لم تمنع الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على الجزائر العاصمة، وكذا أجواء الصيام، خروج مظاهرات جديدة للحراك الشعبي اليوم الجمعة، خصصت لإظهار التضامن مع النشطاء المعتقلين في السجون والبالغ عددهم 61 سجينا، موزعين على عدة ولايات في الجزائر. ويلاحق أغلبهم بسبب مواقفهم الداعمة للحراك والمطالب السياسية التي عبروا عنها، ورفعت اليوم صور المعتقلين ولافتات تطالب بإطلاق سراحهم الفوري، وأخرى تتهم السلطات بتلفيق تهم لهم بسبب نشاطهم في الحراك.
المظاهرات، التي خرجت في العاصمة وعدة مدن جزائرية في الجمعة 113 للحراك، طالبت بتحقيق تغيير سياسي حقيقي وانتقال ديمقراطي وتحييد الجيش عن سلطة القرار وتوسيع الحريات ورفض إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 12 يونيو/ حزيران المقبل، فيما حذرت ثماني منظمات حقوقية من تدهور أوضاع 23 من النشطاء الموقوفين بسبب إضرابهم عن الطعام لليوم العاشر على التوالي.
وواصلت مظاهرات الحراك ترديد هتافات تهاجم جهاز المخابرات، على الرغم من الانزعاج الكبير الذي تبديه السلطات في الفترة الأخيرة من هذا الشعار، لكن أبرز الشعارات والهتافات، التي ترددت في مظاهرات اليوم الجمعة، كانت الدعوة إلى الإضراب العام.
وردد المحتجون "إضراب عام، يسقط النظام"، كمحاولة لإجبار السلطة على الرضوخ لمطالب الشعب والتراجع عن المسار السياسي والانتخابي الذي فرضته، خاصة في ظل التوجه نحو إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة.
وتتزامن هذه الدعوات مع موجة إضرابات تشهدها عدة قطاعات حيوية في البلاد، كالتربية والصحة والضرائب والبريد، إضافة إلى تصاعد الغضب الشعبي إزاء إخفاق الحكومة في توفير السيولة في مراكز البريد، والحاجيات التموينية الأساسية، حيث تشهد الأسواق ندرة في مادتي الزيت والحليب والسميد، نتجت عنها طوابير طويلة أمام المحال التجارية.
وفيما حيا المتظاهرون الطلبة والمحامين، وجهوا انتقادات إلى الصحافة ووسائل الإعلام المحلية، بسبب رفضها تغطية المظاهرات وفعاليات الحراك، وتبنيها الخطاب الرسمي الذي يتهم الحراك ومكوناته بالعمالة للخارج.
وعلى غرار الأسابيع الماضية، أبقت قوات الشرطة على نقاط انتشارها في الشوارع والساحات الرئيسة وسط العاصمة الجزائرية، لكنها لم تتدخل لصد المتظاهرين، ما يشي بوجود تطبيع من قبل السلطات مع مظاهرات الجمعة، بخلاف قمعها مظاهرات السبت التي حاول الناشطون إطلاقها في العاصمة وعدة مدن في خطوة تصعيدية.
وفي باقي المدن الجزائرية، خرج المتظاهرون في مسيرات شعبية، كانت أكبرها في بجاية وتيزي وزو شرقي الجزائر، رفعت خلالها لافتات وشعارات تطالب بتغيير النظام وتشدد على رفض الانتخابات المقبلة التي يعتبرها المحتجون "مسرحية سياسية".
كما خرجت مسيرة حاشدة في مدن البويرة وعنابة وقسنطينة وجيجل شرقي البلاد، وشهدت مدن وهران وتلمسان مسيرات شعبية، وسير ناشطون وقفات احتجاجية في مدن معسكر وتيارت غربي البلاد، وتقرت ووادي سوف وأدرار وورقلة جنوبي البلاد، لكن قوات الشرطة ضيقت على المشاركين فيها، وشهدت بعضها اعتقالات للناشطين.
ويواصل 23 من نشطاء الحراك الموقوفين في سجن الحراش، في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، إضرابهم عن الطعام لليوم العاشر على التوالي للمطالبة بإطلاق سراحهم، بعد اعتقالهم منذ السابع من الشهر الجاري، على خلفية نشاطهم في الحراك وبث بعضهم فيديوهات تتهم الأجهزة الأمنية بالاعتداء على الموقوفين.
وعبرت ثماني منظمات حقوقية جزائرية، أبرزها "رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان" و"لجنة مناهضة التعذيب"، في رسالة مفتوحة وجهتها أمس الخميس إلى الرأي العام، عن قلقها البالغ إزاء تدهور صحة النشطاء المضربين عن الطعام، وحملت السلطات مسؤولية ما يتعرضون له من أية مضاعفات، بسبب ما اعتبرته استمرار اعتقالهم التعسفي. وذكرت الرسالة أنهم "عازمون على مواصلة إضرابهم الذي بدأوا فيه بعد يومين من اعتقالهم في مظاهرة سلمية"، وجاء فيها كذلك "لا تدعوهم يموتون، بدأ بعضهم يعاني مضاعفات خطيرة، دعونا نتحرك قبل فوات الأوان".