مصر في القرن الأفريقي… استراتيجية جديدة عبر بوابة قوات حفظ السلام

26 ديسمبر 2024
بدر عبد العاطي بمقر الخارجية في القاهرة، 10 سبتمبر 2024 (سيّد حسن/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلنت مصر مشاركتها في القوة الأفريقية المشتركة لحفظ السلام في الصومال، لتعزيز حضورها في القرن الأفريقي وسط توترات مع إثيوبيا بشأن سد النهضة.
- تسعى مصر من خلال بعثة "أوسوم" إلى توسيع نفوذها الإقليمي، دعم استقرار القارة، ومكافحة الإرهاب، مما يعزز دورها القيادي في الاتحاد الأفريقي.
- المشاركة المصرية تأتي تحت إشراف الاتحاد الأفريقي، مما يصعب على إثيوبيا الاعتراض، وتعتبر ضرورية لاستقرار الصومال بعد انتهاء مهمة "أتميس".

جاء الإعلان المصري، يوم الاثنين الماضي، عن المشاركة في القوة الأفريقية المشتركة لحفظ السلام في الصومال، في توقيت حسّاس للغاية، إذ تتصاعد التوترات الإقليمية على خلفية النزاع مع إثيوبيا حول سد النهضة ومياه النيل. هذا النزاع، الذي يمثل تهديداً وجودياً لمصالح مصر المائية، دفع القاهرة إلى تعزيز حضورها في منطقة القرن الأفريقي التي تعد مركزاً استراتيجياً لصراعات النفوذ الإقليمي والدولي. إضافة إلى ذلك، فإن انتهاء عمل البعثة الأفريقية الحالية في الصومال، التي يتشكل معظمها من قوات إثيوبية، نهاية العام الحالي، يثير تساؤلات حول مدى تقبّل أديس أبابا لاستبدال قواتها بقوات مصرية، وقد يشكل هذا التحول، نقطة توتر جديدة في العلاقات المصرية الإثيوبية، خصوصاً إذا اعتبرت إثيوبيا أن وجود القوات المصرية في الصومال يعزّز نفوذ القاهرة العسكري في منطقة القرن الأفريقي.

تحلّ بعثة الاستقرار والدعم التابعة للاتحاد الأفريقي، "أوسوم"، محل مهمة مكافحة الإرهاب، المعروفة  بـ"أتميس"

وأعلنت مصر، الاثنين الماضي، أنها ستُرسل قوات للمشاركة في بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال مؤتمر صحافي في القاهرة مع نظيره الصومالي أحمد معلم فقي، إن مصر "قرّرت المشاركة في البعثة التابعة للاتحاد الأفريقي التي سيتم نشرها في الصومال، بناء على طلب الحكومة الصومالية، وبناء أيضاً على ترحيب من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي".

وستحلّ بعثة الاستقرار والدعم التابعة للاتحاد الأفريقي، المعروفة باسم "أوسوم"، محل مهمة مكافحة الإرهاب، المعروفة باسم "أتميس"، التي تنتهي أواخر العام الحالي. وتضم "أتميس" نحو ثلاثة آلاف جندي إثيوبي. ولم يحدّد وزير الخارجية المصري عدد أفراد القوة المصرية في البعثة.

رسائل متعددة في القرن الأفريقي

وبمشاركتها في هذه القوة، توجه مصر رسائل متعددة إلى الأطراف الإقليمية. لإثيوبيا، تشير الخطوة إلى أن القاهرة قادرة على توسيع نفوذها في المنطقة ومواجهة التحديات الاستراتيجية عبر بناء شراكات إقليمية قوية. وللدول الأفريقية، تؤكد مصر التزامها بدعم استقرار القارة ومكافحة الإرهاب، وهو ما يعزّز دورها القيادي في الاتحاد الأفريقي.

كما تعكس الخطوة استراتيجية مصرية شاملة لتعزيز حضورها الإقليمي والدولي، ومواجهة التحديات التي تفرضها التحولات الجيوسياسية في القرن الأفريقي. وتمثل هذه الخطوة ورقة مهمة في يد القاهرة لتعزيز موقفها في النزاعات الكبرى بالمنطقة، خاصة فيما يتعلق بمياه النيل.

