قالت مصادر مقربة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين لـ"العربي الجديد"، السبت، إن مصر والمغرب وجها دعوة لرئاسة المجلسين لاستضافتهما من أجل عقد مشاورات لبناء رؤية مشتركة حول كيفية إجراء الانتخابات بناء على القوانين الانتخابية، التي أنجزتها لجنة 6+6 المشتركة من المجلسين وأصدرها مجلس النواب في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم.
وأشارت المصادر إلى أن عواصم غربية، من بينها باريس وواشنطن ولندن، لا تزال تحث المجلسين على القبول بالرؤية الخاصة بالمبعوث الأممي عبد الله باتيلي بشأن القبول بالجلوس إلى طاولة تضم القادة الأساسيين في المشهد الليبي، لتجاوز الخلافات في القوانين الانتخابية والاتفاق على صيغة تجعلها قابلة للتنفيذ.
وأكدت المصادر أن رئاستي المجلسين لم تقررا بعد قبول أي من المقترحين، الغربي الممثل في العواصم الغربية، أو الإقليمي الممثل في الدعوتين المصرية والمغربية، مشيرة إلى أن زيارة رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة إلى أنقرة منتصف الأسبوع الماضي، والتي التقى فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومسؤولين آخرين في الحكومة التركية، جاءت، في هذا السياق، للتشاور مع الجانب التركي في ملف الانتخابات، وأن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح سيزور القاهرة خلال الأسبوع الجاري للتشاور مع الجانب المصري في الشأن نفسه.
وتعثر مسار التوافق في ملف الانتخابات عند محطة القوانين الانتخابية التي أنتجتها لجنة 6+6 المشتركة بين مجلسي النواب والدولة، فبعد ملاحظات أبداها مجلس النواب حول النسخة التي أصدرتها اللجنة مطلع يونيو/حزيران الماضي في بوزنيقة المغربية، وملاحظات أخرى من جانب البعثة الأممية في ليبيا والمفوضية العليا للانتخابات، قامت اللجنة بإدخال جملة من التعديلات على النصوص الانتخابية وأصدرها مجلس النواب في الخامس من أكتوبر المنصرم، إلا أن المجلس الأعلى للدولة أعلن تمسكه بنسخة بوزنيقة من القوانين الانتخابية، ورفضه أي نسخة أخرى جرى التعديل عليها.
وأكد مجلس الدولة أن إجراء تعديلات على القوانين الانتخابية مخالف لنصوص التعديل الدستوري الذي شُكّلت بموجبه لجنة 6+6، والتي تنص على أن مخرجاتها نهائية ولا يجوز التعديل عليها، كما لا يجوز لمجلسي النواب والدولة التدخل فيها بطلب إدخال أي تعديل عليها.
ورغم تحفظ مجلس الدولة، إلا أن مجلس النواب أحال نسخة القوانين المعدلة إلى المفوضية العليا للانتخابات في العاشر من أكتوبر المنصرم، كما أكدت الأخيرة تسلم القوانين ودعت الأطراف الليبية إلى التوافق على استكمال متطلبات إنجاز العملية الانتخابية وتمهيد الطريق أمام المفوضية لتحمل مسؤولياتها.
والخميس الماضي، أعلن مجلس النواب عن نشر القوانين الانتخابية في الجريدة الرسمية، في مسعى منه لجعلها نافذة ولفرض إجراء الانتخابات وفقها، رغم اعتراض مجلس الدولة.
وفيما تبدو النقاط الخلافية بين المجلسين هي في البنود المتعلقة بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية للانتخابات الرئاسية، إلا أن المصادر المقربة من المجلسين أجمعت على أن الخلاف الأساسي في القوانين الانتخابية مرتبط بتشكيل حكومة جديدة تشرف على إجراء الانتخابات، بدلاً عن حكومتي البلاد الحاليتين، حكومة الوحدة الوطنية والحكومة المكلفة من مجلس النواب.
وفي الوقت الذي لم يخف فيه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مطلبه بضرورة تنفيذ البند الخاص في القوانين الانتخابية بتشكيل حكومة جديدة، أكدت المصادر المقربة من مجلس الدولة أن رئاسة المجلس الممثلة في تكالة ترفض تشكيل حكومة جديدة، وتطالب بإمكانية إجراء ترميم على حكومة الوحدة الوطنية بواسطة دمج حكومة مجلس النواب فيها، أو إجراء تعديل وزاري عليها لتضم شخصيات من معسكر شرق ليبيا ضمن وزاراتها.
ضعف البعثة في عهد باتيلي
ويعتبر الباحث في الشأن السياسي وأستاذ القانون الدستوري عبد الرحيم بشير أن "المحطة الأساسية في تعثر مسار الانتخابات هو تراجع قوة وجدية البعثة الأممية في عهد المبعوث الحالي عبد الله باتيلي، لافتاً إلى أنه "لم يفعّل أياً من مبادرته التي يعلن عنها تباعا، على الرغم من أنها لا تختلف في مضمونها الرامي إلى خلق حوار سياسي جديد يجمع مجلسي النواب والدولة ببقية قادة الأطراف الأساسية وقيادات سياسية ومجتمعية، وذلك راجع لضعف شخصيته السياسية وعدم قدرته على فرض أي خطة لتطبيق مبادراته".
وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، يعتبر بشير أن "ضعف البعثة في عهد باتيلي أفسح المجال للأطراف للعرقلة مجددا واتخاذ القوانين الانتخابية مظلة لتمرير المصالح، فعقيلة صالح يستخدم القوانين لإبعاد عبد الحميد الدبيبة، والأخير يستخدم تكالة وحلفاءه في مجلس الدولة لضرب مشروع عقيلة".
ولا يرى بشير أن "أي مسعى من مساعي مصر والمغرب وتركيا، ولا حتى مساعي واشنطن وحلفائها الأوروبيين، يمكنه فعل أي شيء لإجبار المجلسين على القبول بأي مبادرة تقرب المسافة بينهما".
وأضاف: "عنوان مرحلة الخلافات الحالية ليست حفتر والقوانين التي تجيز له دخول الانتخابات، بل الصراع بين الدبيبة وحلفائه في الخارج والداخل وعقيلة صالح وحلفائه أيضا في الداخل والخارج، فهما الطرفان الأساسيان، والموضوع هو الأزمة الحكومية التي باتت اليوم العقبة الأساسية للمضي نحو الانتخابات".