تبارى نائب الرئيس مايك بانس مع المرشحة الديمقراطية للمنصب نفسه السيناتورة كامالا هاريس، الأربعاء، في مناظرة وحيدة وسط تدابير احترازية كورونية صارمة. أكثر ما تميزت به أنها كانت أرقى في الأداء من مناظرة دونالد ترامب – جو بايدن البائسة، في الأسبوع الماضي. كلاهما التزم بالضوابط ولو مع قدر من تحريف الوقائع ومن تجاهل بعض الأسئلة الفاضحة والتهرب من الإجابة عنها، خاصة من جانب نائب الرئيس.
أما في المضمون فقد اختلف الأمر، كلاهما لعب دوره في إطار حملة فريقه. هاريس بدت في وضع أفضل لأن بانس وضعته أرقام كورونا وتداعياتها وبعض الملفات المحلية مثل الرعاية الصحية، في موقع دفاعي صعب ومحرج، ثم جاءت ملابسات دخول الرئيس إلى المستشفى وخروجه المبكر منها، لتزيد من صعوبة مهمته في تبرير حيثيات سياسة الإدارة في هذا المجال.
كما قدم بنس مرافعة ضعيفة في ملف السياسة الخارجية التي اقتصرت حصتها على بضع دقائق، دارت حول الصين والاتفاق النووي الإيراني وإبداء الاعتزاز بنقل السفارة الأميركية إلى القدس والعلاقات مع روسيا.
لكن مع ذلك، من غير المتوقع أن تحدث المناظرة أي تغيير فارق في دينامية المعركة الانتخابية، ففي العادة لا تؤثر مثل هذه الجولة على مجرى المعركة. التصويت يجري على أساس المفاضلة بين المرشحين للرئاسة وليس بين نائبيهما.
ربما في الظروف الراهنة قد تحظى هذه المناظرة بقدر من الاهتمام أكثر من السابق لأنها قد تكون المناظرة الأخيرة في هذا الموسم الانتخابي بسبب مرض الرئيس. ثم إنها تجري بين مرشحين (بانس وهاريس) يعتبر كلاهما بمثابة رئيس ظلّ لرئيسه المحتمل المتقدم في السنّ، خاصة في زمن كورونا.
ثمة من لا يستبعد مفاجأة أخرى، وإلا المفاجآت ستكون بالجملة بعد الانتخابات إذا فاز بايدن بهامش بسيط، والذي قد يتحول إلى نزاع
بيد أن هذا الاهتمام قد لا يصمد، فما يواجه الإدارة وواشنطن عموماً اهم بكثير، إن لم يكن أخطر، فالبيت الأبيض في حالة أبعد ما تكون عن الوضع الطبيعي. مجموعة كبيرة من مسؤوليه في الحجر الصحي، عدا عن المصابين، ومعظم المتبقي من جهازه يعمل أما عن بُعد وإما تحت رعب الفيروس.
البنتاغون أيضاً خالٍ من القيادات العليا للقطاعات العسكرية الخاضعة للحجر ومعها رئيس هيئة الأركان وذلك بعد اجتماعهم بأدميرال من سلاح البحرية تبين أنه مصاب بالفيروس. الكونغرس هو الآخر غارق في كيدية سياسية مكبِّلة، جعلته غير قادر على التوافق بخصوص حزمة مساعدات لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمعيشي، رغم الحاجة الضاغطة إليها. وإذا كان هناك من احتمال فقد سدّ الرئيس طريقه بإعلانه المفاجئ، أمس، عن تأجيل هذا الموضوع إلى ما بعد الانتخابات.
والأهم أن حالة الرئيس الصحية ما زالت غامضة وموضع تساؤل طبي، فهو يتلقى العلاج في البيت الأبيض منذ عودته إليه، مساء الاثنين. تردد أنه قد يتوجه بكلمة للشعب الأميركي، لكنه اكتفى بالتغريدات. ثم ظهر في آخر النهار بفيديو لعدة دقائق من غير كمامة ونزل من الجناح العائلي إلى المكتب البيضاوي لبعض الوقت من دون لقاء مع الإعلام. طبيبه الخاص شون كونلي أصدر في منتصف النهار بيانا مقتضباً ذكر فيه أن الرئيس قضى يومه "من غير عوارض للفيروس ولا ارتفاع في درجة الحرارة، وأن وضعه بقي مستقراً في الساعات الـ24 الأخيرة".
كلام الطبيب أثار الارتياح ولو أنه بقي أقل من مطمئن لغياب تفاصيل المعالجة الطبية ومدى تجاوب الرئيس مع العلاج التجريبي، فضلاً عن احتمالات آثاره الجانبية. تجنّب كونلي اللقاء مع الصحافة كما كان يفعل في المستشفى، لتحاشي الأسئلة والرد عليها بالطريقة الملتبسة ذاتها التي زادت من علامات الاستفهام. وصب في هذا المجرى أن موضوع المناظرة الثانية بين ترامب وبايدن، الأسبوع القادم، ما زال غير محسوم بسبب الاعتبارات الصحية. ترامب "متحمس" لها وبايدن متخوف من العدوى.
وبهذا يبدو كل شيء قبل 4 أسابيع من الانتخابات، بين المعلّق والمبهم، عين الرئيس على الاستطلاعات وعلى الفيروس، أرقام الاثنين لغير صالحه، وفسحة الوقت صارت ضيقة. ثمة من لا يستبعد مفاجأة أخرى، وإلا المفاجآت ستكون بالجملة بعد الانتخابات إذا فاز بايدن بهامش بسيط، والذي قد يتحول إلى نزاع.