يواجه مسؤولون في هيئة "الحشد الشعبي" في العراق اتهامات متصاعدة، حيال تكليف المئات من عناصره بواجبات خارج إطار المهمات المرسومة له، على غرار حماية شخصيات سياسية معينة، أو حراسة مبان ومقرات لأحزاب ومكاتب سياسية مختلفة.
كما اتهموا بتكليفهم بالمشاركة في تظاهرات ووقفات احتجاجية مؤيدة لتحالف "الإطار التنسيقي"، ومواقف سياسية أخرى، مثل التظاهرة التي نظمت في 4 فبراير/شباط الماضي، ضد وزير المالية السابق هوشيار زيباري في ساحة التحرير ببغداد، رفضاً لترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية، وأخرى ضد مشروع مد أنبوب نفط البصرة ـ العقبة، والتحشيد للاحتجاج على برنامج يبث من قناة تلفزيونية محلية وسط بغداد، اعتبرت مسيئة لأحد قيادات "الحشد الشعبي".
وكشفت مصادر مقربة من هيئة "الحشد الشعبي"، المظلة الجامعة لأكثر من 70 تشكيلاً مسلحاً، لـ"العربي الجديد"، عن انتقادات متصاعدة من قوى سياسية، بينها التيار الصدري وأخرى فصائلية، بشأن توسيع منح الموافقات من قبل "قيادة أركان الحشد الشعبي"، بتكليف مقاتلين بمهمات خارج مسؤولياتهم المحددة بالقانون المُنظم للهيئة.
يتم تنسيب أعداد من عناصر "الحشد" في محطات فضائية تابعة لقوى سياسية وفصائل مسلحة
من هذه المهمات، بحسب المصادر، حراسة مقرات ومكاتب سياسية، أو مرافقة شخصيات، بينهم نواب فازوا بالانتخابات الأخيرة، وتنسيب أعداد منهم، خصوصاً حملة الشهادات الجامعية، في محطات فضائية تابعة لقوى سياسية وفصائل مسلحة.
استخدام تحت عنوان "تكليف"
وكشف نائب سابق عن تحالف "الفتح" عن "استخدام مئات من منتسبي الحشد الشعبي، خلال العامين الماضيين، في غير مهماتهم"، مشيراً، لـ"العربي الجديد"، إلى أن ذلك كان تحت عنوان "تكليف".
لكن الأكثر خطورة وفقا للنائب السابق هو "التظاهرات والاعتصامات التي نظمت أمام المنطقة الخضراء لمدة شهرين رفضاً لنتائج الانتخابات، حيث تم استخدام المئات من منتسبي الحشد فيها، وحتى على مستوى استخدام جهودهم بالحملات الدعائية في الانتخابات الأخيرة".
امتعاض سياسي وشعبي وديني
وأضاف النائب السابق، طالباً عدم الكشف عن اسمه، أن "هناك امتعاضا على مستوى سياسي، وحتى شعبي وديني، من الظاهرة. فمن غير الصحيح أن تحصل أحزاب ومؤسسات وشخصيات على خدمات مجانية، من خلال توظيف أفراد يتلقون مرتباتهم نهاية الشهر من الدولة"، واصفاً الأمر بأنه "قائم على مجاملات وعلاقات شخصية".
وكان البرلمان صوّت، في العام 2016، على مشروع قانون قدمته عدة قوى سياسية، عرف باسم "قانون الحشد الشعبي"، جمع من خلاله الفصائل المسلحة، التي تأسس معظمها بعد اجتياح تنظيم "داعش" البلاد منتصف 2014، تحت مظلة واحدة، واعتبرها مؤسسة أمنية رسمية. وتم في القانون إقرار رواتب شهرية لعناصره موازية لرواتب جنود الجيش، مع تخصيص موازنة تسليح وتطوير سنوية. وبلغ عديد المقاتلين المسجلين رسمياً زهاء 115 ألف عنصر.
