مصير غامض يفرض نفسه على مستقبل الأمن المائي المصري، في ظل حالة استسلام تامة من جانب المسؤولين في مصر، عبرت عنها تصريحات متكررة تحمل المعنى نفسه، بشأن تمسك القاهرة بالتوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة، من دون أي تحركات عملية جديدة.
ويأتي ذلك وسط مواصلة إثيوبيا عمليات بناء السد، على الرغم من الظروف السياسية المضطربة التي مرت بها نتيجة الحرب الأهلية مع متمردي إقليم تيغراي الشمالي.
فشل النظام المصري بمواجهة أزمة سد النهضة
في السياق، انتقد مسؤول مصري سابق عمل على ملف أزمة سد النهضة، الأداء الرسمي في قضية السد.
وقال في حديث مع "العربي الجديد"، إن النظام الحالي "اكتفى لتبرير عدم قدرته على التوصل لحل للأزمة إلى الآن، بإلقاء المسؤولية على ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، والقول إنها وراء الوضع الراهن الذي وصلت إليه مصر، وتمكين إثيوبيا من بناء السد وجعله أمراً واقعاً".
وتابع "غير أن النظام الحالي فشل طيلة 8 سنوات تولى فيها مقاليد الحكم، في استغلال ما يمكن وصفه بالكوارث السياسية التي مرت بها إثيوبيا خلال هذه الفترة، والتي وصلت إلى حد الاحتراب الأهلي. إذ على الرغم من ذلك، لم يتأثر مشروع السد، بل كان العمل به يتطور بشكل ملحوظ".
الأزمة تجاوزت الجوانب الفنية وانتقلت برمتها إلى المستوى السياسي
وشدد المتحدث نفسه على أن "الأزمة في وضعها الراهن، تجاوزت الجوانب الفنية وانتقلت برمتها إلى المستوى السياسي، وبات على النظام المصري اتخاذ قرارات سياسية حاسمة".
وعبّر المسؤول عن تعجبه من "مواصلة التصريحات المصرية الناعمة تجاه أزمة سد النهضة، والتي بات واضحاً أنها لا تؤتي أي ثمار، سواء على الصعيد الإثيوبي، أو حتى على صعيد المجتمع الدولي، الذي لا يتحرك من دون حدوث أزمة حقيقية".
وأضاف المسؤول "حتى لو كانت هناك تحركات من جانب النظام المصري على صعيد دعم الفوضى في إثيوبيا لتعطيل بناء السد من خلال دعم المتمردين في تيغراي، إلا أنّه ثبُت أن هذه التحركات فشلت أيضاً، وبات على النظام المصري أن يسأل نفسه بشكل واضح: ماذا نحن فاعلون؟".
وتابع المصدر نفسه "يبدو أن القيادة السياسية تتوجه نحو مزيد من القبول بما تفرضه إثيوبيا في ملف قضية سد النهضة، وتختار التوجه نحو الاستعاضة بمنح وقروض إقليمية ودولية، بحجة البحث في بدائل أخرى تعوّض نقص مياه النيل".
ورأى أن هذه القروض والمنح "تمكّن القيادة السياسية أيضاً من استخدام الأموال في مشاريع أخرى، ترى أن إنجازها يمكن أن يجعل المصريين يصرفون النظر عن مطالبة الدولة بتحرك حقيقي يحفظ الحقوق المصرية التاريخية والمشروعة في مياه النيل، الذي يمثل شريان حياة بالنسبة لهم".
استياء من تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي
وأثارت تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمراسلين الأجانب خلال جلسة جمعته بهم على هامش "منتدى شباب العالم" بمدينة شرم الشيخ، مساء أول من أمس الأربعاء، بحضور رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي، استياءً واسعاً بين مراقبين للأزمة.
إذ كان البعض ينتظرون أن يطلع السيسي الشعب المصري على التطورات الجديدة، أو خطط مصر للتعامل مع حالة التجاهل الإثيوبي للمطالب المصرية المتكررة للذهاب لجلسة مفاوضات جديدة تسفر عن اتفاق ملزم.
لم يقدم السيسي أي إفادات جديدة بشأن تطورات أزمة سد النهضة
وأكد السيسي خلال رده على أسئلة المراسلين الأجانب، أن "مصر تعاني من الفقر المائي طبقاً للمعدلات الدولية".
وشدد على تمسّك بلاده "بوجود اتفاق قانوني ملزم في ما يخص ملف سد النهضة مع الجانب الإثيوبي"، من دون أن يقدم أي إفادات جديدة بشأن تطورات الأزمة، في الوقت الذي تؤكد فيه إثيوبيا عدم تأثر عمليات بناء السد بالاضطرابات التي تشهدها.
