مطالب شعبية بإعادة صياغة العلاقة بين المعارضة السورية وتركيا

05 يوليو 2024
سوريون يهاجمون نقطة مراقبة تركية شمال حلب، 1 يوليو 2024 (عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت الأحداث الأخيرة التي شهدها الشمال السوري وولايات تركية عدة، على خلفية الاعتداءات العنصرية التي تعرض لها لاجئون سوريون في تركيا، عن فرز قام به الشارع المعارض في سورية أو المتبني للحراك المناهض للنظام السوري، حول القوى السياسية والعسكرية المعارضة، لجهة تعاطي هذه القوى مع الأحداث وطبيعة العلاقة بين المعارضة السورية وتركيا. وربما يكون هذا الفرز عزّز الانطباعات السابقة بشأن القوى السياسية والعسكرية المتهمة بالتبعية لأنقرة مع "إذعان كامل" لكافة إملاءاتها، حتى وإن كانت على حساب السوريين من مناصري الثورة والحراك، وحتى اللاجئين في تركيا.

موقف الحكومة السورية المؤقتة عبر رئيسها عبد الرحمن مصطفى كان مستهجنا من قبل الشارع

ويوم الاثنين الماضي، قتل ستة مدنيين وأصيب العشرات في الشمال الغربي من سورية، وتحديداً في شمال حلب، برصاص قوات الجيش التركي، بعدما تظاهر المئات من السوريين قرب نقاط ومواقع للقوات التركية المنتشرة في شمال حلب، الخاضع للنفوذ التركي و"الجيش الوطني السوري" المعارض الحليف لأنقرة، وذلك احتجاجا على الاعتداءات العنصرية التي تعرض لها لاجئون سوريون في ولايات تركية عدة، أبرزها عمليات تخريب الممتلكات والاعتداء على السوريين في ولاية قيصري ليل الأحد الماضي، بالتزامن مع إجراءات حكومية تركية تهدف إلى ترحيل عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى الشمال السوري، باستخدام ذرائع عدة.

نقمة شعبية على المعارضة السورية

وخلال تلك الأحداث العنيفة والدامية، أظهر المحتجون والناشطون ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي من السوريين، نقمة على الأجسام السياسية الرسمية المعارضة، بالإضافة إلى بعض القوى الفصائلية المنضوية في إطار الجيش الوطني السوري المعارض، وتلك فصائل معروفة بتبعيتها لأنقرة على حساب الأجندة السورية المعارضة، غير أن تعاطيها "السلبي" مع الأحداث الأخيرة وضعها في مرمى الانتقادات مجدداً لخروجها عن العباءة الوطنية، لصالح الأجندة التركية.

وفي حين بدا "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، وهو أكبر جهة معارضة رسمية ويتخذ من مدينة إسطنبول التركية مقرا رئيسا له بالإضافة إلى مقر فرعي في شمال حلب، ممسكاً العصا من المنتصف في تعاطيه "المتوازن" مع الأحداث، وكذلك الحال بالنسبة لـ"هيئة التفاوض السورية" التي أصدر رئيسها بدر جاموس بياناً استهجن فيه الاعتداءات على اللاجئين مع المطالبة بضبط النفس من قبل الغاضبين في الشمال السوري، فإن موقف الحكومة السورية المؤقتة عبر رئيسها عبد الرحمن مصطفى كان مستهجنا من قبل الشارع، بعدما وجّه انتقاداته للمحتجين الذين هاجموا العلم التركي في الشمال، دون انتقادات واضحة للتصرفات العنصرية في تركيا ضد اللاجئين.

على المستوى العسكري، واجه بعض قادة الفصائل المنضوية في إطار "الجيش الوطني السوري" المعارض، والمعروفين بولائهم الشديد لأنقرة، هجوماً لاذعاً من قبل المحتجين والنشطاء، لا سيما قائد ما يعرف بفرقة "السلطان مراد"، فهيم عيسى، وقائد فرقة "الحمزة" سيف بولاد، وقائد فرقة "السلطان سليمان شاه"، محمد الجاسم، الملقب "أبو عمشة"، وقائد ما يعرف بـ"فيلق المجد"، ياسر عبد الرحيم، وقائد ما يعرف بفصيل "السلطان محمد الفاتح"، دوغان سليمان. وجميع هؤلاء وجهت إليهم الاتهامات بمساندة القوات التركية في وجه المحتجين، لا سيما في عفرين، حيث قتل خمسة محتجين بالإضافة إلى إصابة نحو 30 آخرين.

