من قطع الرؤوس إلى الجرائم الجنسية... شيء من مسلسل الكذب الإسرائيلي

09 ديسمبر 2023
تسليم محتجزة لدى "حماس" للصليب الأحمر، رفح، نوفمبر (Getty)
+ الخط -

تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي التركيز في خطابها خلال الفترة الحالية على الجرائم الجنسية وعمليات الاغتصاب التي تزعم فيها أن عناصر من المقاومة الفلسطينية نفّذتها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي خلال عملية "طوفان الأقصى"، لكنها لم تعرض حتى اليوم أي دليل فعلي على حدوثها.

وتبيّن بعد فحص أجرته "العربي الجديد"، أن الفيلم الذي أنتجته إسرائيل لترويج لروايتها والتأثير على صنّاع القرار والصحافيين والمؤثرين، وبالتالي على الرأي العام العالمي من خلالهم، والذي يرصد العديد من مشاهد القتل في مناطق "غلاف غزة"، لا يحتوي على أي مشهد يوثق ولو حالة اعتداء جنسي واحدة، أو حتى أي مشهد يقترب من ذلك، على الرغم من أن الفيلم بات واحداً من أهم الأدوات للترويج للرواية الإسرائيلية.

كجزء من الدعاية الإسرائيلية، أنتج جيش الاحتلال فيلماً لهجمات السابع من أكتوبر، يعرضه في إسرائيل والعالم بشكل محدود، في إطار إجراءات خاصة. يصل طول النسخة الـ17 من الفيلم إلى نحو 45 دقيقة، ويحتوي على مشاهد حقيقية مما حدث في ذلك اليوم. وخضع الفيلم لعدة تعديلات منذ نسخته الأولى، إذ أضيفت مشاهد وحُذفت أخرى.

تتطلب مشاهدة العرض إجراءات خاصة، منها التسجيل المسبق وعدم إدخال الهواتف أو الساعات الذكية أو أدوات التسجيل، وكل ما يمكنه توثيق شيء من الفيلم. وتشدد استمارة العرض التي يتم ملؤها من قبل المشاركين على الالتزام بعدم تداول محتوى الفيلم، علماً أن بعض مقاطعه تم تداولها من قبل على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وإذا كانت إسرائيل تحاول الإيحاء بأن عدم السماح بعرض الفيلم على نطاق واسع مفتوح يعود إلى بعض مشاهده الصعبة، فإنها على الأرجح لا تريد منح المقاومة الفلسطينية مساحة للرد وتفنيد الادعاءات الزائفة.

فعلى الرغم من ظهور عناصر بزي "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، خلال عمليات إطلاق نار واقتحامات مختلفة، إلا أن الكثير من مشاهد القتل والجثث، ظهرت أيضاً من دون توثيق هوية مرتكبيها.

وقد يدخل في الحسابات الإسرائيلية في إطار الإجراءات الخاصة، لا سيما منع إدخال الأجهزة التكنولوجية، عزل المشاهدين عن العالم الخارجي طيلة فترة العرض، ما يجعل تركيزهم أكبر على المشاهد ورسائلها.

ومن شأن كل ذلك التمهيد للتأثير على الحضور حتى قبل أن يبدأ العرض، يضاف إلى ذلك حديث المسؤولين عن أن الفيلم يحتوي على مشاهد قاسية وبإمكان أي شخص لا يحتملها مغادرة القاعة من دون الشعور بالحرج.

المشاهد من ساحة المعركة التقطتها كاميرات المراقبة في المكان أو في البيوت ومحيطها، وأخرى كانت حصيلة ما رصدته الكاميرات على أجساد المقاومة أو عناصر أمن الاحتلال، أو ما وثقه السكان الإسرائيليون، وغيرها من المصادر.

ينسب الفيلم كل ما يظهر فيه من مشاهد إلى "حماس"، حتى لو لم تُظهر بعض المقاطع من ارتكب القتل. وفي مشاهد أخرى ظهر مدنيون فلسطينيون وجهات مسلحة أخرى، ومع هذا نُسبوا أيضاً لـ"حماس"، تحت توصيف "إرهابيو حماس" باللغة الإنكليزية، وهي الجملة التي رافقت مختلف المقاطع في مسعى واضح لدمغ الحركة ومواصلة الجهود الإسرائيلية لشيطنتها ونزع أي صفة إنسانية عن عناصرها.

