيتها، بحيث لا تعود قادرة على الإنتاج والعمل ونضيّع مزيداً من الوقت"، مشدداً على أنّ "هذه أولوية الحلّ وخارطة الطريق الطبيعية لخروجنا من الأزمة".
ويعتبر ميقاتي من خلال ما تؤكده أوساطه أنّ استقالة قرداحي هي الخطوة الأولى المطلوبة التي تمهد للحلول المطلوبة لمعالجة الأزمة اللبنانية – السعودية وربطاً الخليجية، في موقفٍ يؤيده فيه رئيس الجمهورية ميشال عون، ويعارضه بشدة "حزب الله" وحليفه "تيار المردة" برئاسة سليمان فرنجية المحسوب عليه قرداحي.
ووجَّه ميقاتي، الذي اتهم بأنّ مواقفه بدايةً لم تكن على مستوى حجم الأزمة مع السعودية، جملة رسائل حادة اليوم إلى "حزب الله" بشكلٍ خاص، من دون أن يسمّيه، على خلفية تعطيل الحزب لاجتماعات الحكومة أولاً، والتهديد بالمقاطعة وباستقالة وزرائه مع "حركة أمل" (برئاسة نبيه بري) إذا لم يصر إلى إقالة المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وثانياً ربطاً بالأزمة مع السعودية، ومهدداً هذه المرة بالاستقالة إذا استقال قرداحي تحت الضغط أو أقيل، عدا عن إعلان فرنجية صراحةً أنه في حال استقال وزير الإعلام فلن يسمّي بديلاً عنه.
وتابع ميقاتي "مخطئ من يعتقد أنّ التعطيل ورفع السقوف السياسية هو الحل، وعلى الجميع أن يقتنعوا بأنه لا يمكن لأي فريق أن يختصر البلد والشعب وحده بقرار يتعلق بثوابت وطنية لا تتبدل".
وأضاف "لا تدار البلاد بلغة التحدي والمكابرة، بل بكلمة سواء تجمع اللبنانيين وتوحّدهم في ورشة عمل واحدة لإنقاذ وطنهم، ومخطئ مَنْ يعتقد أنه قادر على فرض رأيه بقوة التعطيل والتصعيد الكلامي على المنابر، ومخطئ أيضاً من يعتقد أنه يمكنه أخذ اللبنانيين إلى خيارات بعيدة عن تاريخهم وعمقهم العربي، وعلاقاتهم الوطيدة على كل الصعد مع الدول العربية ودول الخليج خاصة، ومع المملكة العربية السعودية تحديداً".
وتابع "مخطئ من يعتقد أنه وفي لحظة تحولات معينة لم تتضح معالمها النهائية بعد، يمكنه الانقلاب على الدستور وإعادة الوطن إلى دوامة الاقتتال الداخلي والانقسامات التي لا نزال ندفع ثمنها غالياً حتى اليوم".
ودعا ميقاتي الجميع إلى "اختصار الطريق والقيام بالخطوات المطلوبة والمساهمة في الحل، مع التشديد على عودة الحكومة إلى عملها الطبيعي بنشاط وإيجابية، وتعويض الأيام التي ضاعت هدراً بسبب مناكفات مجانية".
2/12 وبعد شهر واحد من عمر الحكومة، واجهنا اول امتحان على طاولة مجلس الوزراء، بهدف استدراج الحكومة الى التدخل بامر قضائي لا شأن لها به، مع ما يتركه هذا التدخل من اضرار سيئة على سمعة لبنان والقضاء فيه وعلى التماسك الحكومي تاليا ...
— رئاسة مجلس الوزراء 🇱🇧 (@grandserail) November 4, 2021
وكشف ميقاتي أنّ "أمامنا اجتماعات ولقاءات فاصلة"، داعياً الجميع إلى "ملاقاتنا على العمل للإنقاذ المنشود والابتعاد عن المناكفات، فهذا هو طريق الحل ولا حل سواه فلنختصر الوقت والمسافات للولوج إلى العمل المنتج المنتظر".
وحدد ميقاتي خارطة الطريق التي عقد العزم على السير فيها لإنجاح العمل الحكومي، وتتلخص في أنّ "مجلس الوزراء هو المكان الطبيعي لمناقشة كل الملفات والقضايا التي تعني الحكومة، بعيداً عن الإملاءات والتحديات والصوت المرتفع واستخدام لغة الوعيد والتهديد"، مشدداً على أنّ "مجلس الوزراء "لن يكون أبداً مكاناً للتدخل في أي شأن لا يخص الحكومة، وتحديداً في عمل القضاء"، في إشارة إلى الضغوط لإقالة القاضي طارق البيطار.
