مقطع يوثق إطلاق قوات الاحتلال النار على 3 فتية بدم بارد في الضفة الغربية

10 يناير 2024
أطلق جنود الاحتلال النار على الشبان دون أن يشكلوا أي استفزاز (لقطة شاشة/Getty)
+ الخط -

أظهرت لقطات من كاميرا مراقبة في إحدى بلدات الضفة الغربية شاباً فلسطينياً كان يقف في ساحة، عندما أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار عليه فجأة، ليسقط على الأرض.

وبينما كان شابان آخران يهرعان لمساعدته، أصيبا بالرصاص أيضاً.

الحادثة أدت إلى استشهاد شاب يبلغ من العمر 17 عاماً قبل لحظات من وصول سيارات جيب عسكرية إسرائيلية إلى المنطقة.

وأظهرت مراجعة للتسجيل المصور من كاميرا المراقبة ومقابلات مع المصابين أن الجنود الإسرائيليين فتحوا النار على الثلاثة بينما لم يكونوا يشكلون أي تهديد عليهم. وأصيب أحد الفلسطينيين الثلاثة برصاصة ثانية بعد أن نهض وحاول السير على قدم واحدة.

حادثة إطلاق النار الدامية التي شهدتها بلدة بيت ريما شمال غرب رام الله وسط الضفة الغربية، الأسبوع الماضي، هي الأحدث ضمن سلسلة حوادث بدا فيها الجنود يطلقون النار على أي فلسطيني دون التعرض لاستفزاز، وهو اتجاه يقول الفلسطينيون إنه تزايد منذ اندلاع الحرب على غزة.

وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن قواته دخلت بيت ريما مساء الخميس الماضي، في إطار "عملية لمكافحة الإرهاب"، مضيفاً أن القوات أطلقت النار على مشتبه فيهم ألقوا عليهم مقذوفات وقنابل حارقة.

ولا يظهر المقطع المصور من متجر بالمنطقة، أي شخص يُلقي مقذوفات أو قنابل حارقة. وبعد مراجعة اللقطات، قال متحدث عسكري إسرائيلي إن الجنود أفادوا بأن أحد الفلسطينيين -الذي بدا راكعاً أمام شيء خارج الإطار- كان يشعل زجاجة حارقة عندما أطلقت النار عليه.

لكن المقطع أظهر أن الطلقة الأولى لم تصب الشاب وهو راكع، بل أصابت فلسطينياً آخر يدعى نادر الريماوي.

وقال نادر لوكالة "أسوشييتد برس" إن الجسم الذي أمامه كان كومة صناديق من الورق المقوى وقصاصات جمعها أسيد الريماوي، الشهيد البالغ 17 عاماً، وكان يستعد لإشعالها من أجل التدفئة.

ويبدو أن مقاطع أخرى للحادثة، نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تتفق مع رواية نادر للجسم الذي كان أسيد الريماوي يستعد لإشعاله.

وقد تؤدي المقاطع المأخوذة من زوايا أخرى إلى إلقاء الضوء على الحادث بشكل أكبر.

وخلال مقابلات مع "أسوشييتد برس"، نفى السكان إلقاء أي مقذوفات، وقالوا إن إطلاق النار الذي وقع في حوالى الساعة الثانية صباح الجمعة، لم يكن مبرراً.

كان اثنان من إخوة الريماوي الستة موجودين في ساحة البلدة عندما انتشرت أنباء عن وجود جنود إسرائيليين. وقالوا إنهم كانوا على علم بوجود قوات الجيش، لكن لم تقع أي مواجهات.

يبدأ المقطع المسجل من كاميرا المراقبة ومدته نصف ساعة قبل حوالى 20 دقيقة من إطلاق النار، حيث يتجمع الرجال في مجموعات صغيرة، ويدخلون ويخرجون من الإطار بينما تأتي سيارات وتذهب.

يتضاءل الحشد الموجود في الإطار في النهاية إلى أقل من 10 رجال، ثم يتفرقون عندما تصيب رصاصة شقيق محمد، نادر الريماوي 29 عاماً، في ساقه اليسرى. ويظهر محمد في المقطع وهو يركض لتقديم المساعدة قبل إطلاق النار عليه. وفجأة يبدأ قناص إسرائيلي إطلاق النار على شقيقه، ويصيبه.

وقال محمد، الذي أصيب برصاصة في وركه الأيمن، إنه ركض نحو شقيقه لتقديم المساعدة، لكن الجندي أطلق النار عليه.

ويظهر في التسجيل المصور الضحية، أسيد، وهو يهرع للمساعدة ويدخل شيئاً في جيبه، ثم يُطلَق النار عليه بسرعة، ويتوفى متأثراً بجراحه فيما بعد.

قال شقيقه، إسلام الريماوي في وقت لاحق إنه عثر على "قداحة" -بقيمة 20 شيكلاً- وعلبة سجائر في جيب أسيد.

تمكن محمد من الزحف بعيداً، لكن الاثنين الآخرين كانا يتدحرجان على الأرض.

وقف نادر وحاول السير على قدمه المصابة، قبل أن ينهار مرة أخرى على الأرض.

