يسجل خبراء ومراقبون ملاحظات على القرار الأخير باستعادة نظام بشار الأسد مقعد سورية بجامعة الدول العربية، خصوصاً بعدما تم الاعتماد في القرار على نص المادة السابعة من ميثاق جامعة الدول العربية، الذي جاء فيه أن "ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزماً لجميع الدول المشتركة في الجامعة، وما يقرره المجلس بالأكثرية، يكون ملزماً لمن يقبله، وفي الحالتين، تنفذ قرارات المجلس في كل دولة وفقاً لنظمها الأساسية".
أستاذ القانون الدولي العام، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أيمن سلامة، يؤكد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "وزراء الخارجية العرب طَبّقوا، السبت الماضي، المادة السابعة من ميثاق الجامعة".
أيمن سلامة: قرار بايدن تمديد حالة الطوارئ بشأن سورية صفعة لإعلان الجامعة العربية عودة دمشق لشغل مقعدها
ويلفت إلى أن "تنفيذ القرارات المتخذة بالإجماع في نظام ميثاق جامعة الدول العربية، يخضع إلى النظم الأساسية الدستورية والتشريعية لكل دولة عضو، وتتسع العبارة لتشمل الظروف الخاصة والأوضاع والتقاليد"، مؤكداً أن "هناك عشرات القرارات المتخذة بالإجماع، ولم تنفذ بعد".
ويشير سلامة إلى أنه في "مؤتمر القمة العربي بالقاهرة بشأن الغزو العراقي للكويت، صدر القرار ضد العراق بالأغلبية وليس بالإجماع، حيث لم تتخذ القمة تدابير ضد العراق، ولذلك كان القرار الذي صدر بالأغلبية ملزماً للدول التي قبلته".
ويضيف سلامة أن "مؤتمر 1978 (تجميد عضوية مصر بالجامعة)، لم يكن مؤتمراً لجامعة الدول العربية، وحضره الأمين العام للجامعة بصفة شخصية، وتحايل المؤتمرون على نص الميثاق، فقرروا تجميد عضوية مصر، وليس فصلها، حيث يعوز قرار الفصل إجماع الدول العربية المصوتة".
خطوات عملية للتدرج لحل الأزمة السورية
أما بالنسبة لقرار عودة سورية إلى الجامعة، يقول سلامة إن "قرار الجامعة ضرورة اتخاذ خطوات عملية للتدرج نحو حل الأزمة، وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة، بما يتسق مع قرار مجلس الأمن 2254، بدءاً بمواصلة الخطوات التي تتيح إيصال المساعدات الإنسانية، وفق الآليات المعتمدة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، يجسد ويعكس الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة".
ويضيف أن "الواجب، أي الالتزام بعودة سورية لشغل مقعدها، هو تحمل كافة الدول العربية المجمعة على العودة، مسؤوليات البناء وإعادة الإعمار لسورية، ومساهمتها أيضاً في كافة القضايا السياسية والدستورية والحقوقية في مرحلة الانتقال".
ويتساءل سلامة: "هل القرار الذي صدر عن جامعة الدول العربية، بشأن عودة سورية للجامعة، ينتهك قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، الذي صدر بإجماع الـ15 دولة بما فيها روسيا، والذي يطالب جميع الأطراف بالتوقف فوراً عن شن أي هجمات ضد أهداف مدنية، ويحث جميع الدول الأعضاء على دعم الجهود المبذولة لتحقيق وقف إطلاق النار، ويطلب من الأمم المتحدة أن تجمع بين الطرفين للدخول في مفاوضات رسمية في أوائل يناير/ كانون الثاني 2016، وينص أيضاً على أنه ستجرى انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة في غضون 18 شهراً، وسيتم التحول السياسي بقيادة سورية".
ومن المفترض، وفقاً لسلامة، أن "تلتزم كافة الدول والمنظمات والوكالات الدولية بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين إنفاذاً للفصلين السابع والثامن من ميثاق الأمم المتحدة".
وفي السياق، يقول إن "قرار الرئيس الأميركي جو بايدن تمديد حالة الطوارئ بشأن سورية لمدة عام إضافي، يعد صفعة لإعلان الجامعة العربية عودة دمشق لشغل مقعدها الذي جُمّد عام 2011".
رخا أحمد حسن: القرار غير ملزم للدول لإقامة علاقات مع سورية، أو استعادة العلاقة معها
من جهته، يقول السفير رخا أحمد حسن، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، لـ"العربي الجديد"، إن "صيغة المادة السابعة من ميثاق جامعة الدول العربية تم التوصل إليها إبان فترة تولي عمرو موسى أمانة الجامعة، كي يكون التصويت بالأغلبية شأنه شأن الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي وكل المنظمات الإقليمية، باستثناء القضايا الأمنية والاستراتيجية التي تكون لها أغلبية خاصة في التصويت".
ويضيف: "بناءً عليه فإن قرار تجميد عضوية سورية لم يكن بالإجماع، لأن هناك دولاً تحفظت على القرار الصادر في العام 2011، وبالتالي طُرحت فكرة عودة سورية إلى الجامعة بأغلبية الأصوات، وأن من يريد أن يتحفظ على قرار العودة فليتحفظ".
