تشهد كواليس دائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي محاولات جديدة من شخصيات سياسية ونقابية، قريبة الصلة من قيادات مختلفة في النظام الحاكم، خصوصاً من مدير الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، لإقناع السيسي والأجهزة صاحبة الكلمة العليا في إدارة المشهد السياسي، باتخاذ خطوات جدية لإحداث انفراجة في ملف المعتقلين والمحبوسين احتياطياً، وإعادة تفعيل اللجنة التي كانت قد شكلت قبل أربع سنوات، لبحث حالات المحكوم عليهم واستصدار قرارات جمهورية بالعفو عنهم. وتأتي هذه المحاولات في إطار ما وصفته مصادر حكومية وأمنية، لـ"العربي الجديد"، بالرغبة في "توحيد الشارع خلف القيادة السياسية، ليكون مستعداً في أي وقت، لأي قرارات مصيرية قد تتخذ في قضية سد النهضة، بما في ذلك خيار الحلّ العسكري ضد إثيوبيا".
تهدف المحاولات لتحضير الشارع في أي وقت، لأي قرارات مصيرية قد تتخذ في قضية سد النهضة
هذه المساعي تتسق مع عدد من المبادرات الحقوقية والأهلية التي انطلقت خلال الأيام الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للإفراج عن معتقلين ومحكومين بعينهم. ويأتي على رأس هؤلاء المعتقلين والمحكومين عدد من الصحافيين الذين رفضت الأجهزة الأمنية إطلاق سراحهم، على الرغم من المساعي المكثفة التي بذلها نقيب الصحافيين ضياء رشوان في شهر مارس/آذار الماضي قبل انتخابات النقابة. كما تشمل المطالب إطلاق سراح عدد من الطلاب والشباب الذين حُكم عليهم بالسجن لمدد طويلة على خلفية أحداث عامي 2013 و2014 في أعقاب انقلاب الثالث من يوليو/تموز، وقضوا نصف مدد العقوبة أو أكثر، ولا يزالون بعيدين عن قوائم العفو المقترحة.
وأضافت المصادر أن بعض قيادات الأمن الوطني اقترحت إصدار قرار عفو عن بعض المحكومين الذين قضوا نصف المدة في قضايا التظاهر والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، بدون المدانين بارتكاب جرائم عنف، وإصدار القرار بمناسبة ذكرى تحرير سيناء التي تحين بعد أسبوعين. إلا أن خلافات داخلية عطلت هذا المقترح، إذ اعتبرت قيادات أخرى أن إصدار مثل هذا القرار في ظلّ الاتصالات الدبلوماسية والأمنية الجارية حالياً مع تركيا لتحسين العلاقات الثنائية، قد يُفهم "داخلياً" بصورة خاطئة، باعتبارها رسالة إيجابية لجماعة "الإخوان" في الداخل تحت ضغوط أو مناشدات تركية، مشددة على أن "هذا الأمر غير وارد إطلاقاً في المدى المنظور".
وأوضحت المصادر أن التوصيات الصادرة عن المؤتمر الذي عقده المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، التابع للاستخبارات العامة، يوم الخميس الماضي، والتي تضمنت مدّ جسور التفاهم مع المجتمع المدني الداخلي والخارجي وإعادة العمل بقرارات العفو الرئاسي عن المحكومين وغيرها من الأمور الإيجابية، صدرت بناء على بعض مقترحات الشخصيات السياسية والنقابية التي تنخرط في المحاولات الحالية، وبعض الإعلاميين الذين يؤدون دور قنوات الاتصال بين دائرة عباس كامل ودول أجنبية. لكن هذه الخطوة، بحسب المصادر، تقف في الوقت ذاته، حتى الآن، عند كونها توصيات، فلم يتم التفكير بعد في طريقة لتنفيذها، أو لإحداث تغيير حقيقي في مقاربة النظام لتلك الملفات.
وذكرت المصادر أن من أحد أسباب تردد النظام إزاء تلك المقترحات، الخلافات القائمة بين الأجهزة المختلفة على الحظوة لدى السيسي والتنافس على إحداث أكبر تأثير ممكن في قراراته النهائية، لا سيما وأن مستشاريه الشخصيين القريبين من هذا الملف، وهما أحمد جمال الدين وفايزة أبو النجا، لهما آراء متشددة تجاه المعارضة بصفة عامة.
اعتبرت قيادات أن إصدار عفو قد يُفهم داخلياً باعتباره رسالة إيجابية لجماعة "الإخوان"
وسبق أن أفادت مصادر أمنية منذ شهر، لـ"العربي الجديد"، بأن هناك خلافاً آخر بين الاستخبارات العامة والأمن الوطني، حول سرعة ومدى الاستجابة للضغوط الأجنبية بإخلاء سبيل بعض المتهمين بعينهم، وبصفة خاصة معتقلي قضية "خلية الأمل" التي تضم نشطاء يساريين وناصريين كانوا يبحثون المشاركة في انتخابات مجلس النواب السابقة في قائمة معارضة. ولا تزال تسود مطالبات داخل الجهازين بإرجاء اتخاذ مثل تلك الخطوات والاحتفاظ بالمعتقلين كـ"أوراق" يمكن التنازل عنها مستقبلاً عند نشوب خلاف "كبير" مع الإدارة الأميركية الجديدة، أو إحدى العواصم الأوروبية الرئيسية. وتكمن المشكلة الأبرز في نظر المصادر الأمنية حول قضية "خلية الأمل"، في عدم موافقة الجهازين على خروج معظم المعتقلين على ذمتها من جانب، واتهامهم في قضايا أخرى أيضاً من جانب آخر.
وتضم هذه القضية رامي شعث، الناشط ضد الصهيونية والمتزوج من مواطنة فرنسية ونجل السياسي الفلسطيني نبيل شعث. وعلى الرغم من الإلحاح الفرنسي المتكرر خلال عام تقريباً، فقد حرص السيسي ووزير الخارجية المصري سامح شكري على عدم إعطاء أي تعهدات بقرب إطلاق سراحه.
وتحكم اعتبارات عدة وضع رامي شعث، منها صعوبة الإفراج عنه وحده دون باقي معتقلي قضية الأمل الذين كانوا يخططون للمشاركة في انتخابات مجلس النواب الأخيرة. كما أن نشاط شعث في مناهضة الصهيونية والتطبيع يمثل عامل إزعاج للأجهزة المصرية، وفي إطار التقارب السياسي الحالي بين السيسي والحكومة الإسرائيلية فربما سيكون الإفراج عنه رسالة سلبية غير مناسبة. كما أن هناك تحفظات من الأمن الوطني تحديداً على خروج جميع المتهمين في هذه القضية، نظراً للضجة التي أثيرت حولها عند اصطناعها، علماً بأن جميع المتهمين بها مدرجون على قائمة الإرهابيين، أي ممنوع سفرهم وتصرفهم في أموالهم.