وبرزت مواقف القوى السياسية والمدنية في الداخل، أي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، المتعلقة بطبيعة العلاقة بين المعارضة السورية وتركيا بعد الأحداث الأخيرة، مطالبة بموقف معارض حازم حيال مسألة اللاجئين في تركيا، والتخلي عن التبعية المطلقة سياسياً وعسكرياً لأنقرة. ويتضح تأييد هذا الموقف من بعض القوى العسكرية داخل "الجيش الوطني السوري" المعارض، التي لا تزال ترفض الارتهان للقرار التركي وتحكم أنقرة في هذه "المؤسسة العسكرية".

في هذا الإطار، برزت اللافتة التي رفعها المحتجون في مدينة عفرين شمالي حلب، أثناء تشييع القتلى الذين سقطوا برصاص القوات التركية خلال الاحتجاجات، وحملت عنوان "مطالبنا"، والتي حملت مطالب الشارع المعارض، مفصحة عن التراكمات التي أدت إلى انفجار الأوضاع من خلال أحداث ولاية قيصري.

وحملت المطالب التي جاءت في اللافتة: رفض التطبيع مع النظام السوري بأي شكل من الأشكال، وتشكيل لجنة عليا لمتابعة وضع اللاجئين داخل الأراضي التركية، ومنع افتتاح أي معبر (بين مناطق النظام والمعارضة) ما لم تبدأ عملية الانتقال السياسي، وأن العمل مع الأتراك وتحديد إطار العلاقة بين المعارضة السورية وتركيا يكون وفق المصالح المشتركة ومنع تدخلهم بعمل المؤسسات الثورية مع إعادة هيكلتها بما يخدم أهداف ومبادئ الثورة، فضلاً عن تشكيل حكومة طوارئ فورية لمدة ستة أشهر، وكفّ يد القوى العسكرية عن العمل المدني، وتشكيل هيئة سياسية منتخبة من الداخل، وتشكيل هيئة أو جالية لمتابعة أمور اللاجئين في دول اللجوء والمهجر، واستقلالية القضاء العسكري والمدني، وإعادة هيكلة الحكومة المؤقتة والائتلاف بالانتخاب".

تصحيح العلاقة بين المعارضة السورية وتركيا

وتزامنت هذه المطالب المتعلقة برسم خريطة طريق تحدّد مبادئ العلاقة بين المعارضة السورية وتركيا مع تصريحات تركية أيضاً حول إمكانية تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، ما اعتبره أنصار الثورة والحراك في سورية خذلاناً لهم من قبل الحكومة التركية، بالإضافة إلى الكشف عن ضغط أنقرة على الفصائل لافتتاح معبر تجاري بين مناطق سيطرة المعارضة السورية من جهة، ومناطق سيطرة النظام من جهة مقابلة. وهذا الإجراء يقابله السكان في مناطق المعارضة والنشطاء والقوى المدنية والسياسية بالرفض القاطع، نظراً لما يحمله من فائدة اقتصادية للنظام، ودلالة على بداية تنفيذ الحلول بين أنقرة ودمشق على حساب الحل السوري الشامل والقضية السورية.

وتقصت "العربي الجديد"، حول الجهة التي صاغت هذه المطالب ورفعتها، ووصلت إلى عامر زيدان، الناشط المدني الذي رفع اللافتة في مدينة عفرين، والذي كشف لـ"العربي الجديد" أنه "تمّ تشكيل لجنة تقوم بزيارة الأعيان وأولياء الدم من جميع المحافظات السورية، وذلك بهدف تشكيل لجنة شاملة لتحقيق مطالب الشعب السوري، ووضع حد للانتهاكات، ومحاسبة الأشخاص المتسببين بقتل السوريين"، لا سيما ضمن الأحداث الأخيرة.

وحول اختيار هذه المطالب، والتوصل لكونها الأكثر إلحاحاً من قبل من صاغوها، أشار زيدان إلى أن "البنود خرجت من رحم مطالب الثورة وتضحيات السوريين المستمرة منذ 13 عاماً، وتهدف للحفاظ على مبادئ وأهداف الثورة والشعب السوري، وتحديد صيغة العلاقة بين الشعب السوري والمعارضة السورية من جهة، والجمهورية التركية من جهة أخرى".

