رحّب رئيس الوزراء اليوناني السابق كيرياكوس ميتسوتاكيس بـ"تفويض قوي" منحه إيّاه المقترعون في الانتخابات التشريعيّة التي حقّق فيها حزبه اليميني فوزا كاسحا بحصده أكثر من 40 بالمئة من الأصوات، ما يضمن له رئاسة الحكومة لولاية ثانية.
وقال ميتسوتاكيس (55 عاما)، خرّيج جامعة هارفرد الأميركيّة المرموقة والمستشار السابق في شركة ماكينزي الأميركيّة للاستشارات، في تصريح متلفز: "أعطانا الشعب غالبيّة آمنة. هناك إصلاحات كبرى ستُطبّق سريعا".
وأدلى الزعيم المحافظ بتصريحه بعدما بيّنت نتائج فرز أكثر من 80 بالمئة من صناديق الاقتراع نيل حزبه "الديمقراطيّة الجديدة" 40.5 بالمئة من الأصوات في مقابل 17.8 بالمئة لأقرب منافسيه حزب "سيريزا" اليساري بزعامة أليكسيس تسيبراس.
وكان ميتسوتاكيس قد فاز في الانتخابات التي أجريت في 21 مايو/ أيار، لكنّه لم يحصد غالبيّة كافية تُتيح له تشكيل الحكومة الجديدة من دون بناء تحالفات، ما دفعه للاحتكام مجدّدا إلى صناديق الاقتراع ودعوة 9.8 ملايين ناخب للإدلاء بأصواتهم مرّة ثانية.
وجرت الانتخابات، الأحد، وفق نظام انتخابي مختلف نصّ على نيل الحزب الفائز في هذا الاقتراع مكافأة تصل إلى خمسين مقعدا إضافيا.
وتوجّه الناخبون اليونانيّون إلى مراكز الاقتراع، الأحد، للمشاركة في انتخابات عامّة جديدة هي الثانية في خمسة أسابيع، سعى خلالها ميتسوتاكيس إلى تعزيز مكاسبه وانتزاع غالبيّة مطلقة تتيح له تشكيل "حكومة مستقرّة".
وفتحت مراكز الاقتراع عند السابعة صباحا (04.00 بتوقيت غرينيتش).
وقال ميتسوتاكيس بُعيد الإدلاء بصوته إنّ اليونانيّين "يقترعون للمرّة الثانية في غضون أسابيع قليلة من أجل الحصول على حكومة مستقرّة وفاعلة".
من جهته، اعتبر تسيبراس، الأحد، أنّ الاقتراع سيحدّد "ما إذا كنّا سنحظى بحكومة خارج السيطرة، أو نحقّق توازنا في ديمقراطيّتنا ونظامنا السياسي".
في مسعى لحضّ مواطنيه على التصويت، أعاد ميتسوتاكيس التلويح هذا الأسبوع بإجراء دورة ثالثة في حال لم يحصل على الغالبيّة الكافية الأحد.
وقال قبيل بدء الصمت الانتخابي، الجمعة: "آمل في ألا نضطر للالتقاء مجددا في مطلع أغسطس/ آب"، مؤكّدا أنّ ذلك "ليس على سبيل المزاح... يجب تعزيز ومواصلة كلّ المكاسب التي حقّقناها".
وسبق لميتسوتاكيس، وهو وريث عائلة سياسيّة كبرى وابن رئيس وزراء سابق، أن لوّح بإجراء انتخابات في وسط العطلة الصيفيّة في حال لم يحقّق أهدافه، وهو ما لقي تنديد المعارضة ووسائل إعلام اعتبرت ذلك محاولة "ابتزاز" للناخبين.
ورقة اقتصادية رابحة
وحقّق ميتسوتاكيس فوزا ساحقا على تسيبراس في انتخابات 2019، وتولّى منصب رئاسة الوزراء متعهّدا بوضع حدّ لأزمة اقتصاديّة امتدّت عقدا.
وكانت تلك الانتخابات الأولى التي تجريها اليونان في حقبة ما بعد خطّة الإنقاذ الأوروبّية، وأتت بينما كان العمّال والشركات على السواء يعانون عبء الضرائب التي فرضها تسيبراس وحزبه بضغط من المانحين الدوليّين لتحقيق فائض في الميزانيّة.
خلال الأعوام الأربعة التي تلت الفوز، خفّف ميتسوتاكيس من عبء الضرائب، إلا أنّ تبعات كوفيد-19 حرمت أثينا من العائدات السياحيّة التي تعدّ من أبرز روافد اقتصادها. لكنّ البلاد استعادت عافيتها في العامين الماضيين، وحققت نموّا بنسبة 8.3 بالمئة في 2021 و5.9 بالمئة في 2022.
وفي حين ساهم في ذلك إنفاق الحكومة أكثر من 57 مليار يورو في سبيل الحدّ من تبعات الأزمة الصحّية والتضخّم، يرى محللون أنّ ميتسوتاكيس استفاد من مرونة القيود الأوروبّية على الإنفاق في حقبة ما بعد الجائحة.
واستغل رئيس الوزراء المنتهية ولايته الورقة الاقتصاديّة في معركته الانتخابيّة، وركّز على أنّ عهد المحافظين شهد خفض الضرائب بنسبة 50 بالمئة وزيادة الناتج المحلّي بإجمالي 29 مليار يورو، والشروع في أوسع تحديث لشبكة البنى التحتيّة منذ 1975.
وبدا أنّ هذه الرسالة فعلت فعلها لدى الناخبين الذين تؤرقهم ذكريات السنوات العجاف، حيث كانت العناوين تركّز على فقدان الوظائف وزيادة النفقات وإشهار الشركات إفلاسها.
وقالت ماريا فرانيي، وهي محامية تبلغ من العمر 40 عاما، إنّ حزب ميتسوتاكيس "أعاد اليونان إلى الساحة العالميّة وجعلها لاعبا مؤثّرا في الاتّحاد الأوروبّي من خلال إنجازاته الاقتصاديّة".
"أجندة خفية"
في المقابل، لم تلقَ وعود تسيبراس بزيادة الأجور آذانا مصغية. فهو بالنسبة إلى كثيرين لا يزال رئيس الوزراء (2015-2019)، الذي كاد أن يدفع باليونان خارج منطقة اليورو، والمسؤول الذي قام باستدارة مفاجئة انتقل عبرها من التعهّد بوقف إجراءات التقشّف، إلى الموافقة على إجراءات إنقاذ اقتصادي أكثر إيلاما.
وحذّر تسيبراس، الذي خسر أربع عمليّات اقتراع في مواجهة ميتسوتاكيس، اثنتان منها على المستوى الوطني، من أنّ منح المحافظين غالبيّة قويّة سيوفّر لهم "شيكا على بياض" لتمرير "أجندة خفيّة" من سياسات لا تخدم مصالح المجتمع.
وستطرح أيّ هزيمة جديدة لتسيبراس، بمزيد من الإلحاح، مسألة بقائه على رأس حزب انبثق من اليسار الراديكالي غير أنّه عمل في السنوات الأخيرة على إعادة تركيزه على خطّ وسطي.
وأظهرت انتخابات مايو/ أيار أنّ الكثير من الناخبين الشبّان الذين غالبا ما يصوّتون لصالح اليسار، أحجموا عن ذلك.
وقالت فينيا يورياكودا (29 عاما)، إنّ على أحزاب اليسار "الإنصات لمخاوف الشباب ومحاولة جذبهم بأساليب عمل مبتكرة" في حال أرادت العودة إلى الحكم.
(فرانس برس)