قلة قليلة من أهالي مخيم شعفاط شمالي القدس المحتلة ومثلها من عائلة الشهيد فادي جمجوم البالغ من العمر (40 عاماً)، والتي تقطن مدينة القدس، تملك معلومات عن الشهيد، الذي قدِم إلى المخيم من مدينة الخليل حيث عائلته الكبيرة هناك، للإقامة في مخيم شعافط مع أفراد عائلته، زوجته وأطفاله الأربعة، أكبرهم في الثانية عشرة من العمر، وأصغرهم عام ونصف العام.
وتقول مصادر عائلية لـ"العربي الجديد"، إن العائلة المقيمة في القدس بالكاد تتواصل مع الشهيد وأسرته، التي تربطها صلات مع امتدادها في مدينة الخليل بالضفة الغربية، حيث سارعت عقب الإعلان عن استشهاده إلى إقامة بيت عزاء له هناك، قبل أن تقتحمه قوات الاحتلال وتفض من فيه.
واستشهد فادي جمجموم، أمس الجمعة، بعد تنفيذه عملية إطلاق نار على قرية "قسطينة" المهجرة، التي أقيمت عليها مستوطنة "كريات ملاخي"، وأسفرت العملية عن مقتل مستوطنين اثنين وأربع إصابات.
ويقول الناشط ناصر جمجوم لـ"العربي الجديد": "إن عائلته المقيمة في القدس هي فرع من الكشاكلة في الخليل، ويُنسبون إلى الأمير بدر الكشكولي المنحدر من نسل الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، ومنهم الشهيد محمد جمجوم، أحد أشهر شهداء الثورة الشعبية الفلسطينية مطلع القرن الماضي، والذي أعدمته السلطات البريطانية مع رفيقه فؤاد حجازي وعطا الزير بعد ثورة البراق، ونفّذ الحكم في 17/6/1930م يوم الثلاثاء الحمراء التي خلّدها إبراهيم طوقان في قصيدة له".
أما لجنة أهالي أسرى القدس، فقالت على لسان رئيس اللجنة أمجد أبو عصب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه لا معلومات لديها عن الشهيد، وليس هناك في ملفاتها خلال السنوات العشر الماضية ما يشير إلى اعتقال الشهيد أو قضائه سابقا فترات في السجن، وبالتالي فلا معلومات لديها عنه.
مع ذلك يقول عدد من أهالي مخيم شعفاط، إن الشهيد كان معروفاً بالتزامه الديني وأدائه جميع الصلوات في مسجد المخيم، وكذلك رباطه الدائم في المسجد الأقصى، لكن لم يظهر خلال إقامته في المخيم على مدى السنوات الماضية أي نشاط مناوئ للاحتلال، وكان يعمل في الأشغال الحرة.
وفي السياق، أفادت مصادر محلية في مخيم شعفاط بأن الإعلان عن استشهاد جمجوم فجّر مواجهات عنيفة في المخيم بعد اقتحام منزل عائلته واعتقال زوجته وأشقائه، ما أوقع عشرات الإصابات بالرصاص المطاطي والغاز، وُصفت إحداها بالخطيرة.
وأعادت هذه المواجهات إلى الأذهان الاشتباكات العنيفة التي تبعت استشهاد الشيخ فادي أبو شخيدم من سكان المخيم قبل ثلاث سنوات، حيث وجه الشبه كبير بين الاثنين ويوصفان بأنهما من شيوخ المقاومة في القدس المحتلة.
الشهيد كان معروفاً بالتزامه الديني وأدائه جميع الصلوات في مسجد المخيم، وكذلك رباطه الدائم في المسجد الأقصى
وعملية إطلاق النار في "كريات ملاخي" الذي نفذه جمجوم، سلط الضوء مجدداً على ما يعتبره الاحتلال معضلة أمنية كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، حيث خرج من مخيم شعفاط فدائيون أوجعوا الاحتلال بعملياتهم وهجماتهم النوعية ضد الاحتلال ومستوطنيه، من بينهم الشهيد أبو شخيدم، والشهيد عدي التميمي الذي هاجم جنود الحاجز العسكري المقام على مدخل مخيم شعفاط في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2022، فقتل مجندة وأصاب جنديا، ثم طورد إلى أن ارتقى شهيدا عند مدخل مستوطنة "معاليه أدوميم" المقامة على أراضي جنوب شرق القدس، بعد أحد عشر يوما من تنفيذه الهجوم على حاجز مخيم شعفاط العسكري.
في حين نفذ مقاوم آخر من مخيم شعفاط، هو الشهيد خيري علقم، في السابع والعشرين من ديسمبر/كانون الثاني من عام 2023، هجوماً مسلحاً بالقرب من كنيس يهودي في مستوطنة "نيفي يعقوب" المقامة على أراضي شمالي القدس المحتلة، ما أسفرَ عن مقتل سبعة مستوطنين.
يذكر أن أكثر من 70 ألف فلسطيني يقطنون في مخيم شعفاط، وهو المخيم الوحيد الذي يقع في حدود الدولة العبرية، ويحمل قاطنوه بطاقة الهوية الزرقاء، باعتبارهم مواطنين مقيمين يتمتعون بحرية الحركة داخل إسرائيل، وتحوّل منذ الانتفاضة الأولى إلى مركز ثقل سكاني كبير، يقطنه أيضا إضافة إلى اللاجئين المهجرين من داخل فلسطين عام 1948، آلاف الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية، الذين انتقلوا للإقامة فيه بموجب طلبات جمع الشمل واستقروا فيه.
وكانت سلطات الاحتلال شيدت جزءا هاما من جدار الفصل العنصري على أراضي المخيم في عام 2002، ثم قامت في عام 2009 بتحويل الحاجز المؤقت إلى "معبر دولي" يفصل القدس عن الضفة الغربية، وعزلته عن محيطه الذي تجاوره مستوطنات "التلة الفرنسية"، و"نيفي يعقوب"، و"بسغات زئيف".