من العقبة إلى شرم الشيخ... علاقة ود من طرف واحد!

26 مارس 2023
خلال تصدي شبان لاقتحام جيش الاحتلال مدينة نابلس (ناصر اشتيه/Getty)
+ الخط -

عودة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى قيادة كيان الاحتلال، نهاية العام الماضي، بأكثر "الحكومات اليمينية تطرفاً في تاريخ إسرائيل"، على حد تعبير بعض الصحف العالمية مثل "الغارديان" و"واشنطن بوست"، لم تكف سلطة رام الله لإعادة النظر في نهج تقديم التنازلات المجانية للاحتلال، واستمرار التنسيق الأمني معه، بهدف قمع كافة أشكال المقاومة، مقابل الرهان على استراتيجية الاستجداء الدبلوماسي فقط.

أما إعلان الرئاسة الفلسطينية على لسان المتحدث الرسمي باسمها نبيل أبو ردينة وقف التنسيق الأمني إثر مجزرة جنين، في أواخر شهر يناير/ كانون الثاني، فلم يكن له أي محل من الإعراب على أرض الممارسة الواقعية. هذا ما تؤكده نتائج اجتماعي العقبة وشرم الشيخ، اللذين جمعا مسؤولين أمنيين من الجانبين الفلسطيني والصهيوني، برعاية الولايات المتحدة، وبمشاركة أردنية ومصرية، إذ تتلخص نتائج هذين الاجتماعين الأمنيين بالتزام فلسطيني "بوضع آليات لوقف العنف"، تستوجب بطبيعة الحال رفع مستوى التنسيق الأمني مع الاحتلال، رغم تنصل نتنياهو من وعد التعليق المؤقت لبناء المستوطنات، واستمرار حكومته بدعم هجمات المستوطنين الأكثر تطرفاً!

 

تنازلات مجانية
أصدرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بياناً فور اختتام قمة العقبة، ثمن لقاء وزير الدفاع لويد أوستن مع ملك الأردن عبد الله الثاني، في العاصمة عمان، لمناقشة التعاون الأمني الإقليمي، والمبادرات لتعزيز العلاقات الأمنية الثنائية، ما يرجح احتمال توسيع نطاق التنسيق الأمني، تحت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ليشمل الأردن ومصر. باختصار، هذا هو الاتفاق الملزم الوحيد من بين كل ما تطرق إليه الاجتماع، أما في ما يتعلق بتنفيذ مشروع ضم الضفة الغربية، عبر بناء المزيد من المستوطنات، فهو ما لن تتراجع عنه حكومة الاحتلال بأي حالٍ من الأحوال.

 

ستتحمل تلك الفصائل مسؤولية ترك الشباب الفلسطيني المناضل وحده في مواجهة قوات الاحتلال، واعتداءات المستوطنين، وأيضاً ملاحقات السلطة الأمنية

في مقالة عنوانها "إدارة بايدن تتعرض لضغوط تصاعد العنف بين إسرائيل وفلسطين"، كتب المحرر الدبلوماسي في صحيفة "الغارديان" باتريك وينتر، في 27 فبراير/ شباط، إن "المساحة التي أتيحت للتنفس على ما يبدو تم خنقها في غضون ساعات، وهو الوقت الذي استغرقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لنشر تغريدة على تويتر، تناقض ما خلصت إليه القمة، ليعلن أن (البناء والترخيص في يهودا والسامرة سيستمران وفقا لجدول التخطيط والبناء الأصلي، دون تغيير)، مستخدماً المصطلح التوراتي للضفة الغربية"، كما أشار إلى تصريح وزير الأمن القومي لدى الاحتلال إيتمار بن غفير حول هذه المسألة، الذي قال إن "ما حدث في الأردن سيبقى في الأردن".

الكاتب الذي أكد أن "مجيء أكثر الحكومات يمينية في إسرائيل، وتصاعد العنف، يفضحان مخاطر الدبلوماسية الخفيفة"، أضاف في مقالته: "كانت إحدى نتائج الاجتماع سحب الفلسطينيين تصويتهم ضد إسرائيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ما أدى إلى إنقاذ إدارة بايدن من الاضطرار إلى استخدام حق النقض (الفيتو) لحماية إدارة غالباً ما تمقت سياساتها الداخلية"، على حد تعبيره.

 

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

 كما نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تحليلاً للكاتب إيشان ثارور، عنوانه "حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة في قلب تصاعد العنف"، في 28 فبراير/ شباط، جاء فيه: "مع انتشار العنف في الضفة الغربية، عقد مسؤولون إسرائيليون وفلسطينيون اجتماعاً فريداً في مدينة العقبة الساحلية الأردنية، خلال عطلة نهاية الأسبوع، في محاولة لإعادة بعض الهدوء إلى الوضع المتدهور. لكن البيان المشترك، الذي أشار إلى أن إسرائيل ستجمد مؤقتاً خطط بناء المستوطنات، رفضه بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وحتى نتنياهو نفسه تراجع عن ذلك الإعلان".

