ملاحقة إسرائيل المرأة الفلسطينية ومحاولة تقييد نشاطها الوطني والسياسي

30 أكتوبر 2022
قوات الاحتلال تعتقل متظاهرة في صحراء النقب (أحمد غرابلي فرانس برس)
+ الخط -

 

الاعتقال السياسي للطالبات والناشطات في العمل الأهلي والوطني والحركات الوطنية 

شهدت السنوات الأخيرة، خاصة منذ "هبة الكرامة"، تكثيفاً في الملاحقات والتهديدات الأمنية الإسرائيلية لفلسطينيي مناطق 48، شملت ناشطات في العمل السياسي والحركات الشبابية، وفي الحركة الطلابية والجامعات، وصلت إلى اعتقال وتقديم لوائح الاتهام، وإبعاد بعضهن عن مكان السكن أو مكان التعليم/ العمل، أو سجنهن فعليّاً، أو إرسالهن "للحبس المنزلي" مع تقييدات عدّة، إضافة إلى استدعاء العديد منهن للتحقيقات المخابراتية أحياناً، تحت مُسمّى "مُحادثة" أو "محادثة ودية".

تستدعى الناشطات هاتفياً أو خطياً، دون توضيح الغرض من الاستدعاء، أو اسم المُستدعِي، ويُطلب منهن الحضور إلى مركز الشرطة لـ"محادثة"، دون تحديد رقم الغرفة. تتم هذه الاستدعاءات أحياناً قبل نشاطات طلابية أو شعبية، كالمظاهرات والوقفات والاعتصامات، وأحياناً بعد المظاهرات مباشرةً أو خلالها، ويكون مضمونها ترهيب المُشارِكة وتهديدها.
أستعرض في ما يلي عددا من الأمثلة على الاستدعاءات والتحقيقات والاعتقالات التي توضحها:

مريم أبو قويدر: قدمت نيابة بئر السبع العامة في يوليو/ تموز 2022، لائحة اتهام ضد الطالبة الجامعية مريم أبو قويدر، هي ناشطة سياسية، لها حضورها بين الطلاب العرب في الجامعة، من قرية الزرنوق، وهي واحدة من القرى غير المعترف بها في منطقة النقب، جنوبي البلاد. مريم طالبة في كلية الصيدلة، جامعة بن غوريون بئر السبع. اعتقلت من الجامعة وسجنت أكثر من أسبوع، إثر وقفة منددة باغتيال الصحافيّة شيرين أبو عاقلة، نُسِبت إليها تهمة "تأييد منظمة إرهابية، والتحريض على الإرهاب"، استناداً إلى نشرها عبر حسابها في تطبيق إنستغرام صوراً ومنشورات، تضمنت تحريضاً على الإرهاب، ودعوات مباشرة لارتكاب أعمال إرهابية، وتأييد وتمجيد المنظمات الإرهابية. حولت لاحقاً للحبس المنزلي مع شروط تقييدية، منها حظر استخدام أي جهاز متصل بالإنترنت، بما في ذلك الهاتف والحاسوب والتلفاز الذكي.

سمية فلاح: اعتُقلت فلاح في بداية عام 2022، هي طالبة دكتوراه في معهد التخنيون في حيفا وناشطة سياسية، بعد اقتحام منزلها ومصادرة حاسوبها وتفتيش هاتفها. تعرضت لتحقيق مخابراتي قاس لساعات عديدة ومتواصلة، ثم فرض عليها الحبس المنزلي وجرى إبعادها عن مكان سكنها الجامعي على أثر ذلك. سربت معلومات إعلامية ادّعى فيها جهاز المخابرات أنّ التحقيق معها نتيجة اتهامها بـ"التواصل مع عميل أجنبي"، لاحقاً تبيّن أنّ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تحقق معها على خلفية مشاركتها في "مؤتمر العودة" الأخير في مدريد، المنعقد بضعة أشهر قبل اعتقالها.

تعرضت فلاح إلى حملة تحريض في وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي نشرت صورها واسمها وتبنت رواية المخابرات، غير آبهة لعوارض هذا النشر، واحتمال ملاحقتها ومطاردتها من قبل مجموعات يمينية إرهابية، أو التنكيل بها. شملت التقييدات ضدها، وهي رهن الاعتقال المنزلي، منع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أو الإنترنت أو التواصل مع أي شخص، على الرغم من حاجتها لاستعمال هذه الأجهزة في دراستها وبحثها، إضافة إلى منعها من السفر، زعم جهاز المخابرات "أنّه طرأ تقدم في عملية التحقيق، نتيجة اكتشاف حقائق خطيرة تستدعي تشديد عقوبة الحبس المنزلي، لكنه تراجع لاحقاً وأفرج عنها، ما أكد هشاشة التهم والأدلة.

