ملك الأردن في واشنطن: تجاوز حقبة ترامب

08 يوليو 2021
عمل ترامب على تهميش دور الأردن إقليمياً (صامويل كوروم/الأناضول)
+ الخط -

تفتح زيارة العاهل الأردني عبد الله الثاني إلى الولايات المتحدة، والتي بدأت مع مطلع الشهر الحالي وتستمر ثلاثة أسابيع، يعقد خلالها اجتماعاً مع الرئيس الأميركي جو بايدن، في 19 يوليو/تموز الحالي، صفحة جديدة في العلاقات مع واشنطن، بعد قدوم الإدارة الجديدة، ورحيل إدارة دونالد ترامب، الذي عمل خلال سنوات حكمه على تهميش الدور الأردني إقليمياً، والبحث عن كيفية تطبيق خطته لتصفية القضية الفلسطينية، المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، على حساب المملكة.
ويسعى عبد الله الثاني إلى إعادة الحيوية للعلاقات مع أميركا، من أجل استعادة دور عمّان الإقليمي، خاصة أن إدارة بايدن تؤيد على الأقل حل الدولتين وتعتبر الأردن شريكاً، ولا تتماهى مع سياسة الاستيطان. وترى عمان في واشنطن شريكاً، وضرورة أمنية استراتيجية، فيما تنظر أميركا إلى الأردن كشريك في مختلف الملفات الإقليمية، بما فيها الحلّ النهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتحالف الدولي ضد الإرهاب، والتوازنات في المنطقة.

تنظر أميركا إلى الأردن كشريك في مختلف الملفات الإقليمية
 

وكان وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن قال، في 26 مايو/أيار الماضي، في عمّان التي شكلت المحطة الأخيرة من جولة شرق أوسطية، إن "الأردن أكثر من مجرد شريك استراتيجي لأميركا"، لافتاً إلى دور المملكة "الدائم كقوة للسلام في المنطقة، الأمر الذي يجعل العلاقة الثنائية قوية وحيوية جداً". وفي إبريل/نيسان الماضي، وحتى قبل أن تتضح تفاصيل قضية ولي العهد السابق الأمير حمزة، أعرب بايدن، في اتصال هاتفي مع عبد الله الثاني، عن دعمه للأردن. وقال البيت الأبيض، في بيان حينها، إن "بايدن تحدّث إلى الملك الأردني للتعبير عن الدعم الأميركي القوي للأردن، والتشديد على أهمية قيادة عبد الله الثاني بالنسبة إلى الولايات المتحدة".
وإلى جانب العلاقات السياسية، فإن هناك تعاونا أمنيا بين البلدين. وربما أهم ما حصل في العلاقات بين الطرفين هو الإعلان، في مارس/آذار الماضي، عن اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة لمدة 15 سنة، وبموجبها يوفر الأردن للقوات الأميركية إمكانية الوصول إلى المرافق والمناطق المتفق عليها، واستخدامها بدون عوائق للقيام بأنشطة تشمل الزيارات، والتدريب، والمناورات، والعبور، والدعم، وهبوط الطائرات وتزويدها بالوقود، وتموين السفن، وإقامة الأفراد. وتشير بنود الاتفاقية إلى أنه يمكن للقوات الأميركية تخزين المعدات والإمدادات والمواد الدفاعية، وعلى الأردن ضمان حماية هذه القوات ومتعاقديها وممتلكاتها. وتسمح الاتفاقية للقوات الأميركية بالدخول، من دون تأشيرات، إلى الأراضي الأردنية، والتنقل بحرية فيها. وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، جون كيربي، أخيراً، إغلاق ثلاث قواعد عسكريّة في منطقة السيلية القطرية كانت تستخدم كمستودعات، ونقلها جميعاً إلى الأردن. فيما نقل الصحافي الأردني عبدالهادي راجي المجالي، عن رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، تأكيده أن القوات الأميركية التي ستنسحب من العراق وأفغانستان ستأتي إلى الأردن، إلا أن المصري نفى بعد ذلك ما نقل عنه.