وبحسب خبراء ودبلوماسيين سابقين، فإن المشاركة المصرية في القوة الأفريقية المشتركة قد تعزز صورتها كشريك أساسي في الجهود الدولية لتحقيق الأمن والاستقرار في أفريقيا. ويتيح هذا لمصر فرصة الحصول على دعم مالي وعسكري من الدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة، التي تعتبر مكافحة الإرهاب أولوية استراتيجية. كما أن هذا الحضور يُمكن مصر من الوقوف كندٍ قوي أمام تركيا، التي تمتلك قاعدة عسكرية في الصومال وتتمتع بنفوذ اقتصادي كبير هناك، كما يقوّي موقفها في مواجهة إثيوبيا التي تمتلك بالفعل قوات عسكرية في الصومال.

وحول الجهة المسؤولة عن تحديد حجم وجنسية القوات المشاركة في بعثة حفظ السلام، شرح خبير حفظ السلام الدولي السابق في البلقان، وأستاذ القانون الدولي العام، أيمن سلامة، لـ"العربي الجديد"، أن الاتحاد الأفريقي هو المسؤول عن اختيار الدول المشاركة والتنسيق مع الدول المساهمة في القوات، فضلاً عن التنسيق مع الدولة المستقبلة وهي الصومال. وأوضح سلامة أن مجلس السلم والأمن الأفريقي قد يحدّد طبيعة القوات وقوات الدعم وقواعد الاشتباك.

الخضر هارون: يصعب على إثيوبيا أن تتخذ من الوجود المصري في القوة ذريعة للاعتراض

وأضاف سلامة أن الاتحاد الأفريقي له خبرة واسعة في عمليات حفظ وصنع السلام، حيث أطلق بعثات عديدة في جزر القمر ودارفور والصومال، مشدّداً في الوقت ذاته على أن انتشار القوات في الصومال لن يتم إلا بعد توقيع مذكرة المركز القانوني للقوة بين الدول المضيفة وممثل الاتحاد الأفريقي.

وذكّر سلامة، في السياق، بأن مصر كانت أول دولة عربية تشارك في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، حيث بدأت مشاركتها في عام 1960. ورغم انسحابها بين عامي 1961 و1991 بسبب الحروب التي خاضتها، عادت مصر للمشاركة بقوة في التسعينيات، بما في ذلك عمليات حفظ السلام في يوغوسلافيا السابقة. وأكد أستاذ القانون الدولي العام أن مصر اكتسبت خبرة باهرة في حفظ السلام، وفق تعبيره، رغم تعرّضها لتحديات مثل الخسائر البشرية خلال مشاركتها الأخيرة في بعثة مالي. وفي هذا الصدد، رأى أن هذه التجربة السلبية دفعت مصر إلى إعادة تقييم دورها في عمليات حفظ السلام الدولية.

مخاوف إثيوبيا

وفي ما يتعلق بمخاوف إثيوبيا من وجود قوات مصرية في الصومال، اعتبر السفير السوداني السابق لدى الولايات المتحدة، الخضر هارون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "طالما أن ذلك يأتي ضمن وحدة لحفظ السلام الأفريقية وضمن قوات من دول أخرى مرسلة من الاتحاد الأفريقي وتحت إشرافه، يجب ألا يشكل ذلك مشكلة لإثيوبيا، ويصعب عليها أن تتخذه ذريعة للاعتراض".

بدوره، رأى الكاتب والمحلل السوداني محمد خليفة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذا قرار لا يتطلب تنفيذه قبول أي دولة، حتى لو كانت إثيوبيا، لأن قرار المشاركة في البعثة التابعة للاتحاد الأفريقي التي سيتم نشرها في الصومال هو قرار يمكن لأي دولة عضو في الاتحاد الأفريقي أن تشارك فيه". ولفت خليفة إلى أن "القرار وجد ترحيباً من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي. كما أن مهام البعثة، وهي بعثة الاستقرار والدعم التابعة للاتحاد والمعروفة باسم (أوسوم)، متفق عليها في منطقة القرن الأفريقي ولا تشكل أي خطر على أي دولة مجاورة للصومال". وختم بأن "هذه البعثة ستحل محل مهمة مكافحة الإرهاب، المعروفة باسم (أتميس)، التي تنتهي هذا العام، ما يجعل وجودها أمراً ضرورياً للحفاظ على الأمن والاستقرار في الصومال".

 
 

المساهمون