مواجهات "الحشد" مع الكاظمي: انقسام سياسي وانكشاف المليشيات

29 مايو 2021
يسعى "الحشد" لفرض حصانة لقادته وعناصره (حيدر هادي/الأناضول)
+ الخط -

يفتح باب المواجهة الجديد بين الحكومة العراقية، برئاسة مصطفى الكاظمي، وقيادات الصف الأول في فصائل "الحشد الشعبي"، وتحديداً تلك الحليفة لطهران، على فصل سياسي وأمني جديد في البلاد، تسبب بانقسام واضح بين القوى الشيعية الرئيسية في البلاد بين مؤيد للحكومة وقراراتها، وفريق مدعوم بالسلاح مناوئ لها، ويسعى إلى كسر قراراتها وفرض أشبه ما تكون بحصانة لـ"الحشد الشعبي"، تمنع محاسبة قادته وعناصره، وحصر ذلك بجهاز أمني داخل "الحشد"، في حال كانت هناك مشاكل، أو تهم، يتولى هو الاعتقال والتحقيق، وليس أجهزة الأمن العراقية.

لا تعتبر المواجهة الحالية بين الكاظمي و"الحشد الشعبي" الأولى من نوعها

ولا تعتبر المواجهة الحالية بين الكاظمي، المدعوم ضمناً من واشنطن، وبين "الحشد الشعبي"، الأولى من نوعها، إذ سبقتها عدة مواجهات وتوترات منذ الأسابيع الأولى لتوليه رئاسة الحكومة مطلع مايو/أيار من العام الماضي. وتسبّب اعتقال قوة خاصة تتبع مكتب الكاظمي، لمسلحين ينتمون لمليشيا "كتائب حزب الله" العراقية نهاية يونيو/حزيران الماضي، في مزرعة ببلدة البوعيثة جنوبي بغداد، بتهمة مهاجمة السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء وسط العاصمة، ومنشآت عسكرية أخرى حساسة، بصواريخ الكاتيوشا، بانتشار مسلحي المليشيات في بغداد، ومحاصرتهم مبنى جهاز مكافحة الإرهاب ومقرات حكومية أخرى، بينها مكتب وكيل وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات، قبل أن تضطر الحكومة إلى إطلاق سراحهم بعد يوم واحد.

وأعقب ذلك اعتقال قوات عراقية للقيادي في مليشيا "عصائب أهل الحق"، حسام الأزيرجاوي، في بغداد نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد ورود معلومات عن علاقته بالهجوم الصاروخي الذي استهدف معسكر "فيكتوريا" غربي بغداد، الذي يستضيف قوة أميركية ضمن جهود قوات التحالف الدولي. وانتهت الأزمة، التي تسببت باستعراض مسلح للمئات من عناصر المليشيا، بإطلاق سراح الأزيرجاوي أيضاً.

ووصلت المواجهة بين الطرفين إلى اشتباكات مسلحة بين قوات جهاز مكافحة الإرهاب في البصرة ومليشيات مسلحة، خلال عملية أمنية لاعتقال قيادي في مليشيا منضوية ضمن "الحشد الشعبي"، متهم بقتل الناشطة المدنية ريهام يعقوب، والصحافي أحمد عبد الصمد. وانتهت الاشتباكات بإفلات القيادي وتعذر اعتقاله، ما دفع الكاظمي إلى إقالة قائد عمليات الجيش العراقي في البصرة اللواء أكرم صدام وتعيين آخر مكانه.

وعن الأزمة الحالية، إثر اعتقال القيادي في "الحشد" قاسم مصلح، وما تبعه من انتشار للفصائل المسلحة في محيط المنطقة الخضراء، قال سياسي عراقي بارز في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنها تسبّبت بتعزيز الانقسام داخل القوى الشيعية الرئيسية في البلاد، كاشفاً عن موقف جديد للنجف إزاء الأزمة. وأضاف المسؤول، وهو نائب سابق وحالياً ضمن الهيئة السياسية لإحدى القوى السياسية الرئيسية في البلاد، أن الانقسام الحالي بين القوى الشيعية الرئيسية يتمثل بمعسكر مؤيد للدولة، يرى ضرورة عدم كسر قرارات الحكومة أو استخدام لغة التهديد المسلح بوجهها، وآخرين يتجهون لفرض واقع جديد، يتمثل بمنح "الحشد الشعبي" حصانة بشكل أو آخر، تفرض على الحكومة عدم اعتقال أي قيادي في الفصائل المسلحة، وترك المهمة لجهاز الأمن في "هيئة الحشد" الذي يقوم بنفسه بالاعتقال والتحقيق، على غرار المحاكم العسكرية في وزارة الدفاع العراقية. وجهاز "أمن الحشد الشعبي" يمثّل نظير مديرية الشؤون الداخلية في وزارة الداخلية، وتأسس فعلياً في العام 2017 داخل "الحشد"، ويرأسه شخص يحمل اسماً حركياً (الحاج علي)، ويمثل الجناح المقرب من إيران، وينتمي تنظيمياً إلى "كتائب حزب الله" المتورطة الأولى بقتل واستهداف الناشطين ومهاجمة المصالح الأميركية.

