ملفات ليبية تنتظر مبعوثاً أممياً جديداً وحفتر يفرض سيطرته على شرق ليبيا 

17 ديسمبر 2020
حفتر أطلق خطة أمنية لإعادة السيطرة على بنغازي (فرانس برس)
+ الخط -

 

ينتظر الملف الليبي وصول مبعوث أممي جديد، في وقت أخفقت فيه مسارات الحل الليبي في التوصل إلى توافقات حول مقترحات أممية لحلول سلمية، وسط استمرار التوتر العسكري في مناطق التماس، وسط البلاد، فيما يقوم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر بحراك أمني لإعادة سيطرته على مناطق شرق ليبيا. 

وكشفت مصادر ليبية متطابقة مقربة من برلمان طبرق وقيادة حفتر عن انتهاء مليشيات حفتر من السيطرة الكلية على مدينة بنغازي، في حين وصلت، صباح اليوم الخميس، مليشيتان إلى مدينة طبرق، أقصى الشرق الليبي، بحجة السيطرة على الأوضاع بعد اشتباكات مسلحة بين قبيلتين، ليل البارحة الأربعاء. 

وأطلق حفتر، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خطة أمنية لإعادة السيطرة على بنغازي تحت مسمى "عملية فرض القانون والقضاء على الجريمة والقبض على كل الجناة والخارجين عن القانون داخل مدينة بنغازي"، بقيادة اللواء عبد الرزاق الناظوري، رئيس الأركان المكلف من برلمان طبرق.

وتضمنت الخطة مرحلتين، انتهت الأخيرة الأسبوع قبل الماضي بالسيطرة على "مقار عامة شغلتها مجموعات مسلحة"، بحسب بيان سابق للناظوري، وتم القبض على قاداتها وتقديمهم للمدعي العسكري لمحاكمتهم على تجاوزاتهم، فيما خصصت المرحلة الثالثة لــ"السيطرة على مدن شرق ليبيا"، سيما التي تقع في قبضة مليشيات تابعة لقبائل موالية لرئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، وفق ذات المصادر. 

وتحدثت أنباء بثتها وسائل إعلام مقربة من حفتر عن أن قواته تمكنت من شن "حملة مداهمات استهدفت أوكار تجار المخدرات والمجرمين، والقبض على عدد من المطلوبين". 

 ووفق المصادر، فإن المداهمات شملت مليشيا 306 مشاة المؤلفة في أغلب عناصرها من قبائل العواقير، ومليشيا 153 مدفعية التي شجعت جرحى حروب حفتر على محاصرة مقر فرع البنك المركزي في بنغازي وتنظيم احتجاجات أمامه، مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، للمطالبة بحقوقهم في العلاج بالخارج. 

وتطابقت معلومات المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد" عن أن العملية الأمنية تأتي تمهيداً لعودة حفتر للمشهد مجدداً، بعد تراجع سطوته إثر انكسار حملته العسكرية على طرابلس في مايو/أيار الماضي، وبروز نجم صالح بديلاً عنه في إطار إعادة تدوير حلفاء حفتر لمشهد الحكم والسيطرة في شرق ليبيا، واستبدال مشروع حفتر العسكري بآخر سياسي مثل صالح، الذي تزامن إطلاق مبادرته السياسية، في إبريل/نيسان الماضي، مع انكسار حملة حفتر. 

وتتجه المرحلة الثالثة من عملية "فرض القانون"، وهو ذات المسمى الذي أعلنه حفتر للسيطرة على مناطق جنوب ليبيا مطلع العام الماضي، للسيطرة على مناطق، أقصى الشرق الليبي، الخاضعة لسيطرة قبائل موالية لصالح، إذ وصلت مليشيتان تحملان مسمى "مكافحة الشغب" إلى مدينة طبرق، صباح اليوم الخميس، بحجة السيطرة على الأوضاع بالمدينة إثر اندلاع اشتباكات مسلحة بين قبيلتين.

وتعتقد أوساط محلية في المدينة تحدثت لـ"العربي الجديد" أن عناصر تابعة لحفتر قامت بتفجير مقر مسلحين تابع لإحدى القبيلتين، صباح أمس الأربعاء، لإشعال فتنة داخل القبيلة تمهد لدخول مليشيات حفتر والسيطرة عليها. 

وقبل أيام أعلنت قبائل موالية لعقيلة صالح، في طبرق، وأخرى في منطقة الأبيار في بنغازي، دعمها لتولي صالح منصباً بارزاً في مفاصل السلطة التنفيذية الجديدة، التي كان من المقرر أن يفرزها ملتقى الحوار السياسي.

 وتؤكد ذات المصادر أن الحراك العسكري لحفتر، الذي يجري في قالب عملية أمنية، هدفه إعادة السيطرة على مناطق شرق ليبيا وإفشال مساعي صالح للمزيد من التحشيد القبلي، من جانب، ومن جانب آخر لتأمين ظهر مليشيات حفتر، قبل خروج في اتجاه تطبيق خطط عسكرية جديدة لحفتر، لتعزيز ودعم مواقعه في الجفرة وسرت، وسط البلاد، استعداداً لمواجهة محتملة مع قوات حكومة الوفاق. 

وتزامناً مع توالي تصريحات قادة قوات حكومة الوفاق بشأن استمرار وصول دعم عسكري لمواقع حفتر في سرت والجفرة، أكد شهود عيان من منطقة القريات، المحاذية لمناطق الجفرة، أن قوات "الوفاق" دفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة في اتجاه المنطقة، وتمركزت في معسكر التسليح بالمنطقة. 

