أثار بروتوكول التعاون الذي وُقِّع بين صندوق "تحيا مصر"، ومؤسسة "بيت الزكاة والصدقات المصري"، جدلاً واسعاً، وسط مخاوف بشأن مصير الأموال التي يحويها بيت الزكاة في حال سيطرة الصندوق وأجهزة الدولة عليها، بعدما كان هناك ارتياح كبير بين المواطنين والمتعاملين مع المؤسسة، لكونها خاضعة لشيخ الأزهر أحمد الطيب.
السيطرة على "بيت الزكاة والصدقات"
وفي مطلع العام الحالي، أُعلن تأسيس ما يُسمى "التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي"، الذي ضم كل المؤسسات الخيرية الكبرى، ومن بينها "بيت الزكاة والصدقات" التابع لمشيخة الأزهر.
وبحسب مصدر قريب الصلة بمجلس أمناء "بيت الزكاة والصدقات"، فإن "خطة السيطرة على البيت بدأت بتعيين وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي السابقة سحر نصر في منصب المدير التنفيذي للمؤسسة، بقرار من الطيب، نتيجة ضغوط من جهات سيادية في الدولة".
خطة السيطرة على البيت بدأت بتعيين سحر نصر في منصب المدير التنفيذي للمؤسسة
وبحسب مسؤولين سابقين في الحكومة، فإن نصر من المقربين من الرئاسة وجهاز المخابرات. وقال المصدر قريب الصلة بمجلس أمناء "بيت الزكاة"، إن "نصر تحكّمت في إدارة المؤسسة، وسبّبت إنهاء عمل عدد كبير من المسؤولين والمستشارين الكبار بها، في بداية توليها المنصب، ومنهم مستشار شيخ الأزهر للشؤون الطبية طارق سلمان الذي قدم استقالته احتجاجاً على أسلوب إدارتها للبيت، لكن شيخ الأزهر أصدر قراراً بتعيينه بعد ذلك أميناً عاماً مساعداً لبيت الزكاة للشؤون الطبية والعلاجية".
وأكد المصدر أنه "على الرغم من تحكّم نصر في إدارة بيت الزكاة والصدقات، إلا أنه حتى الآن، لا تُصرَف أي أموال من أموال الزكاة إلا بتوقيع شيخ الأزهر شخصياً على الشيكات".
ووفقاً لبيان رسمي، فقد وقّع صندوق "تحيا مصر" الثلاثاء الماضي، بروتوكول تعاون مع مؤسسة "بيت الزكاة والصدقات"، لتنفيذ عدد من مشروعات التنمية المستدامة وبرامج الحماية الاجتماعية.
ويأتي البروتوكول بعدما أقرّ البرلمان في يونيو/حزيران من العام الماضي، قانون الوقف الخيري، الذي أخضع أموال الأوقاف الخيرية لسيطرة الحكومة، وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في حينه.
وبحسب مصدر في مشيخة الأزهر، فإن الخطوة الأخيرة "لم تكن بترحيب من جانب هيئة كبار العلماء التابعة للمشيخة"، لافتاً إلى أن شيخ الأزهر "كان قد كلف إدارات متخصصة إعداد دراسة جدوى بشأن المقترح الذي قُدِّم من إحدى الجهات بالدولة، لتوقيع مثل ذلك البروتوكول".
وقال المصدر، لـ"العربي الجديد"، إن الخطوة "جاءت بعد سلسلة من القرارات والضغوط التي مورست على المشيخة من أجل إخضاع أموالها لسيطرة صندوق تحيا مصر، وإدخالها ضمن منظومة الأموال التي تديرها الحكومة أو مؤسسة الرئاسة مباشرةً".
ضغوط على مشيخة الأزهر
وبموجب بروتوكول التعاون بين الصندوق وبيت الزكاة والصدقات، سيُساهَم في مشروعات تطوير القرى الأكثر احتياجاً، وتُدشَّن مجمعات تقديم الخدمات الحكومية والشبابية، فضلاً عن تنفيذ أنشطة مبادرات "بالهنا والشفا" لتوفير الدعم الغذائي للمستحقين، ومبادرة "دكان الفرحة" لتجهيز الفتيات المقبلات على الزواج.
وضرب المصدر أمثلة للضغوط التي تعرضت لها المشيخة خلال الفترة الماضية، والتي كان من بينها خطوة تكليف نصر تولي منصب المدير التنفيذي لمؤسسة بيت الزكاة.
وقال: "إن إحدى الجهات كانت قد أبلغت شيخ الأزهر بضرورة توليها ذلك المنصب بعد خروجها من الحكومة، نظراً لتمتعها بثقة جهات الدولة ودوائر صناعة القرار"، مضيفاً: "وقتها لم يفضّل المسؤولون بالمشيخة، فتح جبهة هجوم جديدة على شيخ الأزهر حال رفض المقترح الذي جاء من جهات مهمة في الدولة".
ووفقاً للمصدر، "فإن حملة الهجوم التي كان يتعرض لها شيخ الأزهر في وقت سابق، والتي كان يقودها إعلاميون في قنوات وصحف مملوكة لأجهزة بالدولة، لم تكن بسبب مواقفه المرتبطة برفض بعض التوجهات الرسمية الخاصة بتمرير قوانين وقرارات تتعارض مع صحيح الدين، بالأساس، ولكن بسبب أمور أخرى مرتبطة بعمل قطاعات في المشيخة، إضافة إلى أمور مالية كان بينها بالتأكيد أموال مؤسسة بيت الزكاة والصدقات".
كان من بين الضغوط التي مورست على شيخ الأزهر، إبعاد المستشار القانوني له، محمد عبد السلام
وبحسب المصدر، "كان من بين الضغوط التي مورست على شيخ الأزهر خلال تلك الفترة، إبعاد المستشار القانوني له، محمد عبد السلام، بعد إنهاء انتدابه من مجلس الدولة على غير رغبة الشيخ أحمد الطيب، حيث كان يحظى بثقة كبيرة من جانب الشيخ"، بحد تعبير المصدر.
من جهته، ثمّن المدير التنفيذي لصندوق تحيا مصر، تامر عبد الفتاح، ما وصفها بـ"الشراكة الاستراتيجية" مع بيت الزكاة والصدقات، مؤكداً أن بروتوكول التعاون المبرم "سيضمن التوسع في تنفيذ مشروعات الصندوق الموجهة لرعاية الأسر المستحقة في المناطق الأكثر احتياجاً، بما ينعكس على تحسين جودة الحياة في هذه المناطق من خلال توفير أدوات مرنة لتنفيذ برامج الحماية الاجتماعية والتنمية العمرانية".
وقال نائب مصري، طلب عدم ذكر اسمه، إن "التوجّه الراهن للحكومة، هو مركزية التعامل مع كل أموال الوقف والتبرعات، سواء الإسلامية أو المسيحية، إلا أنه حتى الآن، تواجه الخطط الرامية من جانب أجهزة الدولة للسيطرة على التبرعات والأوقاف الكنسية، معارضة شديدة من جانب رأس الكنيسة".
وأوضح أنه "كلما اشتدت الأزمة المالية، وزادت أزمة السيولة النقدية بالنسبة إلى الدولة، تتجه الأنظار نحو الصناديق الخيرية والأهلية التي تملك أرصدة كبيرة، كما هو الحال مع أموال الأوقاف ومؤسسة بيت الزكاة المصري".