وفي تصريحات لاحقة للصحافيين أمس الخميس على هامش الجلسة الختامية لمنتدى شباب العالم، قال السيسي إنه حرص منذ توليه حكم البلاد على "إدارة أزمة سد النهضة من خلال الحوار الهادئ، بعيداً عن أي شكل من أشكال الانفعال والتشنج".
وأضاف أن "الهدف من ذلك هو حل هذه القضية والوصول إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء السد وتشغيله".
إثيوبيا ماضية في مشروع بناء سد النهضة
وفي مقابل تصريحات السيسي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، أمس الخميس، إن بلاده ستواصل المفاوضات مع مصر والسودان بشأن القضايا العالقة في قضية سد النهضة، للتوصل إلى حل مرضٍ لجميع الأطراف.
وأكد خلال مؤتمر صحافي بمقر وزارة الخارجية الإثيوبية، قرب اكتمال بناء سد النهضة، قائلاً "لقد أصبح السد أمراً واقعاً خلال الفترة المقبلة".
وأشار إلى أن "إنتاج الطاقة من سد النهضة، لا يعني توقف المفاوضات الثلاثية"، معتبراً في الوقت ذاته أن "السودان سيكون المستفيد الأكبر من بدء توليد الطاقة من السد".
وتتعارض التصريحات الإثيوبية مع اتهامات وجهها وزير الري المصري محمد عبد العاطي، مساء الثلاثاء الماضي، لأديس أبابا، خلال جلسة حوارية بعنوان "مسؤولية المجتمع الدولي تجاه الأمن المائي المستدام".
وقال عبد العاطي إن إثيوبيا "ترفض التوصل إلى آلية للتنسيق في إطار قانوني عادل وملزم حول ملء سد النهضة، للتكيف مع آثار التغيّر المناخي".
وأضاف أن "إنشاء سد ضخم مثل سد النهضة، بدون تنسيق بينه وبين السد العالي في مصر، هو سابقة لم تحدث من قبل، وهو الأمر الذي يستلزم وجود آلية تنسيق واضحة وملزمة بين السدين، وهو الأمر الذي ترفضه إثيوبيا".
وأكد أن القاهرة "عرضت على أديس أبابا العديد من السيناريوهات التي تضمن قدرة السد على توليد الكهرباء بنسبة تصل إلى 85 في المائة في أقصى حالات الجفاف، ولكن من دون فائدة".
من جهته، لم يكتف رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد بتجاهل المطالبات المصرية بالذهاب إلى مفاوضات جديدة، بل بادر ببث رسائل وصفتها دوائر مصرية بالاستفزازية.
وجاء ذلك بعدما عقد أبي أحمد اجتماعاً لحكومته في 5 يناير/ كانون الثاني الحالي بموقع سد النهضة، لإجراء مراجعة لأداء المؤسسات الفيدرالية، في واقعة هي الأولى من نوعها.
وأكد أبي أحمد خلال الاجتماع أن بلاده ماضية في مشروعها نحو النهضة، وأنه لا يمكن لأي طرف، سواء داخلي أو خارجي، أن يجعلها تتراجع عن بناء السد بكامل مواصفاته، مشدداً على أن هذا "شأن إثيوبي خالص".
إثيوبيا تؤكد قرب اكتمال بناء السد: لقد أصبح أمراً واقعاً
في غضون ذلك، أجرى أبي أحمد، مطلع الأسبوع الحالي، مكالمة هاتفية مع الرئيس الأميركي جو بايدن.
وقالت الحكومة الإثيوبية في بيان حول المكالمة، إن الزعيمين "ناقشا القضايا الحالية في إثيوبيا والعلاقات الثنائية بالإضافة إلى القضايا الإقليمية، واتفقا على الالتزام بتعزيز العلاقات الثنائية والعمل بشكل تعاوني في الأمور ذات الاهتمام المشترك".
وكانت مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة قد كشفت، في وقت سابق، عن زيارة مرتقبة في نهاية يناير الحالي للمبعوث الأميركي السابق لمنطقة القرن الأفريقي جيفري فيلتمان إلى القاهرة، وذلك قبل استقالة الأخير من هذا المنصب وتعيين سفير واشنطن لدى تركيا المنتهية ولايته ديفيد ساترفيلد مكانه.
وقالت المصادر إن الزيارة تأتي بناءً على مطلب مصري لبحث تطور وصف بالخطير، بعد تأكيد أبي أحمد عزم بلاده على المضي بإتمام الملء الثالث للسد بكامل الكمية المعلنة، وفق جدول طرحته أديس أبابا سابقاً خلال جولات التفاوض، مع استكمال الملء الثاني.
وفي الملء الثاني كان قد تعذر إتمام ملء خزان السد بالكمية التي حددتها إثيوبيا والتي كانت مقدرة بـ13.5 مليار متر مكعب، وهو ما ترى فيه القاهرة كارثة مائية بالنسبة لها، في ظل عدم قدرتها على التعامل مع العجز المائي الذي ستسببه تلك الخطوة حال إتمامها.