ومن الملاحظ أن مناظرة الثلاثاء الأخيرة بين المتنافسين على تمثيل الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة المقبلة، شهدت مشاحنات لافتة بين حكام الولايات والسيناتورات، إذ تجلى البُغض بين الفئتين في الهجوم الذي شنّه حاكم ولاية نيوجرسي المرشح كريس كريستي على المرشحين للرئاسة من أعضاء مجلس الشيوخ، قائلاً إنهم يجيدون التنظير والكلام وليس لديهم خبرة تنفيذية كمن مارس الحكم الفعلي في ولايته. وربط آخرون بين ضعف الرئيس الأميركي باراك أوباما وقلة خبرته بكونه صعد إلى الرئاسة من مجلس الشيوخ ولم تكن لديه أي خبرة عملية في السلطة التنفيذية في موقع من مواقع صنع القرار التنفيذي.
لكن هذا التهجم على أعضاء مجلس الشيوخ لم يكن إلا شيئاً يسيراً من اتهامات أكثر قسوة إلى فئة أخرى تفتقد الخبرة في العمل العام. فمن بين 13 متنافساً جمهورياً، هناك ثلاثة ينتمون إلى فئة "الدخلاء" على الوسط السياسي حيث جاؤوا من خارجه، وهم رجل الأعمال دونالد ترامب، وجراح الأعصاب الأميركي الأسمر بين كارسون، والرئيسة التنفيذية السابقة لشركة "هيولت باكرد" لصناعة أجهزة الكمبيوتر، كارلي فيورنا.
هؤلاء الثلاثة لم يتولَّ أي منهم منصبا سياسيا في حياته العملية، بل جاؤوا من القطاع الخاص أو ما يسمى بالأعمال الحرة، وربما أن هذا هو السبب الرئيسي لتفوقهم النسبي على باقي المرشحين من أصحاب المراس السياسي، إذ يبدو أن الناخب الأميركي بدأ يفقد ثقته في السياسيين ويرحب بالقادمين من خارج الوسط السياسي المتهم بالكذب والنفاق.
ويتوزع باقي المرشحين المتنافسين بالتساوي بين الفئتين البارزتين، حيث إن خمسة منهم سبق أن عملوا أو يعملون حالياً حكام ولايات، وخمسة آخرين سيناتورات (أعضاء في مجلس الشيوخ) إما سابقين أو حاليين.
وفضلاً عن المناوشات والتراشق بالهجمات بين مرشحين من هذه الفئة وآخرين من فئة أخرى، فإن القضية التي هيمنت على الجدل هي قضية الإرهاب وسبل مواجهته. وبسبب هذه القضية تحوّلت المناظرة في مجملها إلى نقاشٍ حامٍ حول تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والأوضاع السائدة في المنطقة العربية والبلدان الإسلامية وموقف المرشحين من كل هذه التفرعات.
وسبق المناظرة الرئيسية مناظرة أولية جرت في اليوم ذاته والمكان ذاته بين أربعة مرشحين يُنظر إليهم على أنهم الأقل حظاً من زملائهم التسعة حسب مقاييس استطلاعات الرأي، لكن جميع المشاركين في المناظرتين أطلقوا مواقف لها صلة بالمنطقة العربية وأحداثها وحكامها وشعوبها.
وشكّلت الحرب على تنظيم "داعش" محور المناظرتين للمرشحين الأميركيين المتنافسين على تمثيل الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016، واللتين جرتا في الساعات الأولى من صباح الأربعاء (بتوقيت المنطقة العربية)، في مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا الأميركية، وأشرفت على تنظيمهما محطة "سي إن إن" الإخبارية. وطالب عدد من المرشحين بإعلان الحرب على "داعش"، وسط اختلاف النظرة إلى التنظيم بينهم، حتى أن الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة "هيولت باكارد"، كارلي فيورنا، اتهمت أوباما ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون بأنهما "مسؤولان عن نشوء داعش".
وكالعادة يثير رجل الأعمال دونالد ترامب الجدل في هجومه المتواصل على المسلمين، حتى أن الأمر وصل به في المناظرة إلى إعلان استعداده "لإغلاق الإنترنت" إذا كان ذلك ضرورياً لحماية الأميركيين. ولم يتوقف التصعيد في المواقف عند ترامب فقط، بل إن حاكم ولاية أوهايو جون كاسيتش، وصل به الأمر إلى الدعوة لتقسيم العراق إلى ثلاث دول، شيعية وسنية وكردية. وكالعادة لم يغب موضوع اللاجئين عن النقاشات، مع مطالبة بعض المرشحين بإغلاق الحدود في وجههم.