في الفحوصات التي أجراها الأطباء الشرعيون لم يتم العثور على أي نتائج تشير إلى إقامة علاقات جنسية

تم اختيار المقاطع التي تُعرض بعناية، لكن كان لافتاً أنها لم توثق لحظات إطلاق نار من قبل الإسرائيليين باتجاه عناصر المقاومة، ولا الغزيين المدنيين الذين أقحموا أنفسهم في العملية.

ولم توثق أيضاً أي مشاهد لمقتل إسرائيليين بنيران صديقة، على الرغم من أن بعض التقارير الإسرائيلية سبق أن تحدثت عن وقوع حالات كهذه. وتناولت تقارير إسرائيلية سابقة أيضاً احتمال مقتل عدد من الإسرائيليين بنيران طائرة حربية إسرائيلية كانت قد وصلت إلى المنطقة وأطلقت النار بشكل عشوائي.

يعرض الفيلم مشاهد إطلاق نار وجثث ودماء وصراخ وغيرها. لكن غابت مشاهد قطع رؤوس أطفال في الفيلم أو استهدافهم بشكل مقصود أو مباشر، وكذلك مشاهد حالات اغتصاب لنساء وفتيات أو غيرهن، على الرغم من جهود إسرائيل أخيراً، للدفع بهذه القضية إلى الواجهة ولوم العالم على عدم استنكارها.

روايات عن الجرائم الجنسية بلا أدلة

عدم وجود أدلة على حصول اعتداءات جنسية، لا ينعكس فقط في عدم احتواء الفيلم على أي مشاهد منها، فبالعودة إلى 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أفردت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريراً مطولاً تحت عنوان "الأدلة على الجرائم الجنسية خلال المذبحة تتراكم، لكن الطريق إلى المحكمة لا يزال طويلاً".

وزعمت أن "العديد من الشهادات أشارت إلى أنواع مختلفة من العنف الجنسي والجندري التي ارتكبها عناصر حماس ضد النساء في 7 أكتوبر، إلى جانب أنواع أخرى من الجرائم التي ارتُكبت ضد سكان غلاف غزة. وكلما استمرت جهود التحقيقات، كلما تتزايد الأدلة".

لكن التناقض الواضح في التقرير حينها أنه تحدث عن وجود أدلة على مختلف ما زُعم ارتكابه من قبل المقاومة، إلا الجزئية المتعلقة بالاغتصاب، ومع هذا تعامل معها على أنها حقيقة. وذكر التقرير أنه "في حين تم توثيق العديد من جوانب الهجوم على البلدات والقواعد في الجنوب بشكل واضح - على سبيل المثال، حرق المنازل على ساكنيها، وأعمال القتل - إلا أن الحجم الهائل للمذبحة ووحشيتها يجعل من الصعب بشكل خاص التحقيق في الجرائم الجنسية وتشخيصها وتحديد المتورطين فيها".

وأشارت "هآرتس" نقلاً عن مصادرها إلى أن الظروف التي سادت منطقة القتال وطريقة نقل الجثث وغيرها، صعّبت عملية التحقيق بقضايا الاعتداءات الجنسية. وتابعت: "بالإضافة إلى الوضع الصعب للجثث، ما أدى إلى تركيز الجهد الأساسي على عمليات التشخيص، فإن سبباً إضافياً لعدم وجود توثيق منهجي للنتائج... يعود إلى النقص في الموظفين المناسبين".

ونقلت عن مصدر كبير مطّلع على التحقيقات، لم تسمّه، قوله إنه "في الفحوصات التي أجراها الأطباء الشرعيون لم يتم العثور على أي نتائج تشير إلى إقامة علاقات جنسية". "وإلى جانب هذه التعقيدات"، أضافت الصحيفة، فإن "جزءاً من الجثث كانت في وضع صعب جداً، عندما وصلت للتشخيص... ما لم يترك مجالاً لأي فحص، لتحديد ما إذا كانت قد ارتُكبت بالضحايا جرائم جنسية".

كما نقلت عن مصادر في الشرطة الإسرائيلية أن الأخيرة جمعت وقتئذٍ أكثر من ألف شهادة بشأن الهجوم، "لكن بحوزتها شهادة واحدة حول عملية اغتصاب، نُشرت في الإعلام وتتضمن وصفاً لاغتصاب جماعي، وتشويه وقتل خلال الفعل"، وبالتالي "في هذه المرحلة، ليس لدى الشرطة أي دليل جنائي على حدوث جريمة جنسية".

