تعقد المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، اليوم الجمعة، محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من المتوقع أن تتركز على قضايا النزاع شرق أوكرانيا، والأوضاع في بيلاروسيا. وسيكون الوضع في أفغانستان بعد سقوط كابول في أيدي حركة "طالبان"، أيضاً، على طاولة البحث بين بوتين، والمستشارة الألمانية، التي ستتوجه بعد موسكو، إلى العاصمة الأوكرانية كييف، لعقد محادثات بعد غدٍ الأحد، مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وترمز الزيارتان "الوداعيتان" لميركل، إلى كلّ من موسكو وكييف، على بعد أسابيع قليلة من مغادرتها منصبها في سبتمبر/أيلول المقبل، إلى تتويج الجهود الألمانية التي قادتها المستشارة، على مدى السنوات السبع الماضية، لتسوية الأزمة الأوكرانية، من دون أن تتكلل بالنجاح في التوصل إلى تسوية نهائية في منطقة دونباس الواقعة شرق أوكرانيا، والموالية لروسيا. وكانت الرئاسة الأوكرانية قد أشارت في وقت سابق إلى أن قمة ميركل - زيلينسكي، ستتطرق أيضاً إلى "الضمانات الألمانية" لكييف، في حال بدء تشغيل خط أنابيب "السيل الشمالي 2"، لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر البلطيق.
ستتركز المحادثات في كييف على مشروع السيل الشمالي 2
وتعليقاً على الزيارتين، توقع أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، أن تتركز أجندة القمة في موسكو، بشكل خاص، على ملفات أوكرانيا ومشروع "السيل الشمالي 2"، وآفاق العلاقات الروسية - الألمانية بعد الاستقالة المرتقبة لميركل من منصبها. وقال كوكتيش في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "ميركل تستعد للخروج من منصبها، ومن الواضح أنه ستجري مناقشة مصير مشروع السيل الشمالي 2، وبشكل أساسي الملف الأوكراني، لتأتي الزيارة تلخيصاً لنتائج سنوات المستشارة الطويلة في الحكم" (16 عاماً).
ومنذ عام 2014، تواجه ألمانيا مأزقاً في علاقاتها مع موسكو، لجهة رفضها للتدخل الروسي في الأزمة الأوكرانية، وانحيازها للموقف الأوروبي الموحد من جانب، وحرصها على المصالح الاقتصادية الكبرى مع روسيا، لاسيما في مجال الطاقة، من جانب آخر.
ورجّح المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأوكراني، ألكسندر تشالينكو، أن تسفر زيارة ميركل إلى موسكو، عن تأكيد الانحياز الألماني لاتفاقات مينسك للتسوية الأوكرانية، بينما تهدف الزيارة إلى كييف إلى إصدار رسالة بعدم التخلي عن أوكرانيا. وقال تشالينكو، في حديث لـ"العربي الجديد": "هذه زيارة الوداع بالنسبة إلى ميركل، وسيتم خلالها التأكيد على الانحياز لاتفاقات مينسك، فألمانيا تحديداً هي التي بادرت بها، ولكن عملية التسوية لا تزال متعثرة منذ سبع سنوات. صحيح أن ميركل كانت تؤكد دائماً على عدم وجود بديل لاتفاقات مينسك، ولكنني لا أعتقد أنها ضغطت على أوكرانيا بأي شكل من الأشكال، بل كانت تعتبرها ضحية للعدوان الروسي". وأضاف المحلل السياسي أنه "صحيح أن ألمانيا تأسف لعدم تحقيق الاتفاقات، ولكنه لا أعمال قتال جدية ولا لاجئين، والوضع متجمد، فلم تضغط على كييف".
وحول توقعاته لأجندة محادثات ميركل في كييف، رأى تشالينكو أنه "ما كان لميركل أن تزور موسكو، من دون أن تجري زيارة لكييف، إذ إن هناك رمزية في ذلك، لعدم الإظهار أن روسيا مهمة وأوكرانيا ليست كذلك". وبرأيه، فإن المحادثات في كييف ستتركز على "السيل الشمالي 2"، للتأكيد على الانحياز للمبادئ وعلى بيان ميركل والرئيس الأميركي، جو بايدن، القاضي بعدم السماح لروسيا باستخدام الغاز كسلاح سياسي. لكنه اعتبر أن "جميع بيانات ميركل وبايدن استعراضية وقابلة لتفسيرات مختلفة، كونها لا تلزم روسيا بترانزيت كميات محددة من الغاز عبر الأراضي الأوكرانية، بينما تصبح ألمانيا بعد استكمال السيل أكبر مجمع للغاز الروسي في أوروبا".
وعلى بعد يومين من الزيارة إلى كييف، ارتفعت وتيرة التحذيرات في أوكرانيا لزيلينسكي، من أن تحمل محادثات المستشارة الألمانية، في طياتها، "تهديداً جدياً"، لجهة إقناع الرئيس الأوكراني بقبول تنازلات غير مقبولة لبلاده. وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية الأوكراني الأسبق، بافيل كليمكين، في تعليقات أوردتها وسائل إعلام أوكرانية وروسية: "ستقول ميركل لزيلينسكي: فولوديمير، أنت ترى أنني سأغادر قريباً. أنا من كبار المعجبين بأوكرانيا. أنت لا تعلم كيف ستكون الإدارة والحكومة المقبلتان في ألمانيا. من الأفضل أن تتفق معي بهذه الشروط".
خرجت تحذيرات في كييف لزيلينسكي من تقديم تنازلات غير مقبولة
بدوره، اعتبر الاقتصادي الأوكراني، يوري أتامانيوك، أن ميركل "احتالت" على كييف في مسألة دعم بناء خط "السيل الشمالي 2" وسحب الترانزيت من أوكرانيا. وأوضح أتامانيوك، في حديث لقناة "ناش"، أن أمان أوروبا في مجال الطاقة سيعتمد من الآن بشكل كامل على ألمانيا باعتبارها المجمع الرئيسي للغاز، كما أن ألمانيا ستضمن نمو قطاعها الصناعي.
و"السيل الشمالي 2" الذي من المنتظر أن تناقشه ميركل في موسكو وكييف، هو مشروع ضخم يشمل مدّ أنبوبين بطاقة تمريرية إجمالية قدرها 55 مليار متر مكعب سنوياً، لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا مباشرة عبر قاع بحر البلطيق دون المرور بالأراضي الأوكرانية، وقد أعطت واشنطن في نهاية المطاف الضوء الأخضر لاستكماله بعد إقرار بايدن في يوليو/تموز الماضي، بعدم إمكانية تعطيله بعد الانتهاء من أعمال البناء بنسبة 99 في المائة.