استدعت النيابة العامة الفلسطينية مستشار الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" لشؤون مكافحة الفساد عزمي الشعيبي، والمدير التنفيذي للائتلاف عصام حج حسين، للتحقيق، وذلك على خلفية تقرير حول "قضية تبييض تمور المستوطنات".
وقالت مصادر لـ"العربي الجديد"، فضلت عدم نشر اسمها، إن ديوان الرئاسة تقدم بدعوى موقعة باسم رئيسته انتصار أبو عمارة إلى النيابة العامة ضد الشعيبي وحج حسين بتهم "قذف وتشهير مقامات عليا على رأس عملها، والنشر الإلكتروني حسب قانون الجرائم الإلكتروني، والتأثير على مجرى العدالة".
بدوره، استنكر "أمان"، في بيان صحافي، استدعاء الشعيبي وحج حسين إلى النيابة العامة، بعد استدعائهما اليوم وأخذ أقوالهما بخصوص ما جاء في التقرير الخامس عشر للائتلاف الذي كُشف عنه في السابع عشر من الشهر الماضي، وبالأخص "قضية تبييض تمور المستوطنات".
ووفق "أمان"، فإن النيابة العامة ستعقد جلسة أخرى صباح الغد لاستكمال التحقيق مع الشعيبي وحج حسين، محذرًا من "التضييق على فضاء مؤسسات المجتمع المدني إزاء إصدار تقاريرها، والقيام بعملها حسب الأصول والقانون".
وبحسب البيان، فإن ائتلاف "أمان" يصدر تقاريره السنوية بهدف رفع توصيات محددة لصناّع القرار الفلسطيني والأطراف ذات العلاقة، من أجل مساعدتهم في تبني إجراءات وتدابير لتعزيز النظام الوطني للنزاهة وتحصين مناعته ضد الفساد، مشددا على "ضرورة قيام القائمين على الحكم باتخاذ قراراتهم لمصلحة المواطنين أو المنفعة العامة من أجل استعادة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، وليس لملاحقة مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في قضايا الشأن العام والمال العام".
وكان "أمان" قد كشف في تقريره، الذي استدعي الشعيبي وحج حسين على أثره، عن تدخلات من مكتب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في قضايا فساد تصل إلى هيئة مكافحة الفساد، ومعالجتها خارج إطار القانون والجهات المختصة، ووصلت في إحدى الملفات إلى مفاوضة رجل الأعمال عبد المالك جابر، المتهم بقضية تبييض تمور المستوطنات؛ لابتزازه للتنازل عن أملاك وأراضٍ لصالح شركة مسجلة باسم أفراد أمن، أحدهم مرافق في مكتب الرئيس.
وقال الشعيبي، خلال تقديمه جزءاً من تفاصيل التقرير السنوي حول واقع النزاهة ومكافحة الفساد للعام 2022 في مدينة البيرة، إنه وبسبب وجود خلافات بين رجل الأعمال عبد المالك جابر والسلطة الفلسطينية، واتهامه في بعض الأحيان بالعلاقة مع القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان؛ فقد كان هذا الملف فرصة لتصفية الحسابات معه كونه شريكاً في إحدى الشركات المتهمة بالقضية.
وأكمل الشعيبي بالقول إن مفاوضات بدأت بشكل مباشر من مكتب الرئاسة، وبحضور المستشار القانوني للرئيس، وقد طُلب من رجل الأعمال التنازل عن شركته وأراضٍ له لشركة صغيرة، جرى تشكيلها وتسجيلها باسم شخصين، أحدهما مرافق في مكتب الرئيس، والآخر ضابط في جهاز الأمن الوقائي.
وأوضح الشعيبي: "أشخاص عاديون يريدون أخذ أرض وشركة تقدر بعشرات الملايين، وبمفاوضات بحضور رسمي ومحامين عن المتهم"، قبل أن يضيف: "هذا شخص لديه قضية فليُحال إلى المحكمة، لماذا يجرى التفاوض معه للتنازل عن أملاكه مقابل لملمة الموضوع؟".