يارا غرابلة: استدعتها المخابرات الإسرائيلية وحققت معها في يناير/ كانون الثاني 2022؛ هي ناشطة يافاوية، أثناء الوقفة الإسنادية مع أهالي النقب، التي دعت إليها غرابلة ضمن سلسلة الدعوات التي انطلقت في أراضي 48 نصرةً لأهالي قرية الأطرش في النقب. لم يكن هذا الاستدعاء الأول، بل سبقه استدعاؤها هاتفياً إلى مركز الشرطة في مايو/ أيار 2021، أثناء هبة الكرامة، وهذه المرة أيضاً، كانت طريقة الاستدعاء مريبة، بعد انتهاء الوقفة الليلية التضامنية لاحقها شخصان يرتديان الأسود، ونادياها باسمها عدة مرات، أثناء توجهها إلى سيارتها، حيث انتظرا حتى اختفى الحشد وتفرّق المشاركون، بغرض الاستفراد بها ومحاولة إخافتها، وقالوا لها "إذا ما جيتي بكرا إحنا بنلاقي طرق ثانية نجيبك فيها".

رنا بشارة: فنانة تشكيلية وأدائية وناشطة سياسية، تنتج وتنشر حول قضية الأسرى والمعتقلين، تُسخّر فنّها للتعبير عن القضية، ورفع الوعي والتضامن معها. دعيت إلى التحقيق في حيفا في يناير/ كانون الثاني 2022، بغرض التخويف وزجّها في خانة الشك، كما صرحت حينها. 

سهير بدارنة: تعرّضت سهير الناشطة في قضايا الأسرى والمعتقلين أثناء "هبة الكرامة" إلى الاعتقال، بعد الاتصال بها وإبلاغها بأن قوة في طريقها لاعتقالها. اعتقلت من بيتها، وقضت ليلة في السجن بتهمة "المشاركة في تجمهر غير قانوني، والقيام بتصرفات يمكن أن تخل بالهدوء والسٍّلم". كانت بدارنة قد تعرضت إلى تحقيق سابق في العام 2017، تمحورت الأسئلة حول عملها ونشاطها في الحركات الشعبية وقضايا الأسرى.

استعمال مفهوم الوصاية الذكورية والمفاهيم الأبوية (سلطة الأب على ابنته) في التحقيق

في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2015، اعتقلت عدة ناشطات فلسطينيات، نذكر منهن: عدن طاطور ولبنى توما وسمر عزايزة، جميعهن فوق 18 عاماً، إضافة إلى فتاة رابعة قاصر (اسمها محفوظ). رغم كون ثلاثتهن فوق السن القانوني لوصاية الأهل، استعمل مفهوم الوصاية، من خلال استدعاء والد إحداهن للتحقيق، من أجل الضغط على ابنته وعبر الضغط على آخر كي يقنعها بالحضور إلى مركز التحقيق، حين لم يجدوها في البيت. حكم عليهن بالسجنَ أربعة أيام؛ هي تجربة قاسية لمن يعرف معنى سجن فتاة أو شاب بهذا العمر، شمل أمر الاعتقال بنودا مثل "التآمر لتنفيذ جريمة"، "المشاركة في أعمال شغب". أعمال الشغب المقصودة حينها هي مظاهرة الغضب. إذ اعتقلن قُبيل وعشيّة مظاهرة الغضب، التي دعا إليها الحراك الشبابي الفلسطيني، احتجاجاً على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في المسجد الأقصى والقدس والاعتداءات على الفلسطينيين.

اطلعت الكاتبة على هذه الأمور والتفاصيل من خلال الناشطات اللاتي طلبن استشارة قانونية، أو رغبن في مشاركة ما تعرضن له من تهديدات أثناء التحقيقات، أو حتى أثناء ما سمي "محادثة وديّة" لم تحمل من الوديّة شيء، إذ لم يكن الاسم سوى غلاف صوري لتحقيق كامل متكامل.

تابعت الكاتبة من خلال نشاطها السياسي الوطني قضايا أخرى مشابهة، كما تعرضت حين كانت ناشطة طلابيّة، في أواخر الثمانينيات، إلى مضايقات واستدعاءات، كما استُدعي والدها من قبل المخابرات لـ"مُحادثة ودية" داخل مقرهم، حين كانت تسكن في الناصرة، بعدما ظهر اسمها مرشحة، ولاحقاً عضو في لجنة الطلاب الجامعيين العرب في جامعة حيفا.

لم تذهب الكاتبة إلى المحادثة، وأخبر والدها يومها بما معناه "خليّ بنتك تهتم بدروسها وبمستقبلها، وتترك السياسة احنا منحكي لمصلحتها، نشاطها راح يخرب عليها، فهمها هذا الشي"، كان أول ثمن لاستمرار نشاطها الطلابي رفض حصولها على مسكن ضمن مساكن الطلبة، رغم استحقاقها الكامل، من ناحية الشروط والنقاط، ما اضطرها إلى خوض معركة معهم، فضلاً عن مضايقات أخرى، ورصد نشاطاتها وتحركاتها.

ملاحقة واعتقال وتحقيق مع الفلسطينيات أينما وُجدن

يطاول التهديد والاعتقال الطالبات الفلسطينيات في الجامعات الإسرائيلية والفلسطينية، تقمع دولة الاحتلال النساء الفلسطينيات، وتنتهك حرمة الجامعات في الضفة الغربية، وتعتقل الطالبات وتقتادهن، في ظل ظروف مهينة، إلى مراكز الاعتقال.