اقتصادياً، تشكل الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة ما يقارب 23 في المائة من إجمالي الصادرات العام الماضي. وخصصت واشنطن 1.3 مليار دولار كمساعدات لعمان ضمن مشروع موازنتها للعام 2021، في إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، ضمن مذكرة تفاهم مدتها خمس سنوات، تعهدت بموجبها الإدارة الأميركية بتقديم 1.275 مليار دولار سنوياً من المساعدات الخارجية للأردن، وذلك من 2018 إلى 2022.
وحول زيارة ملك الأردن إلى الولايات المتحدة، قال الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية النيابية، نضال الطعاني، لـ"العربي الجديد"، إن هذه الزيارة تعتبر نوعية ومهمة، فهي تأتي بعد فترة من القيادة الأميركية الصعبة للمنطقة في عهد ترامب، وخطة "صفقة القرن". وأشار إلى أن عبد الله الثاني سيبحث خلال زيارته، التي يلتقي خلالها صناع القرار في الولايات المتحدة، ملفات مهمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وما يتعلق بحل الدولتين والقدس المحتلة، وكذلك الوضع في سورية، بالإضافة إلى موضوع التكتل الأردني ــ المصري ــ العراقي الاقتصادي والسياسي، والذي سيواجه تكتلات إقليمية.

توقع جواد الحمد تقارباً أكبر بين "حماس" وعمان بعد زيارة الملك لواشنطن

ورأى الطعاني أن الأردن حجر زاوية في المنطقة، وأن الولايات المتحدة لا تتعامل مع عبدالله الثاني كملك للأردن فقط، بل كخبير مهم في المنطقة وتوازناتها، فالقيادة الأميركية تشاركه الرؤية للمنطقة، وهو قادر على توصيف المشاكل التي تواجه الإقليم وطرح الحلول في هذا الاتجاه. وحول الحديث عن الإصلاح السياسي مع قدوم الإدارة الديمقراطية الأميركية، أوضح الطعاني أن الاصلاح السياسي، من منظور أردني، متطلب أساسي للدخول إلى المئوية الثانية من تأسيس الدولة، وهو يتناسب مع المرحلة، عبر قانون انتخاب عصري يتماهى مع متطلبات الشعب والدولة، ودولياً أيضاً، من أجل الوصول إلى الحكومة البرلمانية، وأن يكون الأردن نموذجا لدول المنطقة في الإصلاحات السياسية.
بدوره، قال رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط، جواد الحمد، لـ"العربي الجديد"، إن الإدارة الأميركية الجديدة تنظر إلى الأردن كدولة محورية، في ضمان أمن واستقرار المنطقة، وهذا مخالف لوجهة نظر إدارة ترامب. ورأى أن الأردن يستعد لدور مختلف عما كان عليه سابقاً، معتبراً أنه يحاول التماهي مع توجهات الحزب الديمقراطي الأميركي، في موضوع الإصلاحات والشفافية، والانتخابات الحرة والنزيهة، ووقف تدخّل الحكومة والدولة في الشؤون المدنية والسياسية، متوقعاً أن يبحث الملك مع المسؤولين الأميركيين الإصلاح السياسي.
وفي الشأن الفلسطيني، وفق الحمد، تنتظر الولايات المتحدة أن يلعب الأردن دوراً مهماً في هذه القضية، معتبراً أن هذا الدور ينبغي أن يتطور، لأنه مقبول من قبل الأطراف الفلسطينية المختلفة، ويمكنه المساعدة في حل القضايا والخلافات الفلسطينية الداخلية. وقال إن المعلومات تؤكد أن حركة "حماس" ستبني علاقات قوية مع الأردن في الفترة المقبلة، والإدارة الأميركية لا تعارض ذلك، مشيراً إلى أن هذه العلاقة استمرت طويلاً، في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال، من دون اعتراض أميركي، متوقعاً تقاربا أكبر بين "حماس" وعمان بعد زيارة الملك لواشنطن. ولفت إلى أن الحكومة الإسرائيلية السابقة عطلت عملية السلام بالمفهوم الأردني، ولم تبد الجدية اللازمة لاستئناف عملية السلام، مشيراً إلى أن الأردن سيبحث مع الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات جديدة للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، من خلال الطلب من الإدارة الضغط من أجل وقف الاستيطان والإجراءات الأحادية.
ورجّح الحمد عدم وجود أي تأثير للزيارة على العلاقات الأردنية ــ الإيرانية، لافتاً إلى أن أي تغيير سيرتبط بموقف عالمي حول الاتفاق النووي. ورأى أن العلاقات الأردنية ــ المصرية ــ العراقية المتنامية تأخذ العمق الاقتصادي بالأساس، فالعراق بحاجة للتعاون والتكامل مع الدولة المجاورة، كالأردن ومصر، فيما هذا التحالف يشكل فرصة لتحسين الأوضاع الاقتصادية في الأردن ومصر، في ظل قدرات الاقتصاد العراقي الهائلة، والولايات المتحدة تشجع على هذه العلاقات لخلق توازن عراقي مع دول المنطقة مقابل العلاقة مع إيران.