ورغم تأكيد قادة الطرفين؛ قيادة حفتر وحكومة الوفاق، على التزامهم باتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن شُعبة الإعلام الحربي التابعة لحفتر، قالت إن حكومة الوفاق تستعد لـ"حرب جديدة"، على حد قولها، ويعتقد الصحافي والكاتب السياسي الليبي الطاهر العوكلي، أن الحراك المسلح لن يصل إلى حد الصدام العسكري، وأن كل ما يجري جاء بسبب اتجاه البلاد إلى حافة فراغ سياسي. 

ويقول العوكلي متحدثاً لـ"العربي الجديد" إن "الإخفاقات التي عاشها ملتقى الحوار السياسي ومجلس النواب العاجز عن توحيد نفسه خلقت حالة من الخوف لدى الطرفين، ما جعل من حلفائهما بالخارج يدفعون بهما إلى واجهة المشهد مجدداً"، معتبراً أن البعثة الأممية في ولايتها الحالية "فشلت في أداء دورها". 

وأعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، عن تعيين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أمس الأربعاء، الدبلوماسي الزيمبابوي، رايزيدون زينينجا، منسقاً لشؤون البعثة الأممية ومساعدا للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة. 

وجاء إعلان تعيين زينينجا في وظيفته، بعد موافقة مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، على تعيين الدبلوماسي البلغاري، نيكولاي ميلادينوف، مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة في ليبيا، خلفاً لغسان سلامة المستقيل منذ مارس/آذار الماضي، وتزامناً مع انتهاء عمل الدبلوماسية الأميركية ستيفاني ويليامز التي تدير البعثة بالإنابة منذ إبريل/نيسان الماضي. 

عراقيل مسارات الحل الليبي

ويتولى ميلادينوف وظيفته الجديدة، بعد سنوات من عمله كمنسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، في وقت تعيش فيه مسارات الحل الليبي عدة عراقيل، سواء فرض تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار، وأبرزها نقل المقاتلين الأجانب من خطوط التماس إلى نقاط خلفية قبل مغادرتهم للبلاد، أو في المسار السياسي، إذ أخفق ملتقى الحوار السياسي في التوافق على إنتاج سلطة تنفيذية موحدة لمرحلة تمهيدية تنتهي بإجراء انتخابات وطنية نهاية العام المقبل. 

ويرى دبلوماسي ليبي سابق، ناصر المبروك السويح، أن مهمة المبعوث الجديد "صعبة في ظل استمرار وجود صراع دولي وخلافات حول عمل البعثة"، معتبراً، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن التعيينات الجديدة تؤكد نجاح واشنطن في فرض مقترحها بشأن إعادة هيكلة عمل البعثة، وتقسيم الوظائف فيها بين مبعوث خاص وآخر منسق لعمل البعثة. 

ووفق السويح، فإن تركة الدبلوماسية الأميركية ستيفاني ويليامز "كبيرة، والملفات التي تركتها في الشأن الليبي معقدة وساخنة، لاتصالها بملفات أخرى تتعلق بسياسات وخلافات دول كبرى في المنطقة خارجيا". 

أما داخلياً، بحسب السويح، فإن أهم الصعوبات التي تواجه المبعوث الجديد تتمثل في "كيف يثق الليبيون في جهود البعثة وخططها من أجل السلام في ليبيا، بل وقدرتها على فرض رؤيتها وخططها، خصوصاً في وقت يحشد فيه حفتر، وفي أذهان الليبيين تقويضه لجهود الأمم المتحدة إبان تحضيرها لملتقى غدامس الوطني العام الماضي"، لافتاً إلى أن الليبيين يعلمون أن البلاد توافد عليها ستة مبعوثين سابقين، لم تجدِ أعمالهم في نقل البلاد من حالة الحرب إلى السلم. 

ويعتبر السويح أن إنهاء ويليامز أعمالها بالإعلان عن تشكيل لجان استشارية وقانونية "خطوة للحفاظ على منجزاتها طيلة فترتها، ولكن الواقع يقول إن مسارات الحل جمدت قبل فشلها وانهيارها". 

ويتساءل الدبلوماسي الليبي بالقول "كيف سيعالج المبعوث الجديد أوضاع 75 شخصية ليبية اختارتهم ويليامز، دون أن توضح آلية اختيارهم، وكيف سيدفع باللجان العسكرية لتنفيذ اتفاقها وسط التحشيد العسكري، والأهم هل سيسير وفق خطط ويليامز القائمة على حلول الأقاليم الثلاثة التي أثارت شكوك ليبيين حول سعي المنظومة الدولية لتكريس تقسيم البلاد". 

ووفق توقعات السويح، فـ"ربما يعيد المبعوث الجديد تدوير خطط ورؤية ويليامز التي قيل إنها تنفيذ سياسات أميركية في المنطقة، فالمبعوث الجديد أيضاً مقترح من جانب واشنطن، والبعثة برمتها تمت إعادة تشكيل هيكلها الوظيفي بطلب أميركي، ما يعني أن خيوط القضية لا تزال في ردهات البيت الأبيض الذي لم يعلن عن رؤية واضحة بشأن ليبيا طيلة الفترات الماضية". 

المساهمون