ومن المواضيع التي حازت أيضاً على حيز مهم من النقاش، ما دعا إليه سابقاً ترامب من منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، إذ رد عليه المرشح جيب بوش، متسائلاً "في حال أصدرنا منعاً لكل المسلمين فكيف سنطلب منهم أن يكونوا حلفاء لنا؟".
وعلى الرغم من أن المناظرة اقتصرت على المتنافسين الجمهوريين، فقد حضرت المنافسة الديمقراطية المحتملة هيلاري كلينتون عبر هجوم الكثير من المرشحين عليها، مستغلين عدم وجودها للدفاع عن نفسها، فقد وجهت إليها تهمة الرغبة في فتح الأبواب للاجئين السوريين بشكل أوسع مما فتحه أوباما، وقبول ستين ألف لاجئ سوري على الأراضي الأميركية، بدلاً من عشرة آلاف.
اقرأ أيضاً: شعبوية ترامب تُنذر بحرب حتمية لدى الجمهوريين
وكان لافتاً قول رجل الأعمال دونالد ترامب إنه لا يمكن أن نحارب (رئيس النظام السوري بشار الأسد) وداعش في وقت واحد"، معتبراً أن "عناصر داعش يجيدون استغلال الإنترنت أفضل من إجادتنا لذلك"، ومشدداً على أن "لديه استعدادا لإغلاق الانترنت إذا استدعى الأمر حماية أرواح الأميركيين". ورأى ترامب أن "القوة وحدها هي أسلوب التعامل مع المتطرفين"، داعياً إلى "التنصت على من يريدون قتلنا"، مؤكداً أنه "لا يسعى للعزلة بل نسعى للأمن". وإذ أشار إلى أنه كان ضد غزو العراق في العام 2003، رأى أن "الأموال التي أنفقناها لإسقاط صدام حسين كان علينا أن نسخّرها لحماية حدودنا ومطاراتنا داخل بلادنا".
أما حاكم فلوريدا السابق جيب بوش، فاعتبر أنه "إذا ما أردنا تدمير داعش فلا ينبغي أن نعزل أنفسنا عن المسلمين"، متسائلاً "في حال أصدرنا منعاً لكل المسلمين كيف سنطلب منهم أن يكونوا حلفاء لنا؟". وشدد على أن "منع المسلمين من دخول بلادنا ليس اقتراحاً جاداً"، معتبراً في مجال آخر أن "الأمن الاقتصادي لا يقل أهمية عن الأمن العسكري".
وفي السياق نفسه، اعتبر حاكم ولاية أوهايو جون كاسيتش، أنه "لا يمكن إلحاق الهزيمة بداعش من دون إشراك العرب"، قائلاً "إننا نحتاج لتحالف شبيه بذلك الذي أخرج صدام من الكويت". وإذ شدد على ضرورة "منع إيران من إقامة الهلال الشيعي"، طرح كاسيتش اقتراحاً خطيراً متحججاً بأن العراق يجمع ثلاثة تناقضات، ليصل به الأمر إلى الدعوة لتقسيم العراق إلى ثلاث دول شيعية وسنية وكردية.
فيما شنّ السيناتور عن ولاية تكساس تيد كروز، هجوماً على اللاجئين، معلناً أنه سيعمل على تجميد قبول اللاجئين لمدة ثلاث سنوات، ولافتاً إلى أن "التجميد يجب أن يشمل جميع الدول التي ينشط فيها داعش". وإذ شدد على أنه "لن نقبل بالمجاهدين كلاجئين"، أعرب عن تفهّمه "مقترح ترامب بمنع دخول المسلمين أراضينا".
ورأى كروز أن العقيد الليبي الراحل معمر القذافي والرئيس المصري المخلوع حسني مبارك والأسد "حاربوا التطرف"، معتبراً أنه "لا يوجد شيء اسمه ثوار معتدلون". وأضاف: "مثلما قدنا الاتحاد السوفييتي إلى الإفلاس سنقود الإرهاب الإسلامي إلى التلاشي".
من جهته، طالب جراح الأعصاب بين كارسون، الكونغرس "بإعلان الحرب على داعش"، محذراً من أنه "إذا لم نرسل جنودنا إلى هناك فسيأتي داعش بعناصر إلينا". واعتبر أن "السوريين يريدون مساعدتنا لتأمينهم في بلادهم لا لتوطينهم في بلداننا"، مشيراً إلى أنه "يجب أن نسأل اللاجئين السوريين ماذا يريدون لا أن نتخذ القرار نيابة عنهم".