وأكد الشعيبي حينها لـ"العربي الجديد" أن ائتلاف "أمان" كان بالأصل أحد الأطراف المبلغين عن قضية التمور، التي أساءت لسمعة السلطة الفلسطينية مع الحكومة التركية، حيث كانت الأخيرة قد أعطت كوتا للتمور الفلسطينية معفاة من الضريبة، وما حصل أن بعض الأشخاص أساؤوا استخدام الأمر بجلب تمور من المستوطنات، والحصول على شهادات منشأ من أطراف في وزارة الزراعة، وتصديرها على أنها تمور فلسطينية.
وأضاف الشعيبي أن ذلك جرى بالشراكة ما بين أطراف في القطاع الخاص وأطراف حكومية، وبدلا من إحالة أحد الأطراف في القطاع الخاص إلى المحكمة، جرت مفاوضته خارج إطار النيابة أو هيئة مكافحة الفساد من أشخاص داخل مكتب الرئيس، ويؤكد الشعيبي امتلاك "أمان" كل الأوراق المتداولة بين الأطراف، بمن فيهم محامون يدافعون عن رجل الأعمال.
وكان الشعيبي قال، خلال المؤتمر، إن هيئة مكافحة الفساد كشفت تورط ثلاثة مسؤولين في وزارة الزراعة والمالية في القضية، عدا عن تورط ست شركات، وأربعة موزعين، وتسعة بيوت تقوم بالتعبئة، وإن لدى الهيئة أسماءهم جميعا. ولكن بحسب الشعيبي، فإن أحد الأشخاص المتورطين جرت تسوية الأمر معه خارج إطار القانون وأغلق الملف المفتوح بحقه، من دون توفر تفاصيل الاتفاق، وما الذي قدمه مقابل ذلك.
مطالبات بالرد على المعلومات الواردة في تقرير "أمان"
إلى ذلك، قالت مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني، في بيان، إنها تنظر بخطورة بالغة الى استدعاء النيابة العامة، صباح اليوم الاثنين، مستشار مجلس إدارة الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، والمدير التنفيذي للائتلاف، إلى التحقيق.
وأكدت المؤسسات، في بيان مشترك، أن استدعاء كل من الشعيبي وحسين إلى النيابة العامة، وإعادة استدعائهما لمقابلة النيابة يوم غد الثلاثاء، يشكلان تضييقاً على عمل مؤسسات المجتمع وتخويفا لها لمنعها من القيام بواجبها المهني في كشف المخالفات والانتهاكات، ويشكل مساً بحرية التعبير.
وشددت المؤسسات على أن المعطيات والادعاءات، التي وردت في تقرير ائتلاف "أمان" وفي مؤتمرها الصحافي الذي عقد بتاريخ 17 مايو/ أيار الماضي، تتطلب قيام النيابة العامة بفتح تحقيق في الادعاءات التي وردت في التقرير وتشير إلى شبهات مخالفات قانونية قد ترقى إلى درجة شبهات فساد، وفي حال ثبات صحتها، يتطلب الأمر إحالة المشتبه بهم إلى المحاكمة، بحسب البيان.
وأكدت أن حرية عمل المجتمع المدني مكفولة بالقانون الاساسي، بوصفه منتجا طبيعيا لحق الفلسطينيين بالتجمع وخاصة في ظل غياب المجلس التشريعي، وأن المساس به أو التضييق عليه يعد تضييقا على المساحات المدنية التي يستطيع الفلسطيني من خلالها التعبير عن نفسه بحرية.
وقالت المؤسسات: "إن هذه الخطوات من شأنها تعطيل كافة أشكال العمل الديمقراطي السلمي في فلسطين، وتنذر بشرعنة العنف السياسي والراديكالية تجاه المجتمع المدني ومكونات العمل المدني بصفة عامة".
وطالبت المؤسسات بسحب الشكوى المقدمة من ديوان الرئاسة بحق ائتلاف "أمان"، والرد على المعطيات التي وردت في تقرير الائتلاف بالمعلومات في حال التشكيك بصحتها.
كما طالبت النيابة العامة بالتوقف عن التحقيق مع الحج حسين والشعيبي، وفتح التحقيق بداية في الادعاءات التي وردت في التقرير، المتعلقة بوقوع مخالفات قانونية خطيرة وفقا لما ورد في التقرير السنوي للائتلاف.
وشددت المؤسسات على ضرورة إقرار قانون عصري للحق في الحصول على المعلومات، لتمكين المؤسسات من الحصول على المعلومات الدقيقة لما لذلك من أهمية في مكافحة الفساد.