يشهد الملف الفلسطيني نشاطاً مكثفاً في الوقت الراهن من جانب المسؤولين في مصر، إذ تقود القاهرة حالياً وساطة بشأن صفقة الأسرى (بين فصائل قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي) المعطلة من جهة، ومن جهة أخرى تحاول احتواء المحاولات الجزائرية للعب دور أساسي في الملف الفلسطيني.
الزهّار يزور القاهرة: ردّ مصري على مبادرات الجزائر
وزار وفد من حركة "حماس" بقيادة عضو المكتب السياسي محمود الزهار، القاهرة، خلال الأيام الأخيرة الماضية، زيارة "غير مجدولة"، والتقى بقيادات جهاز المخابرات العامة، بحسب مصادر مصرية مطلعة على ملف الوساطة الذي تقوده القاهرة بين فصائل غزة وحكومة الاحتلال، تحدثت لـ"العربي الجديد".
نجحت الجزائر بجمع محمود عباس وإسماعيل هنية على أراضيها
وكان الزهار قد قال لقناة "الأقصى" مساء الأربعاء الماضي، إنه ناقش مع وفد من الحركة "المخابرات المصرية في كل القضايا المتعلقة بالإشكاليات التي يعيشها قطاع غزة". وأضاف الزهار أنه "تمّت مناقشة الوضع الاقتصادي والأمني وحركة السفر والعلاقات الثنائية". وأوضح أن الزيارة كانت مهمة وضرورية لتوضيح الكثير من الحقائق التي حاول الإعلام تشويهها. وتابع أن "اللقاءات كانت إيجابية وسنرى في المستقبل القريب متابعة للتخفيف عن المسافرين وتوثيق العلاقات التجارية بين الجانبين وحل إشكاليات عدة".
في المقابل، رجحت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن تكون زيارة الوفد الحمساوي نتيجة نجاح الجزائر، وتحديداً رئيسها عبد المجيد تبون، بجمع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية، على الأراضي الجزائرية، يوم الثلاثاء الماضي.
وأشارت المصادر إلى أن "هناك حالة من الانزعاج المصري بسبب تكثيف الجزائر جهودها لتحقيق اختراق في ملف المصالحة الداخلية الفلسطينية، بعد فشل جميع المحاولات المصرية في هذا الصدد". وأضافت أن "اللقاء بين عباس وهنية بحضور تبون، كان بمثابة إقرار بفشل جهود مصر في هذا الملف، خصوصاً بعدما عملت القاهرة على إتمام لقاء مماثل طوال الفترة الماضية".
وقالت المصادر إن "الموقف الصعب الذي وُضعت فيه القاهرة بهذا الملف، الذي يعد بمثابة المفتاح لنيل رضا الإدارة الأميركية، جعل الإدارة المصرية تتجاوز محاذير كانت قد حددتها سابقاً، منها القبول بالتفاوض والحديث مع شخصيات حمساوية مرفوضة من جانبها وعلى رأسها الزهار الذي قاد الوفد الأخير".
واستضافت الجزائر في يناير/كانون الثاني الماضي، وفود 6 فصائل فلسطينية، لبحث ملف المصالحة الفلسطينية، وشملت الفصائل: فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية - القيادة العامة، وهو الأمر الذي تسبب في توتر العلاقات بين القاهرة والجزائر وقت ذاك.
وعود التسهيلات لوفد "حماس"
وكشفت المصادر أن القاهرة "اضطرت إلى تقديم وعود بتسهيلات واسعة خلال اللقاء الذي جمع مسؤولين بجهاز المخابرات العامة مع وفد حماس، بشأن حركة المسافرين بين مصر وغزة، بالإضافة إلى تسهيلات متعلقة بدخول الوقود والمنتجات الغذائية وغيرها من المنتجات إلى القطاع". وأوضحت أن "الوعود المصرية للحركة بشأن التسهيلات، التي تأتي في محاولة للحفاظ على تأثير القاهرة على قادة حماس، شملت أيضاً تحريكاً واسعاً لعمليات إعادة الإعمار التي تشرف عليها القاهرة في قطاع غزة، والتي تسبّبت في أزمة أخيراً، بعدما خفضت مصر عدد الطواقم الهندسية".
