تعمل "الإدارة الذاتية" الكردية لشمالي وشرقي سورية، على بناء قاعدة لتهيئة المناخ نحو الاعتراف بها رسمياً على المستوى الدولي، وذلك من خلال خطى متسلسلة توصلها إلى هذا الهدف. وبدا هذا الأمر، نهاية شهر يوليو/تموز الماضي، حين زار وفد من "الإدارة" قصر الإليزيه في باريس، والتقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث دار النقاش حول دعم فرنسا لهذه الإدارة، لكسب اعتراف دولي بها، ككيان يدير شمالي وشرقي سورية، ما أحدث ضجة لجهة القبول والرفض، لا سيما من قِبل أنقرة التي هاجمت استقبال ماكرون للوفد، مع كل ما حملته الزيارة من نقاشات.
أعلنت الإدارة الذاتية أخيراً عن افتتاح ممثلية لها في جنيف، لتكون على مقربة من مقر الأمم المتحدة فيها
النصائح الأوروبية لـ"الإدارة الذاتية" الكردية، بدأت ترجمتها على أرض الواقع، لا سيما بعدما أعلنت الإدارة عن افتتاح ممثلية لها في سويسرا، وتحديداً في مدينة جنيف، لتكون على مقربة من مقر الأمم المتحدة هناك. وهنا تكمن رمزية لجوء الإدارة إلى افتتاح ممثليتها في جنيف، في رسالة لسعيها إلى التقرب من الأروقة الأممية، في طريق الوصول إلى اعتراف دولي بها. وهاجمت تركيا سماح سويسرا بافتتاح ممثلية لـ"الإدارة الذاتية" عبر استدعاء القائم بأعمال السفارة السويسرية في تركيا، مسجلة تحفّظها على الخطوة، على اعتبار أن الإدارة ترتبط بـ"منظمة إرهابية دموية"، لتخفف سويسرا من حدة الموقف بخروج بيان عن وزارة خارجيتها نفى افتتاح ممثلية رسمية لـ"الإدارة الذاتية" في جنيف. وأشارت سويسرا إلى أن المكتب الذي افتتحته "الإدارة" لا يعد تمثيلاً رسمياً، معتبرة إياه أقرب إلى الجمعية بالمعنى الذي تنص عليه القوانين السويسرية، التي تتيح افتتاح وتشكيل الجمعيات على أراضيها، حتى من دون تراخيص مسبقة.
وكان الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية"، عبد الكريم عمر، قد أعلن عن افتتاح الممثلية في سويسرا في 9 أغسطس/آب الحالي، مشيراً إلى أنها الممثلية السابعة لـ"الإدارة"، والتي سبقها افتتاح ممثلية لها في كردستان العراق وموسكو، وفي الدول الاسكندنافية مقرها استوكهولم، وممثلية في دول اتحاد الـ"بينلوكس" (بلجيكا وهولندا واللوكسمبورغ)، مقرها بروكسل، بالإضافة إلى ممثليتين في باريس وبرلين. وأشار عمر، إلى أن "افتتاح الأخيرة يأتي في إطار خطة "الإدارة الذاتية" لافتتاح ممثليات في الدول التي من شأنها التدخل في إنهاء الأزمة السورية، والدول التي تحتضن أكبر عدد لأبناء الجالية السورية التي باركت افتتاح ممثلية الإدارة في سويسرا، وهو الرد ذاته من قبل المجتمع السويسري".
وأكد عمر أنَّ ممثلية الإدارة في جنيف، ستلعب دورها السياسي كحال الممثليات الأخرى، إضافةً إلى دورها الدبلوماسي كأي قنصلية، معتبراً أن أهمية افتتاح الممثلية في سويسرا تكمن في أنها تضم ثاني أكبر مقر للأمم المتحدة بعد مدينة نيويورك الأميركية، وفيها الكثير من المؤسسات الدولية والمنظمات الحقوقية والإنسانية. ونوه عمر إلى أن افتتاح الممثليات يتم بالتنسيق بين دائرة العلاقات الخارجية (لـ"الإدارة") ووزارات الخارجية في تلك البلدان، ما يُعدّ اعترافاً بـ"الإدارة الذاتية" من قبل هذه الدول، ويتيح لـ"الإدارة" التنسيق مع الدول ضمن عمل دبلوماسي رسمي، وبهذا يتم ربط الإدارة بجميع المؤسسات، سواءً المجتمعية أو الإعلامية أو الحقوقية والإغاثية وغيرها، بحسب قوله. وجاء كلام عمر، قبل خروج متحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية، ليعتبر أن المكتب الذي افتتحته الإدارة ليس ذي تمثيل رسمي.
