في الذكرى السنوية الرابعة لإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية في عام 2020، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس الثلاثاء، ترشحه رسمياً لولاية رئاسية ثانية، في الانتخابات المقررة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وذلك في شريط فيديو نُشر على موقع "تويتر"، قال فيه: "أنا مرشح لولاية ثانية".
ردّ الحزب الجمهوري
وعلى الأثر سارع الحزب الجمهوري للردّ على هذا الإعلان باعتباره أن بايدن "منفصل عن الواقع". وذكرت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري في بيان أن "بايدن منفصل عن الواقع لدرجة أنه بعدما تسبّب بأزمة تلو الأخرى، يرى نفسه جديراً بأربع سنوات إضافية"، محذّرة من أنه في حال فوزه "فالتضخم سيواصل ارتفاعه الصاروخي، معدلات الجريمة سترتفع، مزيد من الفنتانيل (نوع من المخدرات) سيعبر حدودنا المفتوحة والعائلات الأميركية ستكون أسوأ حالاً".
وكان ترشح بايدن متوقعاً، بعدما أثار بنفسه هذا الاحتمال في الأسابيع الماضية، طاوياً عملياً صفحة حصول منافسة جدّية في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، المقررة بدءاً من شهر فبراير/شباط المقبل، والتي يُفترض أن يختار فيها الديمقراطيون مرشحهم الرئاسي للبيت الأبيض.
سعى بايدن لتصحيح أخطاء أفغانستان عبر تكثيف دعم أوكرانيا
وسيكون على بايدن (80 عاماً) انتظار حسم خيار الجمهوريين خلال الفترة المقبلة لمعرفة ما إذا سيجد نفسه مرة ثانية في مواجهة دونالد ترامب ليعيد التاريخ نفسه أم أنه سيواجه منافساً جمهورياً مختلفاً. كما أن في انتظار بايدن مهمة صعبة لإقناع الناخبين باعادة التصويت له، إذ إن الأزمات الدولية التي تفجرت خلال ولايته الأولى، وإثبات قدرته على مواجهة الصين وروسيا معاً، أقله حتى الآن، لم ترفع أسهمه كثيراً في الداخل الأميركي.
فصموده أمام "الموجة الحمراء" للحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية في نوفمبر الماضي، لم تنجم من قدرته على معالجة كل الإشكاليات، بل لأسباب متعلقة بخصومه الجمهوريين.
في مجلس النواب في الكونغرس، كان بايدن سعيداً لمواكبة أيام من عجز الجمهوريين، رغم امتلاكهم أكثرية النواب، عن انتخاب خلفٍ لرئيسة مجلس النواب السابقة الديمقراطية نانسي بيلوسي. بالتالي، كان فوز الجمهوري كيفن مكارثي، أقرب إلى تسوية بين أجنحة متصارعة، وعلى رأسها جناح ترامب، في الحزب الجمهوري.
أما في مجلس الشيوخ، فتمكن بايدن من السيطرة عليه. وتحول هذه المعطيات عملياً دون تعبيد الطريق لفوز مضمون لأي مرشح جمهوري للبيت الأبيض.
ومع أن الوضع الاقتصادي الأميركي صعب بعض الشيء، خصوصاً أن تمويل حرب أوكرانيا وبرنامجي البنى التحتية والمناخ، يتصدّر الميزانية الأميركية، إلا أن بايدن يراهن على مؤشرين، الأول، هو التوقعات الإيجابية للاحتياطي الفيدرالي الأميركي الشهر الماضي، والتي تشير إلى نمو الاقتصاد واستقرار نسب البطالة وتراجع التضخم.
المؤشر الثاني، هو اقتراب ترامب من تحوله منافساً له للمرة الثانية. وجاء إعلان بايدن عن ترشحه أمس بعد محطات مفصلية عدة في ولايته الأولى، فقد بدأ الرجل عهده رسمياً في 20 يناير/كانون الثاني 2021، بعد أسبوعين على اقتحام أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب "كابيتول هيل"، مقر الكونغرس، في 6 يناير 2021.
وشهدت الفترة الأولى من ولايته تحدياً اقتصادياً كبيراً، يتمحور حول إخراج الولايات المتحدة من التداعيات المالية السلبية للإغلاقات التي فرضها تفشي وباء كورونا.
وهو اختبار نجح فيه بايدن إلى حد ما، إذ إن ارتفاع أسعار النفط، بسبب الوباء، ثم بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ في 24 فبراير/شباط 2022، أدى إلى تذبذب شعبيته وتدهورها إلى مستويات منخفضة.
وسعى بايدن لكبح جماح ارتفاع الأسعار النفطية، عبر ضح نحو 180 مليون برميل نفط من الاحتياطي الاستراتيجي النفطي الأميركي في السوق، وتأمين سلسلة صناعية مستقرة. ومع تركيزه على الداخل الأميركي، أوقف بايدن كل التحركات الخارجية الأميركية أو خفف سرعة وتيرتها، ما عدا ملفين أساسيين: الصين وروسيا.