زياد المحمد: الاحتقان الحاصل ليس وليد لحظة وهو وليد فساد متراكم خلال السنوات الخمس الأخيرة الماضية

وحول نظرة النشطاء والمحتجين لموقف الأجسام المعارضة من الأحداث الأخيرة، لا سيما الحكومة المؤقتة والائتلاف و"الجيش الوطني" المعارض، عبّر زيدان عن أسفه لأن موقف هذه الأجسام "لم يكن بحجم الكارثة". وقال حول ذلك: "يؤسفنا أن ما حصل خلال الفترة الماضية في تركيا والشمال السوري من قتل وتخريب لممتلكات السوريين وعدم الحفاظ على أمنهم وكرامتهم". وتابع: "لم يكن موقف الحكومة والائتلاف والجيش الوطني والمجلس الإسلامي بحجم الكارثة التي حصلت وحجم الدماء التي سالت على الأراضي السورية، ما زاد غضب الأهالي من هذا الموقف الذي اعتبر الكثيرون أنه ضعيف".

وكانت العديد من البيانات خرجت عن القوى والمدنية والسياسية المعارضة في الداخل السوري، والتي وقفت إلى جانب الشارع واستهجنت ما يتعرض له اللاجئون السوريون في تركيا، وعرّجت كذلك على إنهاء التبعية السياسية والعسكرية لقوى المعارضة الرسمية إلى تركيا.

ومن أبرز تلك القوى التي حملت هذا الموقف: تجمع النقابات والاتحادات الحرة في سورية، رابطة الأحزاب السياسية في سورية، اتحاد الإعلاميين السوريين، تنسيقيات الثورة السورية، اتحاد إعلاميين حلب وريفها، نقابة المحامين الأحرار، الهيئة السياسية في محافظة إدلب، اتحاد ثوار حلب، وغيرها من التجمعات السياسية والنقابية والاتحادات.

وفي هذا السياق، أشار المحامي زياد المحمد، وهو أحد نشطاء الثورة السورية في مدينة عفرين، إلى أن "الاحتقان الحاصل حاليا، ليس وليد لحظة أو فعل معين، وهو وليد فساد متراكم خلال السنوات الخمس الأخيرة الماضية، سواء داخل الائتلاف أو الحكومة المؤقتة وتصدير شخصيات تتجه نحو إبرام مصالحات مع النظام وإعادة تعويمه بدعم من الحكومة التركية وبعض الدول".

ونوه الحقوقي المنتمي لإحد التجمعات النقابية للمحامين كذلك، إلى أن "هذه الأجندات غير مقبولة من الشارع، فالشعب السوري الذي قدّم نحو مليون شهيد وهُجّر أكثر من نصفه من بلاده لن يقبل المساومة في مطالبه ومبادئه"، مشدداً على أن "كل جهة أو دولة أو قيادي أو شخصية تحاول تعويم هذا النظام المجرم، سنعتبرها مجرمة مثله وستكون (أو يكون) هدفاً لنا جميعا".

من جهته، ندّد عضو "مجلس ثوار حلب"، عمير شعبان، بتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته هاكان فيدان التي تتعلق بإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، معتبرا هذا الإجراء، أي "التطبيع" المحتمل، بمثابة "انتحار للشعب السوري".

وأوضح شعبان في حديثه لـ"العربي الجديد" بشأن طبيعة العلاقة بين المعارضة السورية وتركيا: "نحن تحالفنا مع الأتراك، على أساس أنهم ضامنون لنا، بعدما قدموا أنفسهم كذلك، لكنهم تسببوا في خسارة الكثير من المناطق التي كانت في يد المعارضة، ثم إنهم يأتون اليوم ليقولوا بالمصالحة مع النظام والتطبيع معه على حسابنا، وهذا ما لن نقبل به بالمطلق".
ولفت شعبان كذلك، إلى أن "التوترات الأخيرة، ربما تكون العنصرية والأحداث التي حصلت سببا مباشرا لها، لكن المشكلة الأساسية هي التراكمات التي غلّفت العلاقة بين المعارضة السورية وتركيا طوال السنوات الماضية، ولا سيما الاتجاه نحو التطبيع على حساب السوريين".

أما محمد الشامي، المهجر من ريف دمشق وعضو "تنسيقيات الغوطة"، فعزا الغضب الحاصل، إلى مصادرة قرار المعارضة من قبل أنقرة، محملا الحكومة السورية المؤقتة ورئيسها عبد الرحمن مصطفى (تركماني الأصل) ارتهان المعارضة لا سيما الحكومة و"الجيش الوطني" إلى أنقرة، ما جعل الأخيرة تتحكم بقرار المعارضة وبالهيمنة على العلاقة بين المعارضة السورية وتركيا طوال السنوات الماضية، مطالباً في حديث مع "العربي الجديد"، باستقلالية قرار المعارضة عن تركيا، وعدم ربط القرار السوري بمصالح أي جهة أو دولة أخرى.

المساهمون