ونهاية يونيو/حزيران الماضي، قالت شركة "هلا" للاستشارات والخدمات السياحية التي تعمل تحت إشراف جهاز المخابرات العامة المصري، إنه "وفي إطار توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مبادرةٍ لرفع الأعباء والمعاناة عن الفلسطينيين المسافرين خلال رحلتي السفر من معبر رفح ذهاباً وإياباً، سيتم البدء بنقل المسافرين الفلسطينيين عبر باصات مكيفة وبأسعار رمزية، عبر شركة هلا للاستشارات والخدمات السياحية".
الإدارة المصرية تجاوزت محاذيرها السابقة، ومنها القبول بالتفاوض مع شخصيات حمساوية مرفوضة من جانبها
وعلى صعيد صفقة تبادل الأسرى في أعقاب ما كشفت عنه "حماس" أخيراً بشأن تردي الوضع الصحي لأحد الأسرى لديها (هشام السيّد)، ومطالب الحكومة الإسرائيلية القاهرة بلعب دور لتخفيف حدة الأزمة، فإنه وفق المصادر "تم التباحث خلال زيارة وفد حماس الأخير للقاهرة، بشأن مجموعة من التصورات في هذا الصدد، والتي جاء من بينها: إتمام صفقة جزئية تضمن إطلاق سراح 600 أسير فلسطيني مرضى في السجون، مقابل إطلاق سراح الأسير المريض لدى حماس هشام السيد".
وفي إطار صفقات تبادل الأسرى بين "حماس" وإسرائيل، قال نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري، إن الحركة "جاهزة لإنجاز صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل في حال دفعت الأخيرة الثمن"، مضيفاً أن "أسرى الاحتلال في قطاع غزة لن يروا الحرية إلا بحرّية الأسرى في سجون الاحتلال، حيث تعتقل إسرائيل في سجونها نحو 4700 أسير فلسطيني، بينهم 600 أسير مريض، وفق بيانات شؤون الأسرى".
دبلوماسي مصري: تباين الرؤى بشأن ليبيا هو أساس تجدد الخلافات بين الجزائر ومصر عند حدوث أي مشكلة
وقالت المصادر، إن "من بين السيناريوهات التي تم طرحها أيضاً في إطار الوساطة المصرية: صفقة معلومات تتضمن الأسرى الفلسطينيين الذين يعانون من أوضاع صحية خطيرة في السجون الإسرائيلية، مقابل الكشف عن معلومات بشأن الوضع الخاص لكل من الضابط الإسرائيلي هدار غولدن، والجندي أرون شاؤول، اللذين تروج الدوائر الإسرائيلية أنهما مجرد جثتين، فيما تتمسك "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لـ"حماس"، بعدم نشر أي تفاصيل عن وضعهما سواء بتأكيد الرواية الإسرائيلية أو نفيها".
وحول علاقات حركة "حماس" الخارجية مع جيرانها من العرب، قال دبلوماسي مصري سابق، إنه "مع انخراط كثير من الدول العربية، وبينها مصر، في علاقات وطيدة مع المعسكر الأميركي - الإسرائيلي، أصبح لا مفر أمام المقاومة الفلسطينية من أن تبحث عن بديل ومتنفس تستطيع من خلاله تدعيم وجودها كقوة فعّالة مضادة للاحتلال الإسرائيلي". وأضاف: "لذلك نلاحظ توجه قادة الحركة أخيراً ناحية دول "الممانعة" مثل الجزائر، وأخيراً النظام في سورية، والذي كانت حركة حماس قد قطعت العلاقات معه لمدة استمرت منذ عام 2011".
في مقابل ذلك، رجّح دبلوماسي مصري أن تتصاعد الخلافات مجدداً بين مصر والجزائر، بسبب الخطوة الجزائرية، التي يقلّل من أهميتها في حسم الخلافات بين الفصائل الفلسطينية. واستدرك المصدر بقوله إنه "على الرغم من هذا، فإنها خطوة تُكسب الجزائر أرضية مهمة على المستوى العربي والدولي، وتجعلها مرشحة باستمرار لتكون بديلاً يمكن الوثوق به في الملف الفلسطيني على أكثر من صعيد".
وأضاف الدبلوماسي المصري أن من بين الأسباب التي تدعم التوتر الذي يشوب العلاقات المصرية – الجزائرية، التباين في تفاصيل موقف الدولتين، على وقع ما يشهده الملف الليبي، معتبراً أن تباين الرؤى المتكرر والمتجدد بين البلدين بشأن الأزمة الليبية، هو أساس تجدد الخلافات بين البلدين، عند حدوث أي مشكلة في ملفات أخرى.