وفي تصريحاته من سريره بالمستشفى بعد أيام، قال نادر إنه انهار بعد إصابته برصاصة في ساقه اليمنى.

وباستثناء القوات الإسرائيلية التي تحمل أسلحة، لم تظهر أي أسلحة طوال المقطع المصور. كذلك لم يظهر الشخص الذي أطلق النار.

وأظهر المقطع المصور وصول أربع مركبات إسرائيلية مدرعة بعد نحو دقيقتين من إطلاق النار، ليخرج منها ما يقرب من عشرة جنود شاهرين السلاح. اجتمعوا حول محمد، وركل أحد الجنود أسيد بقدمه.

وفي غضون أربع دقائق، ترك الجنود الجرحى الفلسطينيين على الأرض، وابتعدوا متجاهلين كومة الصناديق ورفضوا اعتقالهم. ثم جاءت سيارة فلسطينية لإجلاء الجرحى.

وبعد فترة وجيزة، أُعلن استشهاد أسيد، وهو طالب في المرحلة الثانوية، في مستشفى قريب.

وقال المتحدث العسكري إن هناك حالات أخرى ألقى فيها فلسطينيون زجاجات حارقة على الجنود في بيت ريما في تلك الليلة، لكنه ذكر أنه لا يعرف موعد ذلك.

وقال المصابون في الحادثة إن هذه كانت المشاجرة الوحيدة التي عرفوا بها في بيت ريما تلك الليلة.

ولم يرد جيش الاحتلال على تساؤلات "أسوشييتد برس"، عما إذا كان الجنود قد انتهكوا قواعد الاشتباك العسكرية، ولم يذكر ما إذا كان سيُجري تحقيقاً رسمياً.

وقالت منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية: "حتى لو صُورَت حوادث إطلاق نار مشكوك فيها بكاميرات، وحقّق الجيش فيها، فإنها نادراً ما تؤدي إلى إصدار لوائح اتهام".

وتقول درور سادوت، المتحدثة باسم بتسليم: "مثل هذه الحوادث تقع بشكل منتظم، لكن لا أحد يسمع عنها".

وتضيف: "سيقول الجيش إنه سيفتح تحقيقاً، وسيستمر هذا التحقيق لسنوات، ربما دون أي تغطية إعلامية. ثم سيلقى في بالوعة".

ورداً على ادعاء سادوت، قدم متحدث عسكري بياناً جاء فيه: "نفحص كل ملف تحقيق وفقاً لظروفه. وفي الحالات المناسبة، تُتَّخَذ تدابير تنفيذية مختلفة، ومن بينها تقديم لوائح اتهام".

وسبق أن عرضت منظمات حقوقية حالات أطلق فيها جنود النار دون أن تتعرض حياتهم للخطر، ما يشكل انتهاكاً واضحاً لقواعد الاشتباك.

وفي معظم الحالات، كان الضحايا فلسطينيين، لكنّ هناك إسرائيليين قتلوا أيضاً في إطلاق نار خلال الحرب.

لوّح ثلاثة رهائن إسرائيليين فرّوا من أسر حركة حماس في غزة الشهر الماضي بأعلام بيضاء، وصرخوا باللغة العبرية طلباً للمساعدة، قبل أن يطلق جنود إسرائيليون النار عليهم.

وقالت سادوت إن منظمتها شهدت مستوى غير مسبوق من عنف الجنود والمستوطنين في الضفة الغربية منذ اندلاع الحرب.

وتشهد الضفة الغربية واحدة من أكثر المراحل دموية على الإطلاق، وفقاً لمراقبين تابعين للأمم المتحدة.

وقال أحمد الريماوي، أحد سكان بيت ريما والذي أصيب شقيقاه في إطلاق النار، إنه يعتقد أن الجنود أصبحوا أكثر عدوانية منذ بداية الحرب.

ويقول مسؤولو صحة فلسطينيون إن 340 فلسطينياً استشهدوا في الضفة الغربية خلال الأشهر الثلاثة المتوترة منذ اندلاع الحرب الدموية الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر، التي أدت حتى اليوم إلا استشهاد أكثر من 23 ألف فلسطيني، بالتزامن مع تشديد القبضة على الضفة الغربية من خلال مداهمات شبه ليلية، غالباً ما تتخللها عمليات تدمير وتخريب للبنى التحتية واستهداف مباشر للفلسطينيين.

وبينما يتعافى محمد ونادر الريماوي من جراحهما، قالا إنهما لن يعملا مرة أخرى في تغليف سلطات معدة للسوق بمصنع داخل قرية فلسطينية مجاورة، حتى يتمكنا من المشي.

وخضع نادر لعملية جراحية يوم الأحد الماضي بعد إصابته في فخذه، بينما غادر محمد المستشفى، لكنه غير قادر على المشي معتمداً على ساقه اليمنى في البلدة التي يبلغ عدد سكانها حوالى 4000 نسمة، وعلقت على جدرانها صور لعدد من أبنائها ممن استشهدوا في مواجهات أو اشتباكات مع قوات الاحتلال. وتظهر بينهم الآن صورة أسيد وهو يحدق في بقعة مثقوبة على الأرض، حيث أردته رصاصة من جندي إسرائيلي.

(أسوشييتد برس)