يعود ملف الصحراء إلى الواجهة، مع تسليم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أمس الجمعة، تقريره السنوي عن تطورات الوضع في المنطقة إلى مجلس الأمن الدولي، وكذلك مع برمجة ثلاث جلسات للمجلس خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
وبينما تتجه الأنظار إلى ما سيتضمنه تقرير غوتيريس حول الوضع والحالة في الصحراء، خصوصاً في ظل المتغيرات التي عرفها الملف منذ 13 فبراير/شباط الماضي، بعد تأمين الجيش المغربي لمعبر الكركرات الحدودي الفاصل بين المغرب وموريتانيا، وما تبع ذلك من إعلان جبهة "البوليساريو" الانفصالية إنهاء التزامها وقف إطلاق النار الموقَّع عليه في عام 1991، برمج مجلس الأمن الدولي ثلاث جلسات رئيسية لمناقشة ملف الصحراء في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، الأولى تعقد في 11 منه مع البلدان المساهمة بقوات عسكرية وبأفراد شرطة في بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء "المينورسو"، كذلك جرت برمجة جلسة ثانية مغلقة لمجلس الأمن الدولي في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وتتضمن إحاطة يقدمها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، رئيس بعثة "المينورسو" ألكسندر إيفانكو، بالإضافة إلى مشاورات مغلقة تتضمن مناقشة تطورات ملف الصحراء، وتقديم مقترحات بشأن مشروع قرار تجديد ولاية "المينورسو". بينما الجلسة الثالثة ستكون يوم 27 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، للتصويت على مشروع قرار التجديد لولاية البعثة الأممية إلى الصحراء التي ستنتهي في 30 من الشهر نفسه.
وتعليقاً على الموضوع، أفاد مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية" عبد الفتاح الفاتحي، بأن المغرب معنيّ بكسب إعادة تمديد بعثة "المينورسو" لولاية أخرى، وبالتالي تكبيد جبهة "البوليساريو" الانفصالية خسائر خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار، وتهديدها لأمن المنطقة واستقرارها، معتبراً، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن مسار الحل واضح، وأن أمام "البوليساريو" إما العمل بإيجابية لتسريع التوصل إلى تسوية سياسية، أو أن المجتمع الدولي سيباشر الخيار الذي يراه أنسب.
وتأتي مناقشة مجلس الأمن لملف الصحراء هذه السنة، في ظل تطورات عدة، من أبرزها موافقة الرباط على تعيين الديبلوماسي ستيفان دي ميستورا مبعوثاً شخصياً للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، فيما ينتظر إعلان تعيينه في الأيام القليلة المقبلة، بعد موافقة أعضاء مجلس الأمن عليه، خلفاً للرئيس الألماني السابق هورست كوهلر، في المنصب الشاغر منذ 2019.
وكان السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، قد كشف في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، عن أنّ المملكة أبلغت غوتيريس موافقتها على تعيين دي ميستورا، الدبلوماسي السويدي الحاصل على الجنسية الإيطالية، مبعوثاً شخصياً جديداً له إلى الصحراء، لافتاً إلى أنّ "موافقة المغرب تأتي انطلاقاً من ثقته الدائمة ودعمه الموصول لجهود الأمين العام للأمم المتحدة، من أجل التوصل إلى حل سياسي وواقعي وعملي ودائم ومتوافق بشأنه للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية".
وأضاف هلال، في تصريحات لوكالة "المغرب العربي" للأنباء الرسمية: "بمجرد تعيينه، كما نأمل ذلك، يمكن السيد دي ميستورا أن يعوّل على تعاون المغرب ودعمه الثابت في تنفيذ مهمته لتيسير التوصل إلى تسوية لهذا النزاع الإقليمي، وفقاً لقرارات مجلس الأمن منذ عام 2007، ولا سيما القرارات 2440 و2468 و2494 و2548، التي كرست مسلسل الموائد المستديرة مع الأطراف الأربعة المشاركة فيه ووفق المعايير المحددة".
وبخصوص توقعات الرباط من العملية السياسية، قال هلال إنّ بلده، "بغضّ النظر عن الشخصية التي تشغل منصب المبعوث الشخصي، يظل، كما كان دائماً، متشبثاً، بحزم، بالمسلسل الأممي الحصري، من أجل التوصل إلى حل سياسي وواقعي وعملي ودائم وتوافقي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وذلك طبقاً لقرارات مجلس الأمن منذ عام 2007 التي تعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلاً جدياً وذا مصداقية لقضية الصحراء المغربية".
وبحسب مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية"، ستكون مهمة دي ميستورا، عملياً، شبه مشروطة باستئناف ما انتهى إليه سلفه كوهلر، ولا سيما المائدتان المستديرتان، لافتاً إلى أن "الموافقة المغربية جاءت بعد التذكير بالمسار الذي سيتابعه دي ميستورا، وأن في ذلك توافقاً على مشاورات مغربية مع حلفائه في مجلس الأمن الدولي، ولا سيما بعد تأكد تحصين مكتسب الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء".
وأضاف: "الكياسة المغربية في تجاوز أزمة التوافق على تعيين مبعوث شخصي للأمين العام إلى الصحراء تمت بوعي براغماتي يفيد الموقف التفاوضي للمغرب"، معتبراً أن الموافقة المغربية منسجمة مع بداية تأثير الموقف الأميركي، الذي تبنى مبادرة الحكم الذاتي كحلّ نهائي لنزاع الصحراء، وأن هذا الأمر مفهوم بوضوح لدى دي ميستورا.
وسادت طوال الأسابيع الماضية حالة ترقب في المغرب، في انتظار ما سيقدم عليه الأمين العام للأمم المتحدة بشأن الكشف عن هوية المرشح الـ 14 لمنصب مبعوثه الشخصي إلى الصحراء. فيما ظلت مهمة إقناع أطراف النزاع بمرشحين لهم القدرة على إدارة العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، صعبة طوال الأشهر الماضية، بعد أن كشف غوتيريس عن أنه اقترح 13 اسماً، لكنها "لم تحصل على موافقة من الأطراف"، معتبراً أنّ استمرار النزاع يؤثر في "عامل الاستقرار في المنطقة التي تواجه خطر الإرهاب".