تواصلت "العربي الجديد" مع اثنين من المسؤولين في هيئة "الحشد الشعبي"، لكنهما اعتذرا عن الإدلاء بأي تعليق حول تلك الاتهامات. وقال أحدهما إنها "اتهامات باطلة، لا تستحق التعليق".
الأمر منافٍ لقانون "الحشد"
وقال القيادي في "الحشد الشعبي" عادل الكرعاوي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنه "قد يحدث ذلك في بعض الأحيان، لكنه منافٍ لقانون الحشد، وهو مرفوض ويُحاسب عليه القانون. وفي هيئة الحشد الشعبي مديرية للمتابعة متخصصة بمثل هذه التجاوزات وتعالجها سريعاً". وأضاف أن "الحشد قوة قتالية لا يمكن أن تُستغل من أي طرف في أي مشاريع سياسية أو حزبية، أو حتى لصالح شخصيات سياسية معينة. إن حدث (هذا الأمر) فإنه لن يستمر".
لكن عضو تحالف "الإطار التنسيقي" كريم عليوي اعتبر أن "إثارة الموضوع له أبعاد سياسية"، مؤكداً، لـ"العربي الجديد"، وجود "مبالغة وتضخيم في هذا الموضوع بدوافع معروفة".
وأضاف عليوي أن "بعض المنتسبين في الحشد الشعبي يعملون أساساً في وظائف ثانوية، مثل القنوات الفضائية والمكاتب السياسية. هم يمارسون أعمالاً أخرى غير واجباتهم حيال الهيئة، التي تمثل وظيفة حكومية، ولا يمكن المساس بها".
وتابع أن "الحشد قوة قتالية مارست أدواراً وطنية كبيرة، ورغم أن بعض الأخطاء أو طرق الاستغلال تحدث في بعض الأحيان، إلا أنها تُكشف، ويتم محاسبة ممارسي الاستغلال بسرعة من خلال مديرية أمن الحشد، أو عبر الكتب الرسمية الخاصة بالتوبيخ والعقوبات الإدارية".
منتسبون إلى "الحشد" يطلبون تفريغهم
وفي السياق، قال الناشط السياسي مصطفى حميد إن "بعض المنتسبين في الحشد الشعبي هم الذين يطلبون من سياسيين وأحزاب تفريغهم لصالح العمل في المكاتب أو المقرات التابعة لهم للخلاص من الواجبات الصعبة والمرهقة".
مصطفى حميد: الخلافات السياسية سبب في إعادة لفت الأنظار إلى الظاهرة
وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد": "كما أن الكثير من أفراد الأجنحة الإعلامية في الحشد الشعبي تم تنسيبهم إلى مكاتب الأحزاب، لصناعة محتوى إعلامي حزبي وسياسي، وإدارة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي". وأكد أن "الظاهرة موجودة ومعروفة، لكن الخلافات السياسية أعادت لفت الأنظار إليها وإثارتها مجدداً، كأوراق إدانة ضد الغير".
توظيف القوة لمصالح الأحزاب
الخبير الأمني العراقي مؤيد الجحيشي اعتبر أن "أحد أهم أسباب مطالبة بعض القوى السياسية بدمج الحشد الشعبي في صفوف الجيش والشرطة في البلاد، هو وقف توظيف هذه القوة القتالية لمصالح الأحزاب، سواء على صعيد خدمتها إدارياً وإعلامياً، أو انتخابياً وسياسياً".
وبين الجحيشي، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك عشرات التأكيدات التي تشير إلى أن أعداداً ليست قليلة من منتسبي الحشد يتواجدون في أماكن خارج مناطق القتال، في المكاتب والمقرات الحزبية التابعة للإطار التنسيقي وغيرها، بصفات متفرقة، ما بين إداريين وحرس شخصيات وسائقي سيارات مصفحة وإداريين وإعلاميين".