ميقاتي: مخطئ مَنْ يعتقد أنه قادر على فرض رأيه بقوة التعطيل والتصعيد الكلامي على المنابر
وأضاف "على جميع الوزراء التزام التضامن الوزاري، والتقيّد بمضمون البيان الوزاري الذي حدد القواعد الأساسية لعمل الحكومة وسياستها، وكل ما يقال خارج هذه الثوابت مرفوض ولا يلزم الحكومة بشيء".
وشدد على أننا "عازمون على معالجة ملف العلاقة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الشقيقة وفق القواعد السليمة، ولن نترك هذا الملف أبداً عرضة للتساجل وللكباش السياسي، وسنسعى بالتعاون مع جميع المخلصين للعودة عن القرارات المتخذة، بما يعيد صفو العلاقات اللبنانية مع امتداده العربي الطبيعي".
وانتقل ميقاتي إلى عين التينة في بيروت للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري ووضعِه أيضاً في صورة أجواء لقاءاته مع قادة الدول، والبحث في السبل التي يمكن أن يسلكها لبنان للتخفيف من حدة الأزمة مع الخليج.
وقال مصدر مقرب من ميقاتي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "رئيس الوزراء سيبحث مع بري قضية التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت التي علّقت جلسات مجلس الوزراء بفعل مطالبة وزراء حزب الله وحركة أمل بشكل أساسي بإقالة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار".
كما سيبحث ميقاتي مع بري، وفق المصدر، "صيغة الحل لأزمة تصريحات قرداحي واستقالته لا إقالته، إذ إنّ ميقاتي يعتبر منذ البداية أنّ الاستقالة مطلوبة كانطلاقة للحل، لكنه واجه سريعاً تحذيرات باستقالات مقابلة ومواقف صريحة من قرداحي بأنه لن يستقيل".
يأتي ذلك رغم أنّ أوساط قرداحي عممت أجواء بأنّ استقالته ليست مرفوضة بالمطلق، ولكنها تشترط وجود ضمانات بأنّ هذه الخطوة ستؤدي إلى حلّ وإلا فلن يقدم عليها.
وعاد ميقاتي، أمس الأربعاء، إلى بيروت قادماً من غلاسكو بعدما شارك في مؤتمر المناخ، من دون أن يأخذ أي ضمانات ملموسة حتى الساعة بالتدخّل الجدي لمساعدة لبنان في حلّ أزمته مع السعودية وعددٍ من دول الخليج، باستثناء الإعلان عن أنّ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني سيوفد وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى بيروت قريباً، للبحث في السبل الكفيلة بدعم لبنان، واستكمال البحث في الملفات المطروحة، ولا سيما معالجة الأزمة اللبنانية الخليجية.
وقال المصدر المقرَّب من ميقاتي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "رئيس الوزراء شرح لقادة الدول الذين التقاهم في غلاسكو حساسية الوضع في لبنان والتحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد، والتي تقتضي وقوف المجتمعين العربي والدولي إلى جانبها في هذه المحنة الصعبة، وألّا تتخلى عنها في الظرف الراهن الدقيق والخطير على جميع الأصعدة".
وشدد المصدر على أنّ "ميقاتي حصل على تأكيدٍ فرنسي أميركي أوروبي بضرورة استمرار الحكومة، للحفاظ على الاستقرار الكفيل بسير الانتخابات النيابية (مقررة في 27 مارس/آذار المقبل) والاستحقاقات المنتظرة التي ترسم مستقبل لبنان".
ولفت إلى أنّ "ميقاتي يعلم أهمية انعقاد جلسة لمجلس الوزراء نظراً لحدة الأزمات الدبلوماسية والاقتصادية، لكنه لا يريد أن يدعو إليها قبل أن يحصل على ضمانات بحضور كل الوزراء الجلسة وعدم تفجيرها أو تأجيج الصراع أكثر، كما حصل في الجلسة الأخيرة، من هنا أهمية لقاءاته اليوم لبحث الخيارات الممكنة وآراء الكتل السياسية".
الخارجية اللبنانية تدين استهداف الحوثيين للسعودية
على صعيدٍ متصل، خطت وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية، خطوة اليوم الخميس باتجاه السعودية بإدانتها استهداف الحوثيين لها مع أنّ الوزارة لم تسميهم، ما لاقى امتعاضاً لدى مؤيدي "حزب الله".
واستنكرت وزارة الخارجية اللبنانية، في بيان لها، ما اعتبرتها "محاولة فاشلة" للاعتداء على المملكة العربية السعودية بواسطة طائرتين مفخختين.
وأعربت الخارجية اللبنانية عن "تضامنها مع المملكة في وجه أي اعتداءٍ يطاول سيادتها وأمنها واستقرارها ومنشآتها المدنية ومدنييها بما يخالف القوانين والمواثيق الدولية"، مؤكدة "تضامن لبنان الكامل ووقوفه إلى جانب المملكة شعباً وحكومةً".