لكن سيبان إبراهيم، الذي تم تعيينه ممثلاً لـ"الإدارة الذاتية" في جنيف، أكد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "افتتاح ممثليات خارج البلاد لا يأتي فقط على شكل افتتاح مكتب ورفع علم الإدارة عليه"، موضحاً: "نحن هنا ندير عملاً قد أسّسناه منذ زمن طويل، تناقشنا هنا وهناك وأجرينا الكثير من المقابلات والعلاقات السياسية والدبلوماسية، وهناك الكثير من الاتفاقيات التي عُقدت، إلى أن تم القبول بفتح هذه الممثليات من قبل الحكومات".
أكدت سويسرا أن مكتب "الإدارة الذاتية" في جنيف أقرب إلى الجمعية، وليس ذي تمثبل رسمي
وأكد إبراهيم أنهم في "الإدارة الذاتية"، يسعون إلى تحصيل اعتراف سياسي بها، معتبراً أن ذلك يأتي "ضمن برنامج مخطط، وما افتتاح الممثليات وتشبيك العلاقات إلا خطوات في طريق هذا الاعتراف". وأضاف: "ندرك أن الطريق طويل، لكن علاقات هذه الدول معنا هي بمثابة اعتراف، وفي جميع لقاءاتنا مع مسؤولي هذه الدول يقولون لنا: لن يكون هناك حل للمشكلة السورية من دونكم في المستقبل، لأن ما يقارب 20 في المائة من المنطقة هي تحت سيطرة الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية. لأجل ذلك، فإن علاقاتنا قد وصلت إلى هذا المستوى العالي، وسنعمل كل ما في وسعنا ليتم الاعتراف بإدارتنا الذاتية من قبل الجميع". وأشار إبراهيم إلى أن افتتاح الممثلية الأخيرة تطلّب عملاً تفاوضياً كبيراً مع الحكومة السويسرية، انتهى بالافتتاح بحضور شخصيات من الحكومة السويسرية، مضيفاً أن هناك سعياً لافتتاح ممثليات في مزيد من الدول الأوروبية والعربية، ومنوهاً إلى أن لديهم أيضاً ممثلين في كل من لبنان والإمارات، ويحاولون تطوير وتوسيع هذا التمثيل عربياً.
من جهته، اعتبر الأكاديمي فريد السعدون، المقيم في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية"، أن فكرة افتتاح ممثليات للإدارة في الخارج بحد ذاتها، تحتاج إلى اعتراف رسمي بالإدارة، منوهاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذا الأمر غير ممكن في الوقت الراهن. وشدّد السعدون على أن "هذه الممثليات ليست رسمية بأي حال من الأحوال، ولكنها من الممكن أن تعطي دفعاً للعملية السلمية والسياسية، وأن يستفيد منها حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) في هذا المجال، لأنها ستكون عبارة عن مركز، وهذا المركز يكون ضمن الدولة التي تُفتتح فيها الممثلية، وبالتالي يكون الاتصال مع الحكومات والمسؤولين في تلك الدول بشكل مباشر، ولكن من دون أن يكون هناك اعتراف رسمي سياسي على الأقل بهذه الممثليات". ورأى السعدون أن افتتاح الممثليات خطوة إيجابية على الرغم من أنها "لا تعني الكثير على أرض الواقع، على المستوى الرسمي، بشقيه السياسي والدبلوماسي". وأوضح أن هذه الممثليات لها دور في تحقيق تعاون مع "الإدارة الذاتية"، إلا أنه نصح أن يتم لجوء "الإدارة" إلى الدول الفاعلة في الشأن السوري، كالولايات المتحدة وبريطانيا، ولا سيما أن هذه الدول هي التي تقدّم دعماً سياسياً للإدارة وذراعها العسكرية "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).