في غضون ذلك، زعمت نساء إسرائيليات في أحاديث إعلامية، في الأيام الأخيرة، أن 7 أكتوبر شهد اعتداءات جنسية. وفي وقت تتواصل فيه التحقيقات الإسرائيلية، انتقد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الثلاثاء الماضي، المنظمات الحقوقية والنسائية في العالم، وقال إنه يتوقع من جميع المنظمات استنكار ما وصفه بالعنف الجنسي وعمليات الاغتصاب، وتساءل عما إذا كان صمتها يعود إلى كون النساء يهوديات.

وقد يندرج هذا التساؤل في إطار اتهام حكومته رافضي العدوان والمتضامنين مع الفلسطينيين حول العالم باللاسامية، ومحاولة استغلال "عقدة الذنب"، خصوصاً في أوروبا.

من جانبها، رفضت حركة "حماس" في بيان، الاثنين الماضي، مزاعم إسرائيل بارتكاب مقاتليها جريمة "الاغتصاب" في 7 أكتوبر الماضي، وقالت: "نرفض أكاذيب الاحتلال عن حالات اغتصاب تهدف لتشويه المقاومة، وللتغطية على صورة تعاملها الإنساني والأخلاقي مع المحتجزين".

وفي السياق، تحدث موقع "مسبار" المعني بمكافحة الأخبار الكاذبة، أمس الأول الخميس، عن نشر حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي خبراً مفاده أن رئيسة لجنة التحقيق الإسرائيلية في قضايا الاغتصاب المزعومة كوخاف الكيام ليفي قدّمت صورة قديمة لمجندات كرديات على أنهن فتيات إسرائيليات تعرضن لاعتداء جنسي من قبل مقاتلي "حماس" خلال المهرجان الموسيقي يوم عملية "طوفان الأقصى".

وكشف "مسبار" أن الصحافي الاستقصائي الأميركي ماكس بلومنثال توصل إلى أن الصورة قديمة ومنشورة منذ مايو/ أيار 2022 على أنها لجثث مقاتلات كرديات، ولا علاقة لها بـ"طوفان الأقصى".

شائعة قطع رؤوس أطفال

يخلو الفيلم الذي يعرضه الاحتلال من أي مشهد يثبت مزاعم قطع رؤوس أطفال خلال الهجوم أو عمليات قتل جماعي لأطفال، مثلما يخلو من مشاهد اغتصاب.

وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تعرض أدلة ملموسة، فقد تبنّت الإدارة الأميركية وعلى رأسها الرئيس جو بايدن الرواية الإسرائيلية بشأن الاعتداءات الجنسية، ليساهم الأخير في الترويج لها على الملأ.

وسبق أن تبنى بايدن التضليل الإسرائيلي، مثلما فعل عندما زعم في أكتوبر الماضي أنه شاهد صوراً مؤكدة لمن وصفهم بـ"إرهابيين" يقطعون رؤوس الأطفال في إسرائيل، قبل أن يتراجع عن ذلك لاحقاً.

"هآرتس": سياسيون ومتطوعون وناشطون نشروا معلومات كاذبة حول 7 أكتوبر

وفي سياق متصل، أفادت "هآرتس"، في عددها الأحد الماضي، بأن عدداً من السياسيين والضباط في الجيش الإسرائيلي، وكذلك المتطوعين في منظمة "زاكا" (تحديد ضحايا الكوارث)، والعديد من الناشطين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ساهموا في انتشار قصص غير صحيحة حول أحداث السابع من أكتوبر، ومنها قضية قطع رؤوس الأطفال.

وأضافت "هآرتس" أنه إلى جانب الأوصاف الصحيحة حول الجرائم التي حدثت، فإن بعض الجهات الإسرائيلية روّجت لسيناريوهات لم تحدث في ذلك اليوم.

ومن بين الشهادات الشنيعة التي تم التداول بها بعد الأحداث، وصف وجود العشرات من جثث الأطفال مقطوعة الرأس. وذكرت الصحيفة أن شبكة "آي 24 نيوز" تداولت تقارير من هذا النوع على سبيل المثال، حيث تحدثت مراسلتها نيكول زيديك عن أن أحد الضباط في الميدان أخبرها بأن 40 رضيعاً على الأقل قُتلوا، وأن المسلحين قاموا بقطع رؤوس عدد منهم.

وردت الشبكة على توجه الصحيفة بأن التقارير استندت إلى شهادات ضباط قاموا بإخلاء جثث من بلدات "غلاف غزة"، وكذلك استندت إلى جولات للصحافيين الأجانب نظمها متحدث باسم الجيش الإسرائيلي بعد نحو أربعة أيام من اندلاع الحرب.

