مواقف الأحزاب الإسرائيلية من عملية "طوفان الأقصى"

29 أكتوبر 2023
احتجاج أهالي أسرى الاحتلال لدى حماس على حكومتهم لإعادة الأسرى (أليكسي ج. ورزنفيلد/Getty)
+ الخط -

تعرّضت إسرائيل لظاهرتين في الفترة الاخيرة، هما: أوّلًا: الصراع بين مؤيدي ومعارضي التشريعات القضائية، التي بدأت حكومة نتنياهو تمريرها، والتي أدت إلى تصدعٍ كبيرٍ داخل المجتمع الإسرائيلي على مدار الشهور الثمانية الأخيرة، منذ أن انطلقت المظاهرات بشأنها. وثانيًا: قيام عناصر من حركة المقاومة الاسلامية "حماس" بعمليةٍ نوعيةٍ غير مسبوقةٍ على مستعمرات غلاف غزّة، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، كانت حصيلتها اقتحام عشرات القواعد والثكنات العسكرية، بعد عبور الجدار الفاصل بين قطاع غزّة وغلافه، والاستيلاء على مستعمراتٍ كثيرةٍ هناك، والتحرك بحريةٍ تامةٍ منقطعة النظير في هذا الغلاف، ولكيلومتراتٍ عدّةٍ بعيدًا عن الشريط الحدودي، ومقتل مئات الجنود والمدنيين، وأسر عشراتٍ من الرهائن ونقلهم إلى مكانٍ ما في قطاع غزّة.

الظاهرة الثانية أوقفت أو جمّدت؛ ولو مؤقتًا، الصراع الدائر داخل المجتمع الإسرائيلي في ما يخص مستقبل مؤسسته القضائية، ومصير الدولة، وذلك على حساب وحدة الشعب الإسرائيلي في مواقف مصيريةٍ ووجوديةٍ، كما صرّح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

اعتاد المجتمع في إسرائيل في أوقات الأزمات الأمنية، التي يعتبرها زعماؤه أنّها ذات أولويّةٍ متقدمةٍ ومتصدرةٍ للمشهد السياسي والحياتي قبل أيّ مشهدٍ نقاشيٍ وحواريٍ، على إعلان وحدته، معتبرًا الجيش والأمن فوق أيّ اعتباراتٍ سياسيةٍ وغيرها.

إنّ إدارة الحرب لن تكون بيد نتنياهو وحده، ولن تكون بيد أيّ حزبٍ من أحزاب الائتلاف الحكومي، الذي يُسَيّر حكومة نتنياهو

فمنذ الساعات الأولى بعد الكشف عن حجم ومساحة العملية التي قامت بها حركة حماس، انطلقت تصريحاتٌ وبياناتٌ من قيادات الأحزاب؛ سواء المكوّنة للائتلاف الحكومي الذي يتزعمه نتنياهو، أو من أحزاب المعارضة في الكنيست الإسرائيلي. فحزب الليكود؛ الأكبر على الساحة الحزبية في إسرائيل، والذي يقود الائتلاف الحكومي، عبّر عن موقفه على لسان نتنياهو نفسه، وعلى لسان عددٍ من وزراء حزبه في حكومته، إذ شدد على الوحدة حتّى في لحظات الأسى والحزن والألم، لتصل صداها إلى كلّ العالم، ليعرفوا أنّ إسرائيل مرّة أخرى ضحيّة الإرهاب الذي قامت به حماس. واعتبر نتنياهو حماس منظّمةً إرهابيةً شبيهةً بـ "داعش"، كما أنّ حكومته ستعمل على تدميرها، وعلى تصفية قياداتها، كما صفيت "داعش". في هذا الموقف من أعلى مستوى سياسي إسرائيلي؛ المقارنة الفعلية بين حماس وداعش، أسلوبٌ تعتمده إسرائيل لـ "شيطنة" حركة مقاومةٍ كـ "حماس"، واعتبارها خارجةً عن القانون، وذلك تحت غطاءٍ أمريكيٍ وأوروبيٍ، وفره إعلان الرئيس جو بايدن عن وقوف إدارته، ودولٍ شريكةٍ أخرى، إلى جانب حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وفي مواجهة حماس الإرهابية في ساعاتٍ حرجةٍ.