حسن الدعجة: اتفاقية التعاون العسكري بين واشنطن وعمان لها الأثر الكبير على توطيد التعاون
 

وحول التسريبات عن حمل الملك للملف السوري إلى واشنطن، قال الحمد إن الأردن معني بثلاث قضايا رئيسية، هي الأمن والسيطرة على الحدود الشمالية وحمايتها، واستئناف العلاقات الاقتصادية التي تشكل شرياناً مهماً للاقتصاد الأردني، وهناك اتفاقيات قديمة عمان مهتمة بإعادة إحيائها، كما أنها معنية باستقرار سورية، للحفاظ على أمنها، في ظل وجود مليشيات قريبة من الحدود.
من ناحيته، قال رئيس قسم الإعلام والدراسات الاستراتيجية في جامعة الحسن بن طلال، حسن الدعجة، لـ"العربي الجديد"، إن الإدارة الأميركية الجديدة، بقيادة بايدن، تدعم القيم الديمقراطية في العالم، وهذا سيكون له أثر على الأردن، خاصة وأن عبدالله الثاني شكل مؤخراً اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، التي ستقدم مقترحاتها بشأن قوانين الأحزاب والانتخاب والإدارة المحلية. ولفت إلى أن اتفاقية التعاون العسكري بين واشنطن وعمان، لها الأثر الكبير على توطيد التعاون، لافتاً إلى نقل الكثير من القواعد الأميركية والمعدات العسكرية إلى الأردن تحسباً لأي مواجهة مع إيران. واعتبر أن هناك علاقة قوية بين بايدن والعاهل الأردني، مدللاً على ذلك بدعم بايدن القوي للقيادة الأردنية، خلال ما عرف بقضية "الفتنة" (الأمير حمزة).

واعتبر الدعجة أن بقاء الأردن قوياً يصب في مصلحة أميركا، خاصة في ظل التحالف الجديد مع العراق ومصر، معرباً عن اعتقاده بأن هذا التحالف يتم بدعم أميركي، وأنه سيتم إدخال دول جديدة فيه مستقبلاً، مثل سورية وفلسطين ولبنان. وربط بين العلاقات السيئة مع إدارة ترامب برفض الأردن لـ"صفقة القرن" والتجاوزات في القدس المحتلة والعمل على الوطن البديل وضم أراض من الأغوار. ورأى أن الأردن له أهمية بالنسبة للولايات المتحدة، ومواقفه تؤخذ على محمل الجد، وبالتالي فإن مساحة الحركة واسعة إذا توفرت الإرادة السياسية والتلاحم الشعبي حول القيادة، ومثال على ذلك رفض "صفقة القرن". وشدد على أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا من خلال حل الدولتين، موضحاً أن الكثير من الإدارات الأميركية كانت تدعم هذا الأمر، لكن من دون أي أثر ملموس على الأرض.