القرار غير ملزم لكل الدول
ويؤكد حسن أن "قرار جامعة الدول العربية غير ملزم للدول لإقامة علاقات مع سورية، أو استعادة العلاقة معها، فالعلاقات الثنائية بين الدول لها خصوصيتها لكل دولة على حدة".
ويوضح حسن أن "الفقرة التي تنص على أنه في الحالتين تنفذ قرارات المجلس في كل دولة وفقاً لنظمها الأساسية، جاءت لأن قرارات جامعة الدول العربية قد تلزم الدول بأعباء لا تقرها لوائحها الداخلية. ومن هنا أعطت الحرية لهذه الدول، وتلك إحدى نقاط الضعف في العمل العربي الجماعي، لأنه لا تزال هناك مساحة واسعة لحرية الدول في التصرف، حتى في القرارات التي تتم بأغلبية ساحقة، وهذا الأمر يجعل بعض القرارات الصادرة عن الجامعة العربية في معظم الأحيان ورقية".
فتح مجال للعرب للمساهمة بالحل السوري
ويقول عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية إنّ "أهم ما يقدمه هذا القرار هو عودة سورية لمقعدها في الجامعة العربية، وفتح المجال للدول العربية للمساهمة الفعّالة والإيجابية في حل الأزمة السورية لأول مرة منذ 2011، لأن القضايا العربية تُركت لقوى دولية وإقليمية، وكانت الدول العربية إما بعيدة عنها أو جزءاً من الأزمة وليس الحل".
ويضيف: "هناك متغيرات على الساحة السياسية في ما يخص الأزمة السورية، فهناك مفاوضات أميركية مع النظام السوري لإطلاق سراح معتقلين يحملون الجنسية الأميركية. كما أن الولايات المتحدة ستدرك أن عودة سورية إلى الحاضنة العربية ستؤدي إلى مشاركة عربية فعالة من الدول البترولية في عملية إعادة الإعمار، وهذا الأمر سيحد من الوجود الإيراني".
ميسا المحمود: عودة النظام للجامعة قبول بكل الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد في حق الشعب السوري
من جهته، يقول علي عبد الحميد، مدير مؤسسة "الحضارة العربية للتنمية الثقافية"، والأمين العام السابق للمؤتمر الناصري، لـ"العربي الجديد"، إن "جامعة الدول العربية بحكم تأسيسها وتكوينها لا تُعبر عن طموحات الأمة العربية، وتاريخ الجامعة واضح في أنها أساءت لمفهوم القومية العربية والأمة العربية الواحدة".
ويضيف: "لا ننتظر منها شيئاً لأنها جامعة حكومات، وهذه الحكومات تتعارض في أهدافها كلياً بعضها مع بعض، ومن ثم فهي محاولة للتنسيق الإقليمي فشلت في أن تؤدي مهامها، إلا أن البعض يرى أنها تمثل الحد الأدنى، وفي هذا الإطار تكون عودة سورية شكلية".
ويتابع عبد الحميد: "قد تكون الرؤية أن عودة سورية هي محاولة لرأب الصدع العربي عموماً، وقد تكون محاولة لأن يلتفت العرب في ظل عالم جديد متقلب متغير لأهمية الحوار في ما بينهم، وأن ينهوا مرحلة التدمير المتبادل. وقد تظهر عودة سورية إلى الجامعة العربية على أنها مشروطة، لكن أظن أنها عودة كاملة، بدليل أنها مكّنت الرئيس السوري بشار السوري - إذا رغب - من حضور القمة المقبلة".
ويتابع: "سورية لن تكون ملزمة بقرارات الجامعة العربية، خصوصاً إذا مست سيادتها. وطوال الوقت كانت قرارات الجامعة لا تنفذ من الأساس، فأعتقد أن قرار العودة هو مجرد تعامل مع الأمر الواقع".
العودة للجامعة قبول بجرائم الأسد
من جهتها، تقول عضو الأمانة العامة لـ"الحركة السياسية النسوية السورية" الناشطة ميسا المحمود، لـ"العربي الجديد"، إن "عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية بعد 12 عاماً على الثورة، هو قبول بكل الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد في حق الشعب السوري، وأي قرار يصدر عن الجامعة العربية لن يكون ملزماً لبشار الأسد، وبعيد عن التنفيذ، لكنه قد يراوغ الآن حتى يضمن مقعده في الجامعة العربية".
وتضيف: "نحاول التواصل كمعارضة سورية مع الأنظمة العربية، كي نوضح أن عودة بشار إلى مقعد الجامعة العربية اعتراف بوجوده على رأس السلطة، بينما هو لا يملك من السلطة غير مقعد الرئاسة. فالوضع في الشمال السوري على سبيل المثال خارج عن سيطرة النظام بشكل كامل، ولا يملك قراره".
وتقول الناشطة السورية: "نتساءل كمعارضة عن الفائدة التي تعود على الجامعة العربية من عودة بشار الأسد، ونتساءل أيضاً عما إذا كان بشار سيلتزم بأي قرارات مستقبلية تصدر عن الجامعة؟".
وتضيف: "أظن أن من تورط في جرائم ضد شعبه لن يلتزم بأي قرارات. لدينا تخوفات من تأثير هذا القرار على أمان السوريين بالداخل السوري، وأيضاً الذين يعيشون في الدول العربية. فما الذي سيحدث إذا طلب بشار الأسد من الدول العربية تسليم السوريين أو عودتهم القسرية إلى سورية؟".