ولفتت "هآرتس" إلى أن بعض الروايات غير الصحيحة، والتي وصفت ما حدث، نشرها أعضاء منظمة "زاكا" أنفسهم، فقد روى أحدهم في شهادات مصوّرة ومسجّلة ومكتوبة سلسلة من الفظائع التي شاهدها في مستوطنات "غلاف غزة". وذكر من بينها في مناسبات عدة أنه رأى حوالي 20 جثة مشوّهة، وجثث أطفال محترقة وجدها في أحد الكيبوتسات (المستوطنات الصغيرة)، من دون تقديم أي دليل.

كما أشارت إلى أنه من بين القصص التي لا دليل عليها، ما نشرته القناة الرسمية لوزارة الخارجية الإسرائيلية من شهادة ضابط، قال فيها إنه وجد في أحد البيوت جثث 8 رضّع محترقة. كما تطرّق حساب مكتب نتنياهو عبر منصة "إكس" (تويتر سابقاً) إلى قتل أطفال رضّع، قال إنهم قُتلوا وأُحرقوا من قبل "حماس".

وذكرت الصحيفة أن روايات وأوصاف مشابهة رُوّج لها أيضاً من قبل ضابط في جيش الاحتلال، الذي تحدّث لأحد المواقع الإسرائيلية حول أطفال رضّع عُلّقوا على حبل غسيل.

أسلحة مزعومة في المستشفيات

عملت دولة الاحتلال منذ اليوم الأول للحرب على الترويج لمزاعم وجود مقرات عسكرية لحركة "حماس" تحت مستشفيات غزة تمهيداً لاستهدافها، وهو ما فعلته لاحقاً. وكان الاقتحام الأبرز لمستشفى الشفاء في منتصف نوفمبر الماضي، عقب محاصرته، والذي انسحب منه بعد نحو 10 أيام بعد تدمير أجزاء فيه.

وعرض الجيش حينها بعض الأسلحة داخل المستشفى، زاعماً العثور عليها هناك. واستخف حتى جزء من المحللين الإسرائيليين بما قدمه الجيش، وقالوا حينها إن عليه العثور على شيء يُثبت الادعاءات الإسرائيلية ليقدمه للعالم.

وعرض الجيش بعد عدة أيام صوراً زعم أنها لأنفاق تحت المستشفى، في محاولة لتبرير الهجوم عليه. في المقابل فنّد المستشفى نفسه، والمقاومة، تلك المزاعم. مع العلم أن جيش الاحتلال تسبب خلال الحرب بإخراج العديد من مستشفيات قطاع غزة عن الخدمة كما قصف محيط عدد منها. وكان كل ذلك في إطار تبرير عدوانه.

محتجزات سابقات نسفن روايات الاحتلال

في 9 أكتوبر الماضي، أي بعد يومين من عملية "طوفان الأقصى"، روّج المسؤولون الإسرائيليون، وتحديداً وزير الأمن يوآف غالانت، لمصطلح "الحيوانات البشرية" في وصفه عناصر المقاومة، وذلك إلى جانب تشبيه الاحتلال "حماس" بتنظيم "داعش" منذ الأيام الأولى للحرب.

لكن البروباغندا الإسرائيلية تلقت ضربة قوية، بداية بعد تصريحات المحتجزة السابقة لدى "حماس" يوخبيد ليفشيتس في أكتوبر الماضي، والتي خرجت إلى الإعلام وتحدثت عن المعاملة الطيبة خلال احتجازها، ما اعتبرته إسرائيل ضربة لمساعيها الحثيثة في شيطنة المقاومة خصوصاً الحركة، ووصف كل من ينتمي إليها بالحيوانات البشرية.

وقد نسفت يوخبيد ذلك، ليس فقط في ما قالته، ولكن قبل ذلك في الفيديو الذي ظهرت فيه وهي تودّع عناصر "القسام" لدى تسليمها في حينه للصليب الأحمر، عائدة إلى إسرائيل في إطار الهدنة المؤقتة وصفقة تبادل الأسرى، الشهر الماضي.

وتوالت الشهادات حول المعاملة الحسنة من عائلات محتجزين أفرجت عنهم المقاومة لاحقاً، ما اضطر الإعلام الإسرائيلي أيضاً في مرحلة لاحقة للاعتراف بذلك. وفي لقاء جمع محتجزات سابقات وعائلات المحتجزين مع نتنياهو وأعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي، قبل بضعة أيام، قالت المحتجزات "خشينا أن يقتلنا القصف الإسرائيلي وليس حماس".

يُذكر أن فصائل المقاومة سبق أن أعلنت مقتل محتجزين إسرائيليين بسبب القصف الإسرائيلي.

المساهمون