منظمات تلجأ إلى المحكمة العليا لوقف تزويد بريطانيا إسرائيل بالسلاح

19 اغسطس 2024
تظاهرة في لندن لوقف تسليح إسرائيل، 3 أغسطس 2024 (ربيع عيد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **استطلاع الرأي والتحركات القانونية**: 58% من البريطانيين يؤيدون وقف تسليح إسرائيل، ومنظمات حقوق الإنسان تسعى لمنع تصدير الأسلحة استنادًا إلى انتهاكات حقوق الإنسان في غزة.
- **شهادات وأدلة الجرائم**: قدمت المنظمات شهادات وأدلة مصورة توثق تعذيب الفلسطينيين وتركهم دون علاج، مع تصريحات من أطباء وعمال إغاثة حول الظروف المأساوية في المستشفيات.
- **استقالة مسؤول في وزارة الخارجية**: استقال مارك سميث احتجاجًا على بيع الأسلحة لإسرائيل، داعيًا الحكومة لمراجعة نهجها تجاه غزة وتجنب الخسائر المدنية.

كشف استطلاع للرأي لمؤسسة "يوغوف" نشرت نتائجه اليوم الاثنين أن 58% من البريطانيين يؤيدون وقف تسليح إسرائيل، بينما تتواصل المساعي الداخلية إلى وقف تسليح الحكومة البريطانية تل أبيب وتزويدها بالعتاد العسكري ضمن حرب الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة للشهر العاشر، مع تجاوز عدد الضحايا في القطاع أكثر من 40 ألف شهيد. وقامت مجموعة من منظمات حقوق الإنسان من خلال محامين بالتوجه إلى المحكمة العليا في لندن من أجل إصدار أمر يمنع حكومة المملكة المتحدة من الاستمرار في منح تراخيص للشركات البريطانية لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وهي خطوة بدأت قبل أشهر واستكملت يوم الجمعة بتقديم ملف الأدلة.

وقدمت المنظمات الحقوقية للمحكمة شهادات وأدلة حول تعرّض الفلسطينيين للتعذيب وتركهم من دون علاج في مستشفيات وعدم قدرتهم على الهروب من القصف المستمر، ضمنها تصريحات 14 شاهد عيان تغطي أكثر من 150 صفحة، بينهم أطباء فلسطينيون وأجانب أثناء عملهم في مستشفيات غزة وسائقو سيارات الإسعاف والعاملون في إدارة الدفاع المدني وعمال الإغاثة. وجرى تصميم الأدلة المصورة لدعم طلب إصدار أمر من المحكمة العليا بأن حكومة المملكة المتحدة تصرفت بشكل غير عقلاني برفضها حظر بيع الأسلحة، بحجة عدم وجود خطر واضح من استخدام الأسلحة لارتكاب انتهاكات للقانون الإنساني الدولي.

وجرى رفع القضية من قبل تحالف عدد من المنظمات غير الحكوميّة، بينها مؤسسة الحق الفلسطينيّة، وشبكة الإجراءات القانونية العالمية  (GLAN) ومنظمة العفو الدوليّة، ومنظمة أوكسفام، وهيومن رايتس ووتش. وتعتبر هذه هي المحاولة الأولى لتقديم مثل هذه الشهادة المصورة عن جرائم الحرب الإسرائيلية أمام القضاء البريطاني منذ بدء الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

تعليقاً على ذلك، قال مدير مؤسسة الحق شعوان جبارين إن "المساعي التي بدأ فيها عدد من المؤسسات الحقوقيّة، من ضمنها مؤسسة الحق، تزايدت لتضم مؤسسات حقوقيّة دوليّة أخرى إلى الدعوى"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "المحاولة الأولى لطرق باب المحكمة العليا في المملكة المتحدة كانت قبل عدة أشهر، إلا أن المحكمة ردّت الالتماس في شهر فبراير/ شباط الماضي. وبعد الاستئناف، حددت المحكمة في شهر إبريل/ نيسان الماضي موعدًا جديدًا للنظر في القضيّة على أن يكون في الفترة ما بين 8 و10 أكتوبر/ تشرين الأول، بعدما كانت التوقعات بالمماطلة أكثر من ذلك". وأضاف: "قُدّمت الشهادات إلى المحكمة يوم الجمعة موقعة من قبل الشهود الذين جرى تحديدهم جميعًا أمام المحكمة، ولكن جرت تسمية اثنين منهم فقط بسبب الحاجة إلى حماية العائلات في غزة من الانتقام المحتمل".

