مصر: الأوضاع المعيشية تهدد استقرار النظام

12 مارس 2022
ارتفاع أسعار جميع السلع كان أيضاً أحد تداعيات حرب أوكرانيا (فرانس برس)
+ الخط -

يواجه النظام المصري أزمة "قد تؤثر على استقراره وسيطرته على البلاد"، على حدّ وصف مصادر سياسية تحدثت إلى "العربي الجديد"، مؤكدة أن تقارير لجهات سيادية وصلت إلى مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، تفيد بتزايد منسوب الغضب الشعبي، بسبب الزيادات الكبيرة في أسعار السلع الأساسية.

وتحذر التقارير من أن أي ضغوط جديدة على المواطنين قد تؤدي إلى انفلات الشارع بشكل لا يعرف مداه على وجه الدقة. وقالت المصادر إن تلك الأجهزة أوصت ببعض الإجراءات لتخفيف الغضب الشعبي، من بينها توجيه وسائل الإعلام لمناقشة الوزراء، في محاولة لتحميلهم المسؤولية، وإعطاء انطباع لدى الجماهير أن هناك محاسبة.

مصر: إجراءات حكومية لتفادي الانفجار الشعبي

وقالت المصادر إنه على الرغم من أن الأزمة تبدو في ظاهرها مالية واقتصادية عنيفة، إلا أن جوهرها يكشف عن أزمة سياسية تواجه النظام بأكمله، نتيجة السياسات التي يتّبعها منذ فترة طويلة، وأدت إلى زيادة هائلة في فاتورة خدمة الديون، بخلاف الأزمة الاقتصادية الكبرى التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية أخيراً، وما نتج عنها من زيادة هائلة في أسعار الطاقة.

لم تكن زيارات السيسي لدول خليجية بالمستوى المأمول

ودفع ذلك صنّاع القرار في مصر لاتخاذ إجراءات من شأنها الحفاظ على أسعار السلع عند مستوى لا يؤدي إلى انفجار شعبي، بخلاف تحركات أخرى يقوم بها النظام المصري لدى عدد من دول الخليج، وبعض المؤسسات الدولية المانحة، بهدف الحصول على قروض جديدة أمام وضع يصفه مسؤولون مصريون ببالغ الخطورة.

السيسي ينشد الدعم المالي من دول الخليج

وفي هذا الصدد، قالت مصادر مصرية خاصة إن زيارات السيسي إلى الخليج في الوقت الراهن والتي بدأت بالإمارات، وتبعها بالكويت، وأخيراً السعودية، في وقت من المقرر فيه أن يزور سلطنة عمان قبل نهاية شهر مارس/آذار الحالي، تهدف إلى الحصول على دعم مالي عاجل نظراً للأزمة المالية.

وبحسب المصادر، فإن الزيارات لم تكن على المستوى المأمول، خصوصاً في ظل توقف الدول الخليجية عن تقديم مساعدات مالية واقتصادية غير قابلة للرد.

وأكدت المصادر أن المسؤولين الخليجيين الذين التقاهم السيسي أخيراً، أكدوا أن أقصى ما يمكن أن يقدموه هي ودائع وقروض، لافتة إلى أن الإمارات أبدت صعوبة في تقديم ودائع جديدة للبنك المركزي، عارضة تقديم قروض عبر تحالف مصارف إماراتية، في مقابل دولة الكويت التي دفعت بوديعة دخلت خزينة البنك المركزي بقيمة 2.5 مليار دولار، بعدما طلب السيسي خلال الزيارة الأخيرة وديعة بقيمة أكبر.

وحظرت الحكومة المصرية، الخميس الماضي، تصدير بعض أنواع المحاصيل الزراعية للخارج لمدة ثلاثة أشهر؛ وذلك لتفادي تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الأسواق المحلية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية الملحوظ خلال الأيام الماضية.

وتضمّن القرار الصادر عن وزيرة التجارة والصناعة، نيفين جامع، حظر تصدير الفول الحب والعدس والقمح والدقيق بجميع أنواعه والمعكرونة لمدة ثلاثة أشهر.

وكشفت المصادر أن ما توصل إليه السيسي خلال زيارته الأخيرة للسعودية ولقائه بالملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد محمد بن سلمان، يتمثل في حصول مصر على الاحتياجات العاجلة للسوق المصري من المشتقات البترولية بأسعار أقل بدرجة ما من الأسعار العالمية، مع امتياز خاص بالدفع الآجل وليس الفوري.

وأوضحت المصادر أن حجم الدعم المقدم للنظام المصري من دول الخليج بلغ نحو 5.5 مليارات دولار، غالبيتها في صورة ودائع وقروض، كاشفة في الوقت ذاته عن مفاوضات مع إحدى دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن للحصول على وديعة بالدولار بقيمة 2.5 مليار دولار.

ولجأت الحكومة المصرية إلى تمديد الودائع التي لديها من السعودية، والإمارات، والكويت، والبالغة نحو 18 مليار دولار، قبل نهاية العام الماضي، وهو ما أخرجها من مأزق التخلف عن السداد، ودعم الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي.

تنخرط القاهرة في الوقت الراهن في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض جديد

وتبلغ حصة السعودية من إجمالي الودائع الخليجية قبل الوديعة الأخيرة، 5.5 مليارات دولار، وذلك قبل وديعة أعلنت عنها المملكة نهاية العام الماضي إلى مصر بقيمة 3 مليارات دولار، لترتفع إجمالي ودائع الرياض لدى البنك المركزي المصري إلى 8.5 مليارات دولار، والإمارات 5.67 مليارات دولار، والكويت 4 مليارات دولار، وذلك قبل الدفع بالوديعة الأخيرة والتي لم يعلن عنها بشكل رسمي حتى الآن.

في مقابل ذلك، كشف مصدر خاص عن انخراط القاهرة في الوقت الراهن في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض جديد. وأوضح المصدر أن المفاوضات تدور بشأن قرض تصل قيمته إلى نحو 6 مليارات دولار، مشيراً إلى أن ما يعطل سير المفاوضات هي الشروط الجديدة للصندوق، والتي تقدر دوائر مصرية خطورتها على الشارع المصري نظراً لتراجع المؤشرات الاقتصادية كافة.

وأعلن صندوق النقد في أغسطس/آب 2016، توصله إلى اتفاق مبدئي مع الحكومة المصرية بشأن إقراضها 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات في إطار خطة لتحسين أسواق العملة وتقليص عجز الموازنة وخفض الدين الحكومي.

وتضمّن برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري إجراءات قاسية، أبرزها تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار (التعويم)، وكذلك زيادات كبيرة في أسعار الوقود والكهرباء والمياه والخدمات.

وأشعل ارتفاع أسعار النفط أخيراً نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، موجة تضخمية كبيرة في أسعار كل السلع والخدمات، باعتبار أن الطاقة مكون أساسي في كل السلع الصناعية والزراعية والخدمات. وتلك الموجة يمكن أن تكتسح حكومات وأنظمة في طريقها لو فشلت في مواجهة الأزمة، أو لو اتخذت إجراءات قاهرة للفقراء والطبقة الوسطى بصورة يصعب قبولها أو احتمالها، ما قد يهز استقرارها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية
المساهمون