في حين صرّح وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت؛ وهو من حزب الليكود، فور الكشف عن حيثيات ما جرى في غلاف غزّة بأنّه أمر بقطع الماء والكهرباء والغذاء عن غزّة، كما سيعمل على تصفية حركة حماس الإرهابية، معتبرًا عناصرها "حيواناتٍ بشريةً". أكد هذا التشبيه عملية الشيطنة التي تبثّها هذه الحكومة، من منطلق أنّ اليهود هم بشرٌ وغيرهم؛ في هذه الحالة الفلسطينيون، فاقدون لكلّ معنى البشر والبشرية. وأضاف هذا الوزير أنّ ما حصل في غلاف غزّة لن يمر دون تسديد ضربةٍ قاضيةٍ على قطاع غزّة، لن ينساها الغزّيون حتّى خمسين سنةٍ. وهذا ليس غريبًا على سياسيٍ مثله، فهو صرّح في الماضي القريب أنّه سيُعيد غزّة إلى العصر الحجري. وهنا نستشف رائحة خطة "تطهيرٍ عرقيٍ"، وترحيلٍ سكانيٍ من القطاع.

أما زعيم حزب "القوة اليهودية" إيتمار بن غفير فقد ظهر على شاشات التلفزة بعد يومين من وقوع العملية، داعيًا إلى إقامة حكومة وحدةٍ وطنيةٍ تضم كلّ الأحزاب. واعتبر ما حصل تجربةً أخرى يعيشها الشعب اليهودي. فبعد أن اجتاز هذا الشعب المحرقة، ومحاكم التفتيش، وملاحقات فرعون مصر من المؤكّد والثابت أنّه سيجتاز هذه الواقعة أيضًا. كما أشار بن غفير إلى أنّ حكومة بلاده ملزمةٌ بتدمير البنية التحتية لحركة حماس، ابتداءً من القيادة العليا، وانتهاءً بآخر عناصرها الإرهابية. اللافت في مواقف حزبه أنه قد أرفق عبارة: "لا حقّ لحركة حماس في الوجود. كلّهم أبناء الموت". وهذا يعني أنه ينساق وراء الشائع من مواقفٍ تعتبر المقاومين إرهابيين، ويجوز قتلهم وتصفيتهم من أجل ضمان أمن إسرائيل.

في حين نادى حزب "الصهيونية الدينية"؛ الذي يتزعمه بتسلئيل سموتريتش، هو الآخر بأهمّية إقامة حكومة طوارئ وطنيةٍ، توحد الشعب الإسرائيلي، وترفع من معنوياته. كما أنّ حكومةً كهذه توفر غطاءً داعمًا للجيش في تحقيق هدفه الرئيسي، وهو تصفيةٌ تامةٌ وشاملةٌ لحركة حماس، ومنظماتٍ إرهابيةٌ أخرى في غزّة. وأنّ إسرائيل لا تستطيع أنْ تعيش في ظلّ أجواءَ إرهابيةٍ تحيط بها.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

