من هو الصادق بلعيد كاتب الدستور التونسي الجديد؟

07 يونيو 2022
يتهم بلعيد بتوظيف خبرته القانونية لخدمة السلطة في فترات الحكم المختلفة (فيسبوك)
+ الخط -

يثير رجل القانون التونسي، الصادق بلعيد، رئيس اللجنة المكلف من الرئيس قيس سعيد بتأسيس "الجمهورية الجديدة"، جدلا كبيرا في تونس بسبب مواقفه السياسية والقانونية، ليس في هذه الفترة فحسب، وإنما منذ عقود، أيام الرئيسين الراحلين، الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

وتبدو مواقفه متضاربة بين فترة وأخرى، ومثيرة للجدل في ما يتعلق بقضايا مهمة على غرار المتعلقة بالـ"هوية"، شديدة الحساسية في تونس.

وشكل تصريحه الأخير، الإثنين، بإمكانية تغيير الفصل الأول من الدستور التونسي وحذف مرجعية الإسلام دينا للدولة، جدلا واسعا، خصوصا أن هذا الموضوع أخذ أشهرا طويلة من النقاش في البلاد إبان كتابة الدستور، بين الأحزاب السياسية والمنظمات وجمعيات المجتمع المدني، وتم حسمه في دستور 2014.

ولكن الجدل يتعلق أيضا بانفراد بلعيد بهذا القرار، خصوصا أن اللجنة التي كونها لكتابة الدستور الجديد لم تجتمع إلا مرة واحدة ولم تقترح شيئا إلى حد الآن، ما يعني أنه قفز فوقها، ربما بدافع من الرئيس سعيد الذي كان أعلن بوضوح في شهر رمضان الماضي عن تبنيه فكرة حذف المرجعية الدينية من الدستور، وهو ما يطرح السؤال عما إذا كان بلعيد مترجما لأفكار سعيد.

ومما أثار الدهشة في الأيام الأخيرة أن بلعيد طلب من أعضاء اللجنة، يوم السبت الماضي، أن يكتبوا تصورا لتونس في العقود القادمة، ولكن في صفحة واحدة، وأن يترجموا ذلك قانونيا في صفحة ثانية أخرى، لا غير.

قانوني مخضرم

والصادق بلعيد، 83 عاما، هو جامعي متقاعد من تدريس القانون بكليات القانون التونسية، شغل خطة عميد كلية العلوم القانونية والسياسية والاقتصادية بالعاصمة بين سنوات 1971 و1977 زمن حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، ولذلك سميّ بـ"العميد". 

وبلعيد، الذي سيرأس الهيئة، قانوني مخضرم شهد حقبات سياسية مختلفة، مع الجمهورية الأولى زمن نظام بورقيبة ثم زمن نظام بن علي، وبعد الثورة خلال الفترة التأسيسية لبناء الجمهورية الثانية، واليوم يرأس لجنة بناء "الجمهورية الثالثة"، أو "الجمهورية الجديدة" كما يسميها الرئيس سعيد.

  ويظهر اسمه باستمرار في وسائل الإعلام في تونس عند كل جدل دستوري، أبرزها حضوره عشية هروب زين العابدين بن علي لتأويل الفصل الدستوري الذي يمكّن من تسلّم مهمات رئيس الجمهورية.

وتتهم المعارضة بلعيد بمساهمته في فترات الحكم المتعاقبة بالوقوف إلى جانب السلطة والمساهمة بخبرته القانونية في استدامة نظام الحكم غير الديمقراطي.

دساتير على المقاس

وقال القيادي بالتيار الديمقراطي، هشام العجبوني، في 25 مايو/أيار الماضي، بعد تعيين بلعيد على رأس اللجنة المذكورة، على حسابه في "فيسبوك"، إن "بلعيد لديه خبرة طويلة في صياغة الدساتير على المقاس".


وعلق القيادي بحركة الشعب، سالم لبيض، بنفس المناسبة على صفحته في "فيسبوك"، "من المفارقات أن العميد المخضرم المتقاعد الصادق بلعيد الذي ناصف العقد التاسع من عمره، المعيّن من الرئيس قيّس سعيد منسقا للهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، عرض نفسه سنة 2011 على الشعب التونسي، وترأّس قائمة الوفاء في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، لكنه فشل في نيل ثقته، وسقطت قائمته التي لم تحصل إلا على 4391 صوتا". 


وفي المقابل، قالت المستشارة السابقة للرئيس سعيد، رشيدة النيفر "صادق بلعيد الذي أعرفه هو من أفضل أساتذة القانون العام على الإطلاق، ومن أشد العمداء الذين تعاقبوا على الكلية دفاعا عن الديمقراطية، إلى حد أنه سمح لنا في 1973 بأن نعقد جلسة عامة والبوليس يحاصر الكلية لكي نتشاور حول مواصلة الإضراب العام وفعلا قررنا مواصلة الإضراب".