وأوضح المسؤول أن الكاظمي يحظى بتأييد من زعماء قوى شيعية بارزة، ترى ضرورة تقوية الدولة ووقف لغة التهديد والابتزاز المسلح ضدها، وهم عمار الحكيم ومقتدى الصدر وحيدر العبادي، في حين يقف هادي العامري وفالح الفياض وهمام حمودي، وقادة كتل منضوية ضمن "الحشد" أبرزهم أحمد الأسدي الذي يرأس أيضاً مليشيا تدعى "جند الإمام"، ضد توجهات الحكومة، ودفعوا باتجاه التصعيد ضدها، في توجه يقوده رئيس أركان "الحشد الشعبي"، عبد العزيز المحمداوي، الملقب بـ"أبو فدك"، إلى جانب زعماء مليشيات أخرى، أبرزهم "النجباء" أكرم الكعبي، و"عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، و"كتائب الإمام علي" شبل الزيدي، وآخرين، وجميعهم من الفصائل المسلحة الحليفة لإيران.

رحيم العبودي: الأحداث الأمنية التي شهدتها بغداد بيّنت عدم سيطرة الحكومة العراقية على زمام الأمور

وكشف المسؤول أن مساعي رئيس ائتلاف "دولة القانون"، رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، للحصول على رئاسة الحكومة المقبلة، دفعته إلى عدم إصدار أي موقف واضح من الأزمة الحالية، وحتى على مستوى قيادات كتلته أو حزبه (الدعوة)، لكنه لعب في الوقت نفسه دوراً في إقناع الفصائل المسلحة بالانسحاب من مداخل المنطقة الخضراء، وإنهاء الاستعراض المسلح لهم الذي تم ليلة الأربعاء الماضي، تحاشياً لصدور مواقف دولية إزاء الأزمة. ولفت إلى أن إشارة وردت مساء أمس الأول الخميس إلى بغداد توضح موقف المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني، من خلال مقربين منه، وهو ضرورة أن يأخذ القضاء مجراه ولا حصانة لأحد، في تأييد آخر لحكومة الكاظمي.
وبشأن مصير القيادي في "الحشد الشعبي" قاسم مصلح، فإن المعلومات من بغداد حتى عصر أمس الجمعة كانت تؤكد أنه ما زال داخل مبنى أمني في المنطقة الخضراء، ولا صحة لإطلاق سراحه. بينما يستمر التشديد الأمني والانتشار العسكري في محيط وداخل المنطقة الخضراء، وعدد من الشوارع القريبة منها، فضلاً عن إقامة حواجز أمنية متنقلة.

وخلال اليومين الماضيين صدرت عدة مواقف سياسية من بغداد تؤشر على حدة الانقسام، خصوصاً من زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، الذي قال، في تغريدة على "تويتر"، إن "إضعاف العراق ممنوع فلا تتكالبوا عليه"، وذلك بالتزامن مع محاصرة مسلحي المليشيات للمنطقة الخضراء، في الوقت الذي قال رئيس الوزراء الأسبق زعيم كتلة "النصر" حيدر العبادي، إن "بناء الدولة مسؤولية تضامنية. إما أن تسير الدولة إلى النظام والسيادة، وأما أن تنهد على رؤوس الجميع". وأضاف أن "التجاوز والاستقواء والتمرد على الدولة ممنوع". وختم بيانه: "لا أحد فوق القانون والمساءلة، فلنحتكم إلى الدولة ومنطقها قبل أن تبتلعنا الفوضى". في المقابل، أصدر زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، بياناً شديد اللهجة، حذّر فيه الكاظمي مما وصفه "بمحاولات الالتفاف على القضاء"، معتبراً عملية اعتقال مصلح "محاولة لكسر هيبة الحشد".

