من الأزياء إلى "محاكمة القرن".. من المحامية العراقية في فريق الدفاع عن ترامب؟

مالك
مالك سمارة
صحافي وباحث فلسطيني.
17 يونيو 2023
العراقية ألينا حبة.. من مهووسة الموضة إلى محامية ترامب
+ الخط -

بين تخرّجها من جامعة ليهاي بلقب أول في العلوم السياسية عام 2005، ثم تخرجها من كلية الكومونولث للحقوق في جامعة وايدنير بشهادة دكتوراه في القانون عام 2010، لم تكن المحاماة في وارد ألينا حبة، العراقية ذات الأصول الأشورية الكلدانية، التي كانت الوجه الأبرز بين محامي دفاع الرئيس السابق، دونالد ترامب، في قضية "وثائق مارالاغو". بدأت حبة، المهووسة بحقائب اليد والبذلات، مسيرتها المهنية من عالم الأزياء والموضة، تاركة شهادة العلوم السياسية خلفها؛ لكن بعد تعثّرات مهنية، سعت لاحقاً وراء درجة في القانون "لأسباب اقتصادية"، كما تقول. وفي أواخر السنوات العشر اللاحقة، التقت بترامب للمرة الأولى؛ وفي حياته الحافلة بالفضائح والانفلات والمحاكم، وجدت مرادها.

تقاطعات الأيديولوجيا والأهواء

ولدت حبّة في ولاية نيوجيرسي الأميركية عام 1984، بعد وقت قصير من هجرة والديها إلى هناك، بادعاء "اضطهاد المسيحيين" في العراق. لكنها نشأت في بيت محافظ، شديد العقائدية، إلى درجة أنها أنهت مرحلتها الإعدادية والثانوية في مدرسة مخصّصة للإناث فقط. من هذا المنشأ، تعرّف حبة نفسها بأنها "عربية كاثوليكية"، و"شديدة التديّن".

هكذا نشأت ألينا بأيديولوجيا أصولية محافظة، قريبة من الأهواء اليمينية للحزب الجمهوري، ولرئيسه اللاحق دونالد ترامب؛ ولكن أيضاً، في تقاطع آخر، بكثير من الشغف للمال والشهرة والظهور. على هذا النحو، التحقت حبة بفريق ترامب القانوني في 2021، بعد عامين فقط على معرفتهما الأولى، وفي الوقت الذي كان فيه محامون ذوو سمعة كبيرة ينسحبون من فريقه القانوني، بعدما خسر الرئاسة، وبدأت تتكشف عنه ملفات ثقيلة، من قبيل التحايل الضريبي، ومحاولة التأثير في الانتخابات، ودوره في اقتحام "الكابيتول".

فوراً بعد ذلك، دشّنت حبّة أول قضية كبرى لها بدعوى مدوّية ضد صحيفة "نيويورك تايمز"، وثلاثة من طاقمها، ومعهم ابنة أخ ترامب، ماري، مؤلفة كتاب "كيف خلقت عائلتي أخطر الرجال في العالم"، الذي يكشف خبايا كثيرة عن الرئيس الأميركي، أبرزها تهرّباته الضريبية. اتهمت الدعوى ماري، و"نيويورك تايمز"، بانتهاك تسوية قانونية موقعة عام 2001، عبر تزويد المراسلين بالسجلات المالية للعائلة، مطالبة بتعويض قدره 100 مليون دولار، وهو الملف الذي لا يزال تحت نظر المحكمة حتى اليوم.

نقطة التحول كانت في 2019، حينما انضمت حبة إلى نادي الغولف "بيدمينستر" المملوك لترامب في نيوجيرسي، وهذه القرينة الوحيدة عن معرفتها الأولى بالملياردير الأميركي