أمّا أحزاب المعارضة، فكان واضحًا موقفها الداعم للحكومة، سواء انضمت جميعها إلى صفوف حكومة طوارئ وطنية، أو بعض منها، أو بقيت جميعها خارج إطار الحكومة. لكن ونظرًا لتوجيه الدعوة إلى كلّ زعماء أحزاب المعارضة، فإنّ أفيغدور ليبرمان؛ زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، قد اتسقت تصريحاته ومواقفه مع ضرورة تحقيق الهدف الرئيس، وهو تصفية حركة حماس، والانتهاء من تبنّي نهج المهادنة مع هذه الحركة. فإذا وافق نتنياهو على تبنّي هذا الهدف، فإنّه سينضم إلى الحكومة. لكنه سرعان ما تراجع عن الانضمام، لكونه يرفض أن يكون ورقة تينٍ لنتنياهو، لكونه خاض تجربةً سابقةً معه، حين كان وزيرًا في إحدى حكومات نتنياهو السابقة. وذهب ليبرمان إلى أبعد من ذلك، أنّه يوفر دعمًا وتأييدًا لحكومة الطوارئ إذا أعلنت أنّها ستقوم بتصفية حماس في غزّة ولبنان وماليزيا وقطر، وفي كلّ مكانٍ آخر.

وإذا نظرنا معمقًا إلى ما صرّح به يائير لبيد؛ زعيم حزب "يش عتيد" المعارض، فإنّنا ندرك مدى التنسيق والتناغم بين أحزاب الائتلاف الحكومي والمعارضة في قضيةٍ مصيريةٍ تتعلق بالجيش ومستقبل دولة إسرائيل. ففي تصريحٍ له لصالح قناة CNN، عقب العملية، اعتبر "حماس" مشابهةً لتنظيم الدولة الإرهابي "داعش"، خصوصًا أنّ حماس قطعت رؤوس الأطفال الإسرائيليين حين اقتحمت مستعمرات غلاف غزّة (وهي واحدةٌ من مسلسل التلفيقات التي ترافقت مع العملية وأعقبتها). وبالرغم من امتناعه عن الالتحاق بصفوف حكومة الطوارئ، إلى أنّه عبّر عن استعداد حزبه التّام لدعم هذه الحكومة في تنفيذ هدفها في تصفية الإرهاب الفلسطيني على حدّ تعبيره.

أمّا الوحيد من بين أحزاب المعارضة الذي انضم إلى حكومة طوارئ وطنية فكان "المعسكر الوطني"، بقيادة بني غانتس، مشترطًا أن يشكل مجلس حربٍ مصغرٍ يحمل اسم "كابينيت الحرب" مكوّن من نتنياهو وغالانت وغانتس، بدعمٍ من خارجه من أيزنكوت، وهو عضوٌ في حزبه، ورئيس أركانٍ سابق. بمعنى آخر، إنّ إدارة الحرب لن تكون بيد نتنياهو وحده، ولن تكون بيد أيّ حزبٍ من أحزاب الائتلاف الحكومي، الذي يُسَيّر حكومة نتنياهو. وطبعًا هذا التوافق يكون ساري المفعول حتى نهاية الحرب، شريطة ايقاف التشريعات القانونية، التي تقوم بها حكومة نتنياهو خلال هذه الفترة.

المقارنة الفعلية بين حماس وداعش، أسلوبٌ تعتمده إسرائيل لـ "شيطنة" حركة مقاومةٍ كـ "حماس"، واعتبارها خارجةً عن القانون

إذًا، ما نلاحظه أنّه في أوقات الأزمات، وحالات الحرب توضع الخلافات والنقاشات السياسية وغيرها جانبًا، ويسير الجميع في إسرائيل وراء قياداته كالقطيع. وهذا ما يحصل في ظلّ وتداعيات عملية "طوفان الأقصى". الكلّ متحدٌ حول هدفٍ واحدٍ، هو تدمير غزّة بضوءٍ أخضر من الرئيس الأميركي جو بايدن، ومن حكومات عددٍ كبيرٍ من دول الاتّحاد الأوروبي، لما في ذلك من خدمةٍ لبقاء إسرائيل دولةً حليفةً لأميركا، مشرفةً على ما يجري في المنطقة. وأيضًا لعودة الولايات المتّحدة الى الشرق الاوسط لوقف علامات الهيمنة الروسية-الصينية-الإيرانية.

المساهمون