وقال الباحث والخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد النعيمي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن مواجهات الكاظمي مع "الحشد الشعبي" تسببت بخسارة الأخير الكثير من الرصيد الشعبي الذي حصل عليه في السنوات الماضية، إذ بات بمظهر المُهدد للدولة والاستقرار، فيما الشارع العراقي بمختلف مكوناته في موقف داعم لسلطة الدولة لا المليشيات والأحزاب. وأضاف النعيمي أن المواجهات تلك ساعدت الكاظمي في إثبات عدم صحة ما تم الترويج له سياسياً، وفي الحكومات السابقة، بأن "الحشد" جزء من المنظومة الأمنية، وأنه خاضع للقائد العام للقوات المسلحة، إذ بات اليوم في معسكر مضاد للحكومة وقراراتها، ويؤوي أو يدافع عن متورطين بتصفية ناشطين ومتظاهرين وقصف مواقع عسكرية. واعتبر أن الكاظمي، حتى لو اضطر للتنازل وإطلاق سراح القيادي المعتقل، فإن ذلك لن يكون هزيمة له بقدر ما هو تأكيد على التحدي الذي تفرضه مليشيات عدة داخل "الحشد" على سلطة الدولة والقانون واستقرار البلاد.

من جهته، وصف عضو البرلمان محمد الخالدي، في بيان، أحداث اليومين الماضيين في بغداد، بالقول إن "العراق مر في مرحلة شديدة التعقيد، ربما هي الأكثر خطورة بعد 2003، وكادت أن تؤدي إلى منزلق دامٍ لولا المساعي السياسية التي أنقذت الموقف ودفعته للتهدئة". وأكد أن "هيبة الدولة خط أحمر، وبروز مظاهر مسلحة في شوارع بغداد تقوّض القانون، وعلى العقلاء إدراك خطورة المشهد وتأثيراته على مستقبل البلاد".

ماجد شنكالي: كشفت الأزمة كذبة عمل الفصائل المسلحة تحت مظلة الدولة العراقية

وحول هذه التطورات، قال القيادي في "تيار الحكمة"، الذي يتزعمه عمار الحكيم، النائب رحيم العبودي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأحداث الأمنية التي شهدتها العاصمة بغداد، بعد اعتقال أحد قيادات الحشد الشعبي، بيّنت عدم سيطرة الحكومة العراقية على زمام الأمور، وعدم قدرة الكاظمي على التعامل مع الفصائل وقياداتها". وأضاف أن "ما حدث يؤكد أن الأيام المقبلة ربما تشهد توتراً أمنياً أكبر من الذي حصل، وقضية الصدام المسلح غير مستبعدة، خصوصاً أن هناك أطرافاً لا تريد إجراء الانتخابات، وهذا الأمر يفتح أبواب العراق بشكل أكبر للتدخلات الخارجية من أطراف عدة". وتابع "نخشى من ذهاب الأمور نحو اللادولة، وهذا ما نحذر منه، ولهذا نحن نعمل على تعزيز الدولة. فلا يمكن السماح لأي قوة العبث بمقدرات الدولة، وهذا الأمر يتطلب توحيد الجهود السياسية والحكومية، لمنع التوجه نحو اللادولة ويكون هنا الكل خاسر".

من جهته، اعتبر عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الأزمة الأخيرة بين "الحشد" والحكومة "كشفت كذبة عمل الفصائل المسلحة تحت مظلة الدولة العراقية، فما حصل كشف وجود تمرد واضح ومعلن لهذه الفصائل على الدولة والقانون". وبيّن شنكالي أن "ما حصل مؤشر خطير، على وضع العراق في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن الأطراف السياسية التي تملك السلاح خارج سيطرة الدولة، تريد السيطرة على المشهد من خلال قوة السلاح، وتريد أن يكون القانون وفق أجنداتها، ومن يخالف ذلك يتعرض إلى التهديد والابتزاز المسلح". وأضاف أن "احتمالية الصدام المسلح بين الفصائل والحكومة، أو الفصائل فيما بينها، أمر وارد جداً. فهناك أطراف مستعدة لفعل أي شيء من أجل بقاء نفوذها وسطوتها على المشهد السياسي أو الحكومي، وكذلك فرض قوتها على الشارع العراقي، من خلال المظاهر الخارجة على القانون، التي تتحدى بها الدولة العراقية".

شارك في التغطية من بغداد: عادل النواب

المساهمون