من جهتها، قالت المحامية شارلوت أندروس-بريسكو عن شبكة الإجراءات القانونيّة العالميّة إنه من الصعب معرفة ماذا سوف يحصل في المحكمة في أكتوبر "لأن المحكمة تعتمد معايير عقلانية في الحكم. وبحسب القوانين، فإنه ممنوع على الحكومة بيع سلاح لدولة في حالة وجود خطر حقيقي لانتهاك القانون الدولي الإنساني، ونحن نقول بوضوح إن ذلك حصل في قضيّة غزّة". وأضافت في تصريح لـ"العربي الجديد": "علينا إثبات أنه لا يوجد قرار عقلاني لما تقوم به الحكومة. نحن لا نريد مقاضاة الحكومة، بل نريد جعلهم أخذ قرار بوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل، ونأمل أن كل الأدلة التي أرفقناها يوم الجمعة سوف توجههم لأخذ هذا القرار الذي كان يجب أخذه قبل عشرة أشهر".

وأكدت المحامية أنه بغض النظر عما إذا تمكنت المؤسسات الحقوقية من الانتصار في هذه القضيّة أم لا، فإن "الوزراء ورؤساء شركات السلاح في المملكة المتحدة يخرقون القانون الدولي، والقانون الجنائي المحلي". وقالت: "بغض النظر عما إذا فزنا أم لا، سنقوم في مؤسستنا بملاحقة المتورطين قانونيًا في انتهاك القانون الدولي والمحلي في المملكة المتحدة في جرائم الحرب، وسنتابع المسؤوليّة الجنائيّة المترتبة على ذلك".

آلاف المحتجين في لندن يطالبون بوقف تسليح إسرائيل، 8 يناير 2024 (ربيع عيد)
آلاف المحتجين في لندن يطالبون بوقف تسليح إسرائيل، 8 يناير 2024 (ربيع عيد)

وتطالب حركات التضامن مع فلسطين والعديد من النواب داخل مجلس العموم البريطاني، إضافة إلى شخصيّات سياسيّة وأكاديميّة وحقوقيّة وقضاة سابقون، بوقف تصدير المملكة المتحدة السلاح إلى إسرائيل، خصوصًا أن حكومة حزب العمّال الجديدة قالت إنها ستراجع سياسة منح التراخيص لتصدير السلاح إلى إسرائيل على ضوء التقارير الأمميّة العديدة حول انتهاكات قانون حقوق الإنسان الدولي بسبب ممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزّة.

ووقفت إدارة الحكومة السابقة بقيادة حزب المحافظين إلى جانب إسرائيل ودافعت عن قرارها مواصلة منح التراخيص، قائلة إنه لا يوجد خطر كافٍ لاستخدام أسلحة المملكة المتحدة في جرائم حرب. وتتجه الأنظار إلى تعامل الحكومة الجديدة في هذا الملف، بعد أن كان يطالب حزب العمّال سابقًا، وهو في المعارضة، بنشر الوثيقة القانونيّة التي أجرتها وزارة الخارجيّة في هذا الخصوص، والتي لم تُنشر نتائجها للعلن حتى اليوم.

ومنذ عام 2008، منحت المملكة المتحدة تراخيص لتصدير أسلحة إلى إسرائيل بقيمة إجمالية 574 مليون جنيه إسترليني (727 مليون دولار)، وفقًا لحملة مناهضة تجارة الأسلحة. وقللت الحكومة البريطانية مؤخرًا من حجم الإمدادات، ووصفتها بأنها "صغيرة نسبيًا" عند 42 مليون جنيه إسترليني (53 مليون دولار) في عام 2022.

شهادات الدعوى للمحكمة العليا

وحصل "العربي الجديد" على بعض الشهادات التي قدّمت للمحكمة العليا في لندن، وقال أحد الشهود المذكورة أسماؤهم، الطبيب الكندي بن طومسون، إنه عالج مريضًا أجبر على البقاء واقفاً مدة 48 ساعة، ما تطلب عملية ترقيع جلد على كعبه. وأضاف أنه عالج أيضًا رجلًا يبلغ من العمر 60 عامًا جردته القوات الإسرائيلية من ملابسه، وكان معصما يديه مقيدين بإحكام مدة ثلاثة أيام، وجرى سحبه على الأرض، ما أدى إلى تآكل معصمه حتى العظام.

وجاء في شهادة الطبيب "لقد جرى استهداف وتدمير كل جزء من نظام الرعاية الصحيّة وهو الآن غير قادر تمامًا على تقديم الرعاية. الكثير من الناس يموتون بسبب مشاكل يمكن علاجها بالكامل". وأوضح أنه عالج بنفسه ثلاثة أطفال وكان بإمكانه إنقاذهم لو أتيحت له الفرصة للحصول على الأدوية المناسبة. وأشار إلى ما رآه خلال زيارته مدينة الخيام في رفح في مارس/ آذار الماضي، من مشاهد تقنين المياه إلى ثلاث ليترات في اليوم، وكان هناك مرحاض واحد لكل 800 شخص. وقال إنه أجبر على إعادة ضبط العظام من دون مسكنات الألم، وفي إحدى المرات، أدّى الاكتظاظ في المستشفى إلى وفاة رجل كان تحت رعايته "على الأرض وسط بركة من دمه".