فتحت هذه القضية لحبّة أبواب الظهور الإعلامي، إذ باتت ضيفة دائمة فيما يتّصل بالقضايا المتعلّقة بترامب، لا سيما على القنوات اليمينية المضادة لإعلام التيار الرئيسي. وفي خرجاتها أمام عدسات التصوير، تظهر ألينا في ثوب المتحدث الرسمي أكثر مما تبدو في ثوب المستشار القانوني، وهي التي تتبنى لغة ترامب على حرفيّتها، من قبيل ترديد مقولته "مطاردة الساحرات"، ووصف محاكمته الأخيرة في قضية الوثائق السرية بأنها "مؤشر على فساد منظومتنا هنا"، وقولها أيضاً، بنبرة ترامب الشعبوية المعهودة، أن "تقصّد مقاضاة خصم سياسي بارز هو السلوك ذاته الذي نراه في الديكتاتوريات، مثل كوبا وفنزويلا، وهذا مفزع لجميع مواطني الدولة"؛ أو من قبيل نشر صورة إلى جانبه في "إنستغرام"، وتذييلها بتعليق: "نبدأ هذا العام مع الوطنيين المذهلين خلال التجمع في تكساس، والرئيس الأعظم في التاريخ، كان الـ45 وسيصبح الـ47 قريباً".

لحبّة أيضاً، كحال موكّلها، سجل في المحاكم -رغم أنه من النادر بالنسبة لمحامٍ الوقوف أمام محكمة في قفص الاتهام- والتهمة "العنصرية"، كما كشفت الموظفة السوداء الوحيدة عندها، نايسا درايتون، والتي أبلغت المحكمة بأن مديرتها ومعاونيها كانوا يطلقون أغاني العصابات من الـ"روك" والـ"هيب هوب"، الحافلة بالأوصاف العنصرية، لتحفيز أنفسهم قبيل ترافعهم في القضايا المتعلقة بترامب؛ وأنها وصفت القاضية في المحكمة العليا بـ"العاهرة السوداء". لكن القضية سوّيت أخيراً، في سبتمبر/أيلول 2022، باتفاق خارج المحكمة.

بدايات مجهولة

قبل التحاقها بفريق الرئيس السابق، لم يكن لدى المحامية العراقية الأميركية أي قضايا كبيرة في السيرة الوظيفية، التي تضمّنت تنقّلات بين شركات محاماة صغيرة، وسجلّ مرافعات لا يتجاوز الشؤون المدنية الصغيرة، ومنصباً استشاريّاً في مرآب للسيارات. نقطة التحول كانت في 2019، حينما انضمت حبة إلى نادي الغولف "بيدمينستر" المملوك لترامب في نيوجيرسي، وهذه القرينة الوحيدة عن معرفتها الأولى بالملياردير الأميركي. 

فقط بعد عام من ذلك، انتقلت حبة من العمل في مكاتب محامين آخرين إلى افتتاح مكتبها الخاص في نيوجيرسي، "هبة ومدايو وشركاؤهما"، مع فرع آخر في مانهاتن، نيويورك- أحد مراكز نشاط ترامب، ومكان إقامته السابق. عاماً أيضاً بعد ذلك، في يوليو/تموز 2021، مثّلت حبة نجمةَ برنامج "ربّات بيوت نيوجيرسي الحقيقيات" سيجي فليكر، التي رفعت دعوى على "فيسبوك" لحظر حسابها بعد تهنئة ميلانيا ترامب بعيد ميلادها. مرّ شهران، وأعلن ترامب ضمها إلى فريقه القانوني.

رغم معرفتهما الحديثة نسبيّاً، تعرب حبّة عن متانة علاقتها بترامب قائلة، في حديث لـ"نيوزويك": "لا أحد يقف في صف الرئيس بعد عائلته أكثر مني"

حينما سألتها "واشنطن بوست"، في تلك الفترة، عن كيفية ارتباطها بترامب، رفضت الإفصاح، لكنها ادعت أنها لم تعمل معه سابقاً. دفع هذا الأمر- كما كشفت تقارير عديدة في وقتها- شركاء ترامب لإبداء مخاوفهم من أن رئيسهم "يستخدم محامية عديم الخبرة"، وآخرين لاتهامه باختيارها لـ"مظهرها وحسب"، وهو ما ردّت عليه حبة في حديث لـ"نيويورك بوست"، لا يخلو من الفخر: "كوني جميلة لا يعني أنني لست محامية بارعة". أحد المقرّبين من ترامب قال لموقع "أكسيوس"، في يناير/كانون الثاني 2022: "لديه بعض المحامين المتمرّسين للغاية، مع سنوات من الخبرة في التقاضي، ولكنه وقع الآن فريسة لمحامين عديمي الخبرة يخبرونه بما يريد سماعه".

