نجح الناشطون في الحراك الشعبي في مدينة خراطة بولاية بجاية، شرقي الجزائر، في حشد الآلاف من المتظاهرين الذين وصلوا إلى المدينة قادمين من كل الولايات، للمشاركة في مسيرة شعبية تخلد الذكرى الثانية لمسيرة 16 فبراير/شباط 2019، فيما يستمر الحشد لاستئناف مظاهرات الحراك يومي الجمعة والثلاثاء المقبلين.
وتسابق مكونات الحراك الشعبي الخطوات السياسية للسلطة، ففيما أطلقت الأخيرة مسار لقاءات مع قادة الأحزاب السياسية، بما فيها قوى من المعارضة الراديكالية، تمهيداً لتجهيز الأرضية السياسية لحل البرلمان وإجراء انتخابات نيابية مسبقة وتعديل جزئي في الحكومة، يحشد الحراكيون بكل قوة ممكنة، للخروج إلى الشارع واستئناف مظاهرات الحراك في العاصمة ومختلف المدن، ما قد يخلق صداماً جديداً بين السلطة والحراك عطلته لأشهر الأزمة الوبائية الناجمة عن فيروس كورونا.
وإذا كانت السلطة قد كسبت، في اليومين الماضيين، جولة سياسية مهمة بعقد لقاءات مع قادة الأحزاب السياسية، لا سيما مع نجاحها غير المتوقع في استقطاب أكبر حزب معارض "جبهة القوى الاشتراكية"، للقاء الرئيس عبد المجيد تبون، لتخلط بذلك الكثير من الأوراق في صف المعارضة، فإنّ مكونات الحراك الشعبي كسبت هي الأخرى، أمس الاثنين، جولة أولى، بعد النجاح في الحشد للمسيرة التي شهدتها مدينة خراطة.
وضاقت الشوارع الرئيسية في المدينة بالمتظاهرين من سكان خراطة والبلدات المجاورة، وكذا الآلاف من المتظاهرين الذين وفدوا، منذ مساء أمس، إلى المدينة.
ورُفعت خلال المظاهرات شعارات تجدد العهد مع مطالب الحراك المعلنة منذ 22 فبراير/شياط 2019، والمتعلقة بإطلاق مسار انتقال ديمقراطي حقيقي، واستبعاد الجيش من صناعة الخيارات، وبناء مؤسسات شرعية. وطافت المسيرة الشوارع وصولاً إلى الساحة الكبرى وسط المدينة، ورُفع العلم الوطني والراية الأمازيغية.
وردد المتظاهرون شعارات "سنواصل بالسلمية، لننتزع العسكر من المرادية"، و"نازلين في 22، وماناش خايفين"، في إشارة إلى دعوات التظاهر الجمعة والثلاثاء المقبلين في كل الولايات. كما هتف المتظاهرون" قلنا العصابة تروح، إما نحن وما أنتم".
ومثلت مظاهرات اليوم شبه مؤتمر للناشطين المفرج عنهم من كل الولايات، حيث التقوا جميعهم في هذه المظاهرات للتأكيد على تمسّكهم بمطالب الحراك الأساسية، وعدم تراجعهم عن نضالهم، برغم فترة السجن والملاحقات القضائية التي تعرّضوا لها. ورُفعت خلال المظاهرات صور الناشطين الموقوفين في السجون، خاصة الصحافي خالد درارني، الموقوف منذ السابع من مارس/ آذار 2020، والناشط في الحراك في الجنوب محاد قاسمي، والناشط السياسي رشيد نكاز، وإبراهيم لعلامي، ودليلة توات، وغيرهم.
وشارك في مظاهرات خراطة، اليوم، قادة أحزاب سياسية، على غرار رئيس "حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" محسن بلعباس، ورئيس "الحركة الديمقراطية الاجتماعية" (الحزب الشيوعي سابقاً) فتحي غراس، ورئيس "حزب الاتحاد الديمقراطي" (قيد التأسيس) كريم طابو، ورئيسة "الاتحاد من أجل التغيير" (قيد التأسيس) زبيدة عسول، وعدد كبير من الناشطين والحقوقيين البارزين الملتزمين بخيار الحراك الشعبي، كعبد الغني بادي ومصطفى بوشاشي وغيرهم.
شهدت مدينة خراطة في مثل هذا اليوم عام 2019 أكبر مسيرة شعبية نظمت مباشرة بعد إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترشحه لولاية رئاسية خامسة
وقبل مسيرة اليوم، كانت المدينة قد شهدت مسيرة ليلية على الرغم من البرد القارس، شارك فيها الآلاف من المتظاهرين الذين رددوا هتافات مناوئة للسلطة وتطالب بالحريات والديمقراطية.
وتعد مدينة خراطة ذات رمزية سياسية وتاريخية، إذ هي إحدى المدن الثورية التي شهدت مجازر الاستعمار الفرنسي في الثامن من مايو/ أيار 1945، والتي رح ضحيتها 45 ألف شهيد، كما تستمد رمزيتها السياسية من كونها كانت قد شهدت في مثل هذا اليوم عام 2019 أكبر مسيرة شعبية نظمت مباشرة بعد إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وسبقت اندلاع مظاهرات الحراك بستة أيام، وعرفت بمسيرة "الرايات السود"، إذ رفعت خلالها لافتات سوداء ، تعبيراً عن الحزن والغضب لترشح الرئيس المريض.
وتُعد مسيرات خراطة، الليلة الماضية واليوم، بروفة أولى، قبل المسيرات الشعبية المقررة يومي الجمعة والثلاثاء المقبلين، إحياء للذكرى الثانية للحراك الشعبي، حيث تتصاعد منذ أسبوعين الدعوات للنزول إلى الشارع واستئناف المظاهرات.
وفي السياق، دعا "منبر الوطنيين الأحرار"، في بيان، نشره اليوم، إلى استئناف مظاهرات الحراك الشعبي، "بعدما بات جلياً أن مطالب الجزائريين في تحقيق تغيير جذري وقطيعة مع النّظام ما زالت لم تتجسد بعد، والمسار الأحادي الجانب الذي فرضته السلطة أثبت فشله وعزله الشّعب".
ويقول أستاذ العلوم السياسية أحمد فلاق، لـ"العربي الجديد"، تعليقاً على عودة مظاهرات الحراك، إنّ "السلطة هي أكثر من وفر فرصة ومنح كامل المبررات لعودة الحراك، بسبب سوء التقدير السياسي واستمرار نفس الممارسات السابقة وحملات التضييق على الحريات والناشطين وفشل كثير من الخيارات السياسية التي تبنتها السلطة، خلال العامين الماضيين، ناهيك عن التداعيات الوخيمة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إذ أثبتت السلطة أنها لا تملك أية مقاربة لحلها".
وكان ائتلاف مدني يدعى "نداء 22 فبراير"، ويضم مجموعة من المكونات المدنية والشخصيات والناشطين الجزائريين، قد دعا إلى النزول الجماعي للشارع من أجل التظاهر واستعادة الحقوق والحريات والمطالب المركزية التي أعلنها الحراك الشعبي في انطلاقته الأولى في 22 فبراير/شباط 2019، كما كان حزبا "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"جبهة القوى الاشتراكية" المعارضان، قد حذرا السلطة من مغبة مواجهة المظاهرات السلمية بالقمع أو الاعتقالات.