ودوّن القاضي حمادي رحماني، على صفحته في "فيسبوك"، قائلا: "تكليف من لا يملك (سعيد) لمن لا يستحق (بلعيد)!".

التلميذ واستاذه: أفكار متقاربة

وتثير العودة إلى بعض مواقف بلعيد السابقة حيرة كبيرة، إذ إنها تكشف اضطرابا واضحا في المواقف يصل إلى حد التناقض.

وعلاقة سعيد ببلعيد علاقة قديمة، تعود إلى الجامعة حيث كان سعيد أحد طلبته.

وتنقل جريدة الصباح التونسية في 26 فبراير/شباط 2011 أن الثنائي شارك في لقاء مع الطلبة حول الوضع الدستوري في تونس في ذلك الوقت، واعتبر فيه سعيد أن "ما حدث يوم 14 جانفي (يناير) 2011 كان فتنة دستورية وأن تونس عرفت منذ 15 جانفي انفلاتا دستوريا وأصبح الدستور في الإنعاش ويتنفس اصطناعيا، وبيّن أن الثورة تقطع مع الشرعية السابقة وهو ما يستدعي تأسيس شرعية دستورية جديدة". 

وفي نفس اللقاء، قال الصادق بلعيد إن "الحل للمأزق الدستوري هو تكوين هيئة تأسيسية دستورية جديدة تقطع مع الدستور القديم وتنظم بصفة وقتية السلطة والحكم في البلاد (...) هذه الهيئة تمثل لحظة تاريخية هامة في البلاد ويقتضي الوضع انتخاب مجلس تأسيسي دستوري في أقرب وقت والابتعاد عن تضخيم الصعوبات التي يمكن أن تصاحب هذا الأمر".

ويشير هذا الموقف إلى أن الثنائي كان يتشارك الأفكار حول الدستور منذ سنوات الثورة الأولى، وأُتيحت له الفرصة بعد تولي سعيد السلطة لتنفيذ تلك الأفكار، ولكن الغريب أن بلعيد يناقض نفسه في بعض المسائل ومن بينها ما يتعلق بالفصل الأول من الدستور.

وقد نشرت مجلة ليدرز التونسية مقترحا كاملا لمشروع دستور اقترحه بلعيد باللغة الفرنسية، في يوليو/تموز 2012، يحافظ على الفصل الأول، كما هو في دستور 1959 وفي دستور 2014، وينص على أن تونس دولة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها، بينما يقترح الآن حذفه.

ونشرت نفس المجلة في 2020 مقالا لبلعيد ينتقد فيه دستور الثورة وخصوصا غياب المسألة الاقتصادية والاجتماعية فيه، وكذلك ما يصفه بـ" الصعوبة الدائمة في تعريف مكانة الدين في النظام السياسي"، ما يعكس تضاربا في المواقف. 

ولكن مشروع دستور بلعيد، يعطي صلاحيات واسعة للرئيس في نظام رئاسي يشبه ما يريده سعيد، حيث إن للرئيس نائبا كما في الأنظمة الرئاسية الأخرى، وهو الذي يسمي وزيرا أول وليس رئيسا للحكومة، وليس من بين الحزب الفائز بالأغلبية في البرلمان، ولكن بعد التشاور مع الأحزاب، مع اشتراط موافقة البرلمان بأغلبية الثلثين، إلى غيرها من تفاصيل تشهد تقارب الرجلين في ما يفكران به.

حين خسرت تونس في لاهاي

جيل سابق من التونسيين، يحتفظون بذكرى سيئة عن بلعيد، إبان ترأسه اللجنة التونسية في الخلاف الليبي التونسي حول ملف الجرف القاري، والذي نشب بسبب خلاف حول رواسب صخرية متعددة المعادن تضم كميات هائلة من البترول والغاز والثروات السمكية والمعدنية، بين عامي 1978 و1982.

تتفق تقارير إعلامية عديدة على أن الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، اقترح آنذاك على تونس اقتسام ثروات الجرف القاري، إلا أن الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة رفض ذلك، واقترحت عليه مجموعة من أساتذة القانون، من ضمنهم العميد الصادق بلعيد، رفع قضية أمام المحكمة الدولية بلاهاي، وهو ما تم بالفعل عام 1978.

في 24 فبراير/شباط 1982، أصدرت محكمة لاهاي قرارا نهائيا ورسميا يؤكد على السيادة الكاملة لليبيا على الجرف القاري، دون إعطاء أي نصيب لتونس، وهي خسارة كبرى لا تقدر بثمن.