في الملف النووي الإيراني مثلاً، جمّد بايدن كل الخطوات المرتكزة على تفعيل الاتفاق، على الرغم من المفاوضات التي أجريت على مراحل عدة في فيينا. وفي الملف الكوري الشمالي، عاد بايدن إلى اعتماد السياسة الكلاسيكية الأميركية تجاه بيونغ يانغ، والتي تتمحور حول تشديد العقوبات على نظام كيم جونغ ـ أون من جهة، وتفعيل المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية من جهة أخرى.
في أفريقيا، حافظ بايدن على المرونة السياسية، الناجمة عن "نصائح" تقارير الاستخبارات الأميركية، فنشر مستشارين عسكريين في بعض دول القارة، ووجّه بالقيام بزيارات لمسؤولين رفيعي المستوى إليها، مثل نائبته كامالا هاريس، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، ووزيرة خزانته جانيت يلين، وغيرهم.
ووفقاً لهذه النصائح، والحاجة إلى أفريقيا مصدراً للطاقة، دفعته إلى الإعلان في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في ختام القمة الأفريقية ـ الأميركية في واشنطن، عن زيارة لم يحدد موعدها في العام الحالي إلى دول جنوب الصحراء الأفريقية.
ومع أن العلاقة مع السعودية شهدت برودة لافتة، تُرجمت باستقبال فاتر له في يوليو الماضي، عكس استقبال سلفه ترامب في عام 2017، غير أن بايدن ظلّ متمسكاً بـ"العلاقة الاستراتيجية" مع السعوديين، داعماً خطواتها، خصوصاً تلك المتعلقة باليمن، والتي حصلت عقب اتفاق الرياض مع طهران.
ومع أوروبا، حافظ بايدن على الحضور الأميركي فيها، على الرغم من الخلافات التجارية ومن مواقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الداعي لـ"استقلالية أوروبية استراتيجية" عن الولايات المتحدة.
في العلاقة مع الصين، وأساسها تايوان، رفع بايدن سقف المواجهة إلى أقصى حد، إذ إنه بدا في سياسته المتشددة تجاه بكين، أكثر "ترامبية" من ترامب
غير أن بايدن يدرك، أن ماكرون خسر مواجهة معه في أستراليا، حين أطاح اتفاق "أوكوس" الموقع بين كانبيرا وواشنطن ولندن في 15 سبتمبر/أيلول 2021، باتفاق فرنسي ـ أسترالي من أجل بناء أسطول غواصات لأستراليا. في العلاقة مع الصين، وأساسها تايوان، رفع بايدن سقف المواجهة إلى أقصى حد، إذ إنه بدا في سياسته المتشددة تجاه بكين، أكثر "ترامبية" من ترامب.
ويعود السبب إلى الحاجة الأميركية، وتالياً الغربية، إلى كبح التمدد الصيني في الأسواق التجارية. ومع أن ترامب وصف كورونا بـ"الفيروس الصيني" متهماً بكين بتسريبه، لم يكن بايدن بعيداً عن هذا التوجه، بل اتهم الصين بأنها تخفي "معلومات حيوية" حول منشأ فيروس كورونا، وذلك في أغسطس/آب 2021. وفي فبراير الماضي، خلص تقرير استخباراتي أميركي إلى أن انتشار فيروس "كورونا" كان بسبب تسرب من مختبر في الصين.
تايوان وشرق آسيا وأوكرانيا
وفي ملف تايوان، لم يخرج بايدن عن سياسة "الغموض الاستراتيجي" الأميركية حول الجزيرة، والتي تتمحور حول تأييد مبدأ "صين واحدة" (أي أن تايوان جزء من الصين) لكن لا تؤيد فكرة استخدام بكين القوة لضمّ تايبيه، مع الاحتفاظ بحق نشر قوات أميركية دفاعاً عن الجزيرة.
ولم يكتفِ بايدن بذلك، بل أمر بتطوير الانتشار العسكري الأميركي في شرق آسيا وحول بحر الصين الجنوبي، وآخرها ارتفاع عدد القواعد التي يستخدمها الجيش الأميركي في الفيليبين من 4 إلى 9 قواعد، وازدياد وتيرة المناورات العسكرية المشتركة مع سيول وطوكيو.
ومع أن إدارة بايدن كانت قد اعتبرت أن الصين هي تهديدها الأساسي، غير أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا عدّل في الأولويات الأميركية. سارع بايدن إلى دعم كييف، خصوصاً أنه لم يكن قد مر 5 أشهر على الانسحاب المخيب للآمال والمتعثر للقوات الأميركية من أفغانستان، في أغسطس/آب 2021. وهو انسحاب يبقى قيد البحث والمناقشات في الكونغرس.
في كييف اتخذ بايدن خطوة معاكسة: فتح مخازن الأسلحة الأميركية للجيش الأوكراني، عمد إلى حشد الدعم الدولي لنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حثّ الحلفاء على وقف الاعتماد على الطاقة الروسية، وباشر بفرض العقوبات على موسكو. وسمح موقف بايدن من أوكرانيا له في إعادة تفعيل دور أميركي صلب في أوروبا، وعزز الانتشار العسكري للولايات المتحدة فيها، خصوصاً في دول الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (بولندا، ليتوانيا، لاتفيا، إستونيا).