الشهادة الثانية كانت على لسان الطبيب خالد دواس، الجراح الاستشاري في مستشفى جامعة كوليدج لندن، الذي قال إن الظروف في المستشفيات في كلتا الرحلتين إلى قطاع غزة "كانت كما لو تخيلت ما كان عليه الطب في العصور الوسطى"، مشيراً إلى أن العديد من الجرحى الذين تولى علاجهم وقعوا ضحايا لنيران القناصة. وجاء أيضًا في شهادته: "أفهم أن إسرائيل تبرر هجماتها على المستشفيات بالإشارة إلى ادعائها بأن المستشفيات قد اجتاحها المسلحون، لكن خلال الأسابيع الأربعة التي أمضيتها في مستشفى الأقصى، لم أر شخصيًا واحدًا منهم". وقال إنه التقى بالعديد من المرضى الذين من الواضح أنهم تعرضوا للضرب في معسكرات الاعتقال، ومريضًا جُرّ على الأرض بواسطة أداة التثبيت الخارجيّة التي كانت تثبت طرفه المكسور.

وأضاف أنه في زيارته الثانية عالج رجلاً معاقًا "كان في الحجز مكبل اليدين ومعصوب العينين ومقيد اليدين إلى كرسيه المتحرك مع ربط معصميه إلى يمين جذعه مدة 30 يومًا". وتضمنت شهادات عديدة أخرى قصصًا مفصلة لتفاصيل التنكيل الذي كان يقوم به جنود الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين في غزّة، والعاملين في قسم الإغاثة والدفاع المدني والمستشفيات. وأخفى التقرير العديد من الأسماء أو المعلومات التي تدل على هويّة الشهود، حفاظًا على أمنهم.

استقالة مسؤول في وزارة الخارجية

وقُدّمت الأدلة للمحكمة في اليوم نفسه الذي أعلن فيه مسؤول في وزارة الخارجية البريطانية استقالته احتجاجًا على بيع الأسلحة لإسرائيل. وأشار مارك سميث الذي كان يعمل في سفارة بريطانيا في دبلن إلى أن الحكومة البريطانيّة قد تكون متواطئة في جرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وقال سميث في رسالة إلى زملائه، بحسب ما نقلت شبكة "بي بي سي"، إنه أثار مخاوفه حول تورط بريطانيا في جرائم الحرب، على جميع المستويات في الوزارة.

وأرسل سميث رسالة الاستقالة إلى مجموعة واسعة تضم مسؤولين حكوميين وموظفي السفارة ومستشارين خاصين في وزارة الخارجية البريطانية. وقال إنه عمل في تقييم تراخيص تصدير الأسلحة إلى الشرق الأوسط، وإنه شهد وزملاؤه أمثلة واضحة ولا تقبل الشك على جرائم الحرب وانتهاك القانون الدولي من قبل قوات الاحتلال في قطاع غزة.

وأصدر سميث بيانًا دعا فيه الحكومة إلى "الاستماع إلى مخاوف" الموظفين الحكوميين، مضيفًا أنه كان في السابق المؤلف الرئيسي للتقييم المركزي الذي يبحث في مدى شرعية مبيعات الأسلحة البريطانية في مديرية الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقال: "لقد كانت وظيفتي جمع كل المعلومات ذات الصلة في ما يتعلق بالخسائر المدنيّة، والامتثال للقانون الدولي، فضلاً عن تقييم التزام وقدرات البلدان المعنية".

وأضاف في بيانه: "لتصدير الأسلحة إلى أي دولة، يجب أن تكون المملكة المتحدة راضية عن أن الدولة المتلقية لديها إجراءات قوية لتجنب الخسائر المدنية والحد من الضرر الذي يلحق بالحياة المدنية. ومن المستحيل أن نجادل بأن إسرائيل تفعل ذلك". وخلص إلى القول: "لقد كتبت إلى وزير الخارجية (ديفيد لامي) لإبلاغه باستقالتي وحثه على مراجعة نهج المملكة المتحدة بشكل عاجل تجاه الوضع في غزة. وآمل بصدق أن يستمع إلى مخاوف الموظفين الحكوميين بشأن هذه القضية وأن يجري التغييرات اللازمة".