وفي سياق المزايدات على السياسة المتبعة من الإدارة الأميركية في السنوات الأخيرة، قال السيناتور عن ولاية كنتاكي راند بول، إن إسقاط الأنظمة كان خطأ كبيراً، مشدداً على أنه لم يكن مع إسقاط القذافي، على الرغم من توضيحه أن رفضه لتغيير الأنظمة "لا يعني أن صدام حسين وأمثاله كانوا حكاماً جيدين". واعتبر أن "المدينة الفاضلة لا يمكن إنتاجها في الشرق الأوسط"، مدّعياً أن "دول الخليج لم تستقبل لاجئين سوريين وعليها أن تفعل ذلك قبلنا".
أما الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة "هيولت باكارد"، كارلي فيورنا، فاتهمت الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون بأنهما "مسؤولان عن نشوء داعش"، معتبرة أن هذا التنظيم "جرى اختراعه في العام 2011، بينما تم اختراع "آي باد" في 2007". ورأت فيورنا أن "ما يقوله ترامب عن حرب العراق هو نفس ما يقوله أوباما"، لافتة إلى أن "هيلاري كلينتون اعتبرت الأسد إصلاحياً".
وفي موقف مغاير، رأى حاكم ولاية نيوجرسي كريس كريستي، أن تنظيم داعش "نتاج تسلّط الأسد وتحالفه مع إيران". ولفت إلى أنه عمل مع مساجد نيوجرسي لمحاربة الإرهاب، مشدداً على أن "الرئيس الأميركي يجب أن يكون محل ثقة العالم".
وفي طرح غريب، رأى السيناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، أن "السنّة لا يريدون التحالف معنا لأن رئيسنا منحاز للشيعة"، معلناً أنه "إذا انتخبتُ رئيساً، فسأعمل على خفض عدد المهاجرين غير الشرعيين بمنحهم الشرعية". واعتبر روبيو أن "القذافي أسقطه الشعب الليبي ولم تسقطه أميركا، وهو الذي مارس الإرهاب بإسقاط الطائرات".
حاكم نيويورك الأسبق جورج باتاكي، كان له موقف متشدد تجاه اللاجئين، قائلاً "لن أسمح باستقبال 10 آلاف لاجئ سوري يريدهم أوباما ولا 60 ألفاً تريدهم هيلاري كلينتون". واعتبر أنه "من السذاجة محاكمة المتطرفين الإسلاميين في محاكم مدنية"، مضيفاً: "اسألوا هيلاري كلينتون إن كانت ستترك معسكر غوانتانامو مفتوحاً كي نشعر بالأمان".
التصعيد كان أيضاً واضحاً في كلام الحاكم السابق لولاية أركنساس مايك هاكبي، الذي اعتبر أنه "ليس علينا أن نحمي سمعة الإسلام والمسلمين بل علينا أن نحمي أمن الأميركيين أولاً"، مشدداً على أنه "يحب علينا اجتثاث الإرهابيين كلياً لا جزئياً". وانتقد هاكبي الاتفاق النووي مع إيران، معتبراً أنه "لم يكن علينا أن نوّقع على الاتفاق النووي طالما لا يزال الصحافي في واشنطن بوست قابعاً في المعتقل الإيراني".
من جهته، اعتبر عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ساوث كارولينا لينزي غراهام، أن "الرئيس المقبل سيكون رئيس حرب شئنا أم أبينا"، مضيفاً: "أفتقدُ (الرئيس الأميركي السابق) جورج دبليو بوش، وأتمنى لو أنه لا يزال رئيساً حتى الآن، لتخليصنا من داعش".
أما السيناتور السابق عن ولاية بنسلفانيا ريك سانتروم، فقال "إننا نعيش الآن زمن الحرب العالمية الثالثة"، معتبراً أن "باراك أوباما لم يحافظ على أمننا، وهيلاري كلينتون لن تحافظ على أمننا". وأعلن أن "لديه القدرة على إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش إن منحتموني الفرصة لذلك"، معتبراً "أننا بحاجة لانتخاب رئيس نعرف جيداً أنه سيحافظ على أمننا".
اقرأ أيضاً: دونالد ترامب في كل مكان: نُسَخ أوروبية للعنصرية الصاعدة