 

التزام فلسطيني "بوضع آليات لوقف العنف"، تستوجب بطبيعة الحال رفع مستوى التنسيق الأمني مع الاحتلال، رغم تنصل نتنياهو من وعد التعليق المؤقت لبناء المستوطنات

أورد التحليل أيضا أن مجيء الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل في بداية العام، رافقه تصاعد ملحوظ في أعمال العنف. فمنذ بداية العام، قتل الجنود والمستوطنون الإسرائيليون ما لا يقل عن 61 فلسطينياً، مدنيين ومسلحين. وقد بدأت موجةٌ جديدةٌ من التشدد تعم الضفة الغربية، التي يقول المحللون إنها نتاج الغضب من الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وتصاعد عنف المستوطنين، إضافة إلى خيبة الأمل من الوضع السياسي الراهن، المتمثل في واقع السلطة الفلسطينية، التي لا تحظى بشعبيةٍ كبيرةٍ".

في النهاية، تعلن القيادة الصهيونية بوضوح أنها مستمرة في بناء المستوطنات على أراضي الضفة الغربية المحتلة، وتثبت يومياً، على أرض الواقع، دعمها اللامشروط لاعتداءات المستوطنين المستمرة، مقابل تراجع سلطة رام الله عن خوض "المعركة" الدبلوماسية في مجلس الأمن، والتزامها "وقف التصعيد ومنع العنف"، في الوقت الذي تعتبر فيه "الأردن ومصر والولايات المتحدة هذه التفاهمات تقدماً إيجابياً نحو إعادة تفعيل العلاقات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وتعميقها"، وفقا لما أوردته شبكة "سي أن أن"!

الرد الشعبي
عبر الشارع الفلسطيني عن موقفه تجاه هذا الانزلاق الأمني منذ البداية، إذ نشرت شبكة "بي بي سي": "بينما كان الاجتماع منعقداً، قتل مسلح فلسطيني مستوطنيْن إسرائيليين بالرصاص في الضفة الغربية المحتلة". تلك العملية البطولية، التي جاءت في إطار العمليات الفدائية المستمرة، والتي ينفذها الشباب الفلسطيني خارج الأطر التنظيمية الكلاسيكية، تحدد بدقة الاتجاه الذي سيمضي فيه الشعب الفلسطيني، في ظل التزام قيادة السلطة بتعميق العلاقات الأمنية مع الاحتلال، ما يعني مزيداً من التنافر مع هذه القيادة، لدرجة قد تدفع الوضع إلى نقطة اللاعودة.

 

أكدت التنظيمات الفلسطينية في بيانات صادرة عنها رفضها قمتي العقبة وشرم الشيخ، فقد قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان صادر عنها: "تهدف هذه المؤتمرات إلى إجهاض مقاومة الشعب مقابل توفير الأمن للاحتلال". وبدورها، قالت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إن "هذه الاجتماعات تقزّم القضية الوطنية لمجرد مسائل أمنية تعالج كل مسألة منها على انفراد، في إطار التعاون والتنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال". وكان بسام الصالحي، أمين عام حزب الشعب، قد صرح لوكالة الأنباء الفرنسية حول اجتماع العقبة بأن: "إسرائيل نسفت الاجتماع قبل أن يعقد، من خلال المجزرة التي ارتكبتها في نابلس، والمضايقات بحق الأسرى في السجون".

من جانبها، دعت حركة حماس السلطة إلى "التوقف الفوري عن الانزلاق في مسار المشاريع الأمنية الخطيرة، التي تستهدف مقاومة الشعب الفلسطيني"، مطالبة بـ"وقف كل أشكال التنسيق الأمني مع الاحتلال وأجهزته الأمنية". كما نددت حركة الجهاد الإسلامي بهذه المشاركة، قائلة "إن هذه اللقاءات تعدّ تفعيلاً لما يسمى بالتنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال"، مشددة على أن "المقاومة مستمرة رداً على تهديدات الاحتلال المتواصلة خاصة بالقدس".

إعلان الفصائل الفلسطينية رفضها اجتماعي العقبة وشرم الشيخ وما تمخض عنهما من تنازلات كارثية، لا يمكن أن تكون له أي نتائج إيجابية دون ترجمته على أرض الواقع إلى برنامج عمل موحد، يستند إلى استراتيجية المقاومة بكافة الوسائل المتاحة، وفي مقدمتها الكفاح المسلح، لإسقاط كافة التفاهمات والاتفاقات التي أبرمتها حكومة رام الله مع الاحتلال الصهيوني، فبغير ذلك ستتحمل تلك الفصائل مسؤولية ترك الشباب الفلسطيني المناضل وحده في مواجهة قوات الاحتلال، واعتداءات المستوطنين، وأيضاً ملاحقات السلطة الأمنية.

عبر الشارع الفلسطيني عن موقفه تجاه هذا الانزلاق الأمني منذ البداية

اقتصار العمل على ردود فعل لا تستند إلى استراتيجية مقاومة شاملة ومستمرة، وتنفيذ عمليات محدودة بعد هجمة صهيونية هنا أو هناك، لن يجعل الطليعة الشبابية وحيدة في معترك الاشتباك فحسب، بل سيشجع حكومة عباس على الإمعان في ملاحقة المناضلين، وتقديم مزيد من الخدمات الأمنية المجانية لحكومة نتنياهو. رفض فصائل المقاومة لاجتماعي العقبة وشرم الشيخ لا معنى له قبل الإمساك بزمام المبادرة، وتولي قيادة النضال حتى النهاية. الفشل في تنفيذ هذه المهمة الملحة سيؤدي ببساطة إلى خلق قيادات بديلة من أوساط الطليعة الشبابية، والقواعد الشعبية، ما سيفضي في نهاية المطاف إلى تحييد كل من لم ينخرط في الاشتباك الممنهج من المعادلة السياسية.