لم يشذ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن القاعدة، فدائمًا ما كانت لرؤساء الجزائر تجربة مع المستشفيات الأجنبية، وعلى مر العقود الستة الماضية، فضّل رؤساء الجزائر العلاج في المستشفيات الأجنبية، من روسيا إلى بلجيكا إلى فرنسا إلى سوسيرا، وأخيراً ألمانيا التي نقل إليها تبون قبل يومين.
وكان الرئيس الجزائري هواري بومدين أول من دشن قصة رؤساء الجزائر مع المستشفيات الأجنبية، عندما قضى فترة نقاهة في يوغوسلافيا عام 1973، ثم نقل في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1978 إلى مستشفى في موسكو، وهو الخبر الذي تكتمت عليه في حينها السلطات الجزائرية، إلا أن غياب الرئيس بومدين عن المؤتمر الأول لدول الصمود والتصدي في بغداد دفع وزير الخارجية حينها، عبد العزيز بوتفليقة، إلى كشف حقيقة أنّ الرئيس مريض وموجود في موسكو للعلاج، قبل أن يعود بومدين مباشرة إلى الجزائر في وضع سيئ، وتوافيه المنية في الجزائر شهراً بعد ذلك. ومع أنّ الرئيس الراحل بومدين رفض التوجه إلى فرنسا للعلاج، لأسباب سياسية ترتبط بتداعيات الصراع السياسي مع باريس، وعلى خلفية قراره بتأميم المحروقات قبل ذلك بسنوات، فإنّ الظروف والإمكانيات الطبية في الجزائر كانت بسيطة ولا توفر الوسائل الضرورية لعلاج مسؤول بحجم رئيس دولة، في بلد لم يكن قد مر على استقلاله أكثر من 16 سنة.
بعد الرئيس الراحل هواري بومدين، اعتلى الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد سدة الحكم بداية عام 1979. وبرغم تحسينه العلاقات بين الجزائر وفرنسا، إلا أن الرئيس بن جديد اختار بلجيكا كدولة تطبب وعلاج بالنسبة له، بالنظر إلى العلاقات الطيبة التي كانت تربطه بالأسرة الملكية هناك، إذ سافر منتصف الثمانينيات للعلاج هناك، كما سافر، في أغسطس/ آب 2006، حتى بعد ابتعاده عن الحكم، إلى بلجيكا للعلاج من متاعب في الكلى كان يعاني منها منذ عدة سنوات، بينما كان النظام الصحي في الجزائر يتطور بشكل جيد، خاصة مع بناء مستشفيات جديدة، ولا سيما المستشفى المركزي للجيش الذي تم تجهيزه بشكل جيد، إذ كان يستقبل الرئيس وكبار المسؤولين لإجراء الفحوصات الطبية.
وفي عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، باتت العلاقة مع المستشفيات الأجنبية أكثر ارتباطاً. دشّن بوتفليقة عهده مع المستشفيات الأجنبية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2005، عندما أعلن عن إصابته بوعكة صحية بسيطة، نقل على أثرها للعلاج في فرنسا، وبقي لفترة قبل أن يعود إلى البلاد وسط استقبال شعبي أعد له خصيصاً. وسافر بعدها الرئيس بوتفليقة مرتين إلى كل من سويسرا وفرنسا لإجراء مراقبة روتينية بحسب وصف الرئاسة حينها، لكن الرئيس بوتفليقة تعرض في 27 إبريل/نيسان 2013 إلى ما وصفه طبيب أمراض القلب رشيد بوغربال، الذي فحصه، بـ"نوبة إقفارية عابرة لم تترك آثاراً"، استدعت نقله إلى مستشفى "فال دوغراس" العسكري بباريس، حيث مكث 81 يوماً حتى يوليو/تموز من السنة نفسها.
وبرغم مرضه، أصرّ الرئيس بوتفليقة على الترشح لولاية رئاسية رابعة، سافر خلالها للعلاج عام 2017 إلى سويسرا، كما سافر مجدداّ إلى مستشفى في جنيف، نهاية شهر فبراير/شباط 2019، عشية ترشحه لولاية رئاسية خامسة، قبل أن ينفجر الحراك الشعبي في البلاد، ما أدى إلى استقالته من منصبه.
وإذا كان الرئيس السابق بوتفليقة قد صمد ست سنوات بعد اعتلائه الحكم عام 1999 قبل أن يعلن عن أول وعكة صحية ألمّت به عام 2005، فإنّ الرئيس تبون اضطر قبل اختتام السنة الأولى من حكمه للسفر إلى الخارج للعلاج، وفي "أكبر المستشفيات الأمانية المتخصصة"، رغم عدم الكشف عن طبيعة مرضه، باستثناء ما صدر، أمس الخميس، وأكد أنّ الحالة الصحية للرئيس تبون مستقرة وأنه بدأ في تلقي العلاج المناسب.
واعترضت بعض التعليقات، المرافقة للإعلان عن نقل الرئيس للعلاج في ألمانيا، على استمرار علاج الرؤساء وكبار المسؤولين في الخارج، واستعادت تصريحات سابقة للرئيس تبون قال فيها إنّ النظام الصحي في الجزائر هو الأفضل في المغرب العربي وأفريقيا، من دون أن تتوفر للجزائر فعلياً مستشفيات كبرى ومجهزة لمثل هكذا حالات طارئة، كما تزامن نقل الرئيس إلى الخارج مع افتتاح مسجد "الجزائر الكبير" الذي كلّف بحسب الحكومة 900 مليون دولار، وهو مبلغ باهظ بحسب الكثير من الخبراء، الذين عدّوه جزءاً من سوء التدبير الحكومي الذي أهدر المليارات في عهد الرئيس السابق بشكل غير منهجي، من دون بناء مستشفيات مجهزة وبنى تحتية ضرورية.