في السنوات الماضية، اعتقل العشرات من طلاب وطالبات بيرزيت، من بينهم العديد من الطالبات، حُكم عليهن بالسجن لأشهر عديدة، وصلت إلى قرابة العامين، من أجل الحد من نشاطهن الطلابي، بتهمة "نشاطهن الطلابي" في أطرهن الطلابية كـ"القطب الطلابي"، التي تعتبرها إسرائيل تنظيمات ممنوعة. تجدر الإشارة إلى أن تصنيف الأطر والأنشطة بـ"ممنوعة" وفق قوانين دولة الاحتلال، التي لا يعترف بها الطلاب الواقعين تحت احتلالها.

وصل عدد الطالبات المُعتقلات في سجن الدامون إلى أكثر من ثلث عدد الأسيرات في العام الماضي؛ نذكر من طالبات بير زيت على سبيل المثال لا الحصر ليان كايد، ليان ناصر، شذى الطويل، ميس أبو غوش، إيليا أبو حجلة، ربى عاصي.

أيضاً، تستهدف الناشطات في العمل الأهلي باستمرار بعد إصدار أمر عسكري بإغلاق الجمعيات الست ومصادرة محتوياتها وأجهزتها، كما استهدف الاحتلال طواقمها وناشطيها. ومن ضمنهن أذكر على سبيل المثال:

شذى عودة؛ اعتقلتها سلطة الاحتلال الإسرائيلي في يوليو/ تموز 2021، هي من رواد العمل الإنساني والمجتمع المدني، ومديرة مؤسسة لجان العمل الصحي في الضفة الغربية، التي تقدم خدماتها الصحية للعائلات الفلسطينية، حكم عليها بالسجن لمدة 16 شهراً، وغرامة وصلت إلى 9000 دولار. تعرضت منذ اعتقالها، خلال فترة سجنها، لظروف احتجاز صعبة ومعاملة قاسية، وعدة عمليات نقل عبر ما يسمى "البوسطة"، ما تسبب لها بالكثير من الإرهاق والألم والوجع، مع العلم أنها في الخمسينيات من عمرها، وتعاني من أمراض مزمنة.

النائبة خالدة جرار: اعتقلتها قوات الاحتلال في أكتوبر/ تشرين الأول 2019؛ بعد تحررها بفترة قصيرة، أمضت في سجون الاحتلال الإسرائيلي ما مجموعه ثلاث سنوات ونصف، بعضها في الاعتقال الإداري. هي من أبرز المدافعات عن حقوق الحركة الوطنية الأسيرة في سجون الاحتلال، ونائبة سابقة في المجلس التشريعي الفلسطيني، شغلت قبل حلّه منصب رئيسة لجنة الأسرى. اتهمت بـ"النشاط السياسي لصالح الجبهة الشعبية"، وهي تنظيم ممنوع من قبل دولة الاحتلال. حكم عليها بالسجن لمدة عامين، توفيت خلالها ابنتها، لم يسمح لها الاحتلال بالمشاركة في الجنازة لتوديع ابنتها الوداع الأخير، إذ رفضت خالدة الشروط المقيدة التي وضعت على هذا الوداع.

استعمال مفاهيم الشرف والعيب للضغط على المعتقلات الفلسطينيات وابتزازهن عاطفيا

يضغط محققو المخابرات الإسرائيلية أثناء التحقيق على جميع المُعتقلات، إذ تتشابه أساليب التهديد والوعيد المستعملة مع من يستدعينَ بغرض المحادثة، مع الأساليب التي تتبع مع اللاتي يتعرضن للاعتقال الفعلي والتحقيق المتواصل. تستعمل الجهات الأمنية مفاهيم الشرف والعيب وسيلة ضغط عليهن، مثل الكشف عن علاقة عاطفية، و"فضح" الفتاة، أو التهديد بنشر صورهن، واختراق هواتفهن وصفحات الفيسبوك، أو التهديد باعتقال الأهل، وخراب البيوت، والتهديد بسحب رخص وتصاريح عمل أشقاء المعتقلات من مناطق 67، أو وقف التعليم وتصعيب إمكانية الحصول على عمل ومسكن لطالبات 48، وما إلى ذلك من أساليب لا تتغير، بل تتبلور وتُصقل ليقل التعذيب والعنف الجسدي تدريجياً، ويحل عوضاً عنه الترهيب والضغط النفسي والابتزاز العاطفي.

يستمر المحققون في تغذية المفاهيم الأبوية والذكورية داخل المجتمع الفلسطيني، ويستعملونها لصالحهم، حين يخدم الأمر الدولة تستعمل مفهوم الشرف والعيب، وتراعي/ تستغل "المفاهيم الاجتماعية الفلسطينية"، وتعمل على ترسيخها، لكن حين لا يُفيدها الأمر، تخرج الدولة ضد هذه المفاهيم والعادات الاجتماعية الفلسطينية، بل وضد كل ما هو فلسطيني.

المساهمون