هكذا، على سبيل المثال، ورغم معرفتهما الحديثة نسبيّاً، تعرب حبّة عن متانة علاقتها بترامب قائلة، في حديث لـ"نيوزويك": "لا أحد يقف في صف الرئيس بعد عائلته أكثر مني".

قضايا خاسرة

تحفل السنتان اللتان أمضتهما المحامية العراقية الأميركية بالكثير من القضايا الخاسرة، وإن كانتا لا تخلوان من بعض النجاحات النسبية، كما في قضية ماري ترامب، التي ردّ فيها القاضي، قبل نحو أسبوع، دعوى هذه الأخيرة لوقف القضية، وسمح بمواصلة إجراءات التقاضي.

لكن إحدى أكبر النكسات المهنية بالنسبة لحبّة وموكّلها كانت الدعوى التي رفعها ترامب في سبتمبر 2022 ضد منافسته السابقة، هيلاري كلينتون،  وآخرين، من بينهم مستشار الأمن القومي الحالي جيك سوليفان، ومدير "أف بي آي" السابق جيمس كورني. الرئيس السابق اتهم هؤلاء، وكلّهم من الحزب الديمقراطي، بالكذب ومحاولة تزوير انتخابات عام 2016؛ وهو ما انتهى إلى ردّ الدعوى، وتغريم ترامب مبلغاً يناهز مليون دولار تعويضاً عن التكاليف القانونية للمدعى عليهم.

كذلك، حاولت حبّة إعفاء ترامب من الإدلاء بشهادة محلّفة بشأن الأوراق التي وقّعوا عليها حول قيمة أصولهم المالية، في قضية التحايل على إقرارات ضريبة الدخل، لكنّ طعونها لم تنجح. استجوبت المدعية العامة في نيويورك، ليتيا جيمس (وهي ذاتها التي نعتتها حبة بأوصاف عنصرية) ترامب شخصيّاً في نهاية المطاف، ورفض الرئيس الإجابة عن أي سؤال في الجلسة التي استمرّت أربع ساعات.

مثّلت حبّة الرئيس السابق في قضية جين كارول أيضاً، التي رفعت مذكّرتين قضائيتين ضد الملياردير الأميركي بتهمة التشهير، وقبل ذلك الاعتداء الجنسي، وهي حادثة تعود إلى عام 1996. في المذكّرة الثانية، التي تعهّدتها ألينا، وجدت هيئة المحلّفين، بعد مداولاتها، أن ترامب مسؤول بالفعل عن الإساءة الجنسية لكارول والتشهير بها، وقضت بدفعه 5 ملايين دولار تعويضاً عن الأضرار؛ إلا أن الأخير استأنف القرار، ومن المقرر أن تنعقد المحكمة في هذه القضية مطلع العام المقبل.

لكن يبدو أن تلك العلاقة، بالنسبة لترامب، لا تزال فوق كل تلك القضايا الخاسرة الكثيرة، بينما كانت حبّة تتنقل من قضية إلى أخرى بالولاء ذاته، ولكن أيضاً بمزيد من مراكمة الضوء الإعلامي، والمال. 

ذات صلة

الصورة

سياسة

على الرغم من إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، إلا أنه ما زال يواجه تهماً عديدة في قضايا مختلفة، وذلك في سابقة من نوعها في البلاد.
الصورة
الملياردير الأميركي إيلون ماسك/بولندا/25أكتوبر2024(Getty)

اقتصاد

حقق إيلون ماسك استثمارًا غير مسبوق في التاريخ، حيث تمكن من حصد أكثر من 13 مليار دولار بعد فوز ترامب، وكان قد تبرع له بنحو 120 مليون دولار.
الصورة
ترامب يلتقي زيلينسكي في نيويورك / 27 سبتمبر 2024 (Getty)

سياسة

تبدو أوروبا اليوم متعايشة مع احتمالية عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لكنها تنظر للأمر من باب أنه "سيتعين" على القارة العجوز "أن تكون حقاً بمفردها".
الصورة
أسلحة للعراق الجيش العراقي خلال مراسم بقاعدة عين الأسد، 29 فبراير 2024 (أحمد الربيعي/فرانس برس)

سياسة

كشفت مصادر عراقية لـ"العربي الجديد"، وجود ضغوط إسرائيلية على دول أوروبية وآسيوية لعرقلة بيع أسلحة للعراق وأنظمةة دفاع جوي.