تسيطر حالة ارتباك واسعة على دواوين الوزارات المصرية، بعد القرار المفاجئ الذي أصدره رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، بسرعة انتقال الوزارات للعمل من العاصمة الإدارية الجديدة ابتداء من ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وذلك بدون استيفاء التجهيزات اللوجيستية والفنية لهذا الانتقال، وبدون التعرف إلى الاحتياجات الفعلية والبشرية للعمل خلال تلك المرحلة، خصوصاً بالنسبة للوزارات التي تضم مكاتب وزرائها وإداراتها المركزية المختلفة أعداداً كبيرة من الموظفين.
وما يزيد حالة الارتباك انتشار شائعات عن قرب إجراء تعديل وزاري خلال الشهر الحالي، الأمر الذي قد لا يبدو منطقياً في ظل رغبة السيسي في الانتقال السريع للعاصمة الإدارية الجديدة. لكن على الأرض، ومع انتشار الشائعات، توجد مؤشرات أخرى لقرب إجراء هذا التعديل، مثل الوجود المكثف لعناصر الرقابة الإدارية وتحركاتهم غير المعتادة في دواوين الوزارات الخدمية، وبصفة خاصة الصحة والتعليم والتموين، على خلفية قضية الفساد التي اكتشفت حديثاً في مكتب وزيرة الصحة هالة زايد، وأدت إلى إبعادها - المؤقت حتى الآن - عن منصبها وإسناد الوزارة إلى وزير التعليم العالي خالد عبد الغفار.
يحاول خالد عبد الغفار إدارة وزارتي التعليم العالي والصحة لينال ثقة السيسي ويتصدى لمحاولات إبعاده
مصادر حكومية قالت، لـ"العربي الجديد"، إن اختيار عبد الغفار منذ أسبوع تقريباً لهذه المهمة يعتبر دليلاً آخر على حالة الارتباك القائمة، لأنه كان مرشحاً بقوة للاستبعاد من منصبه في التعديل الوزاري حال إجرائه، بسبب غضب بعض الدوائر الأمنية والرقابية منه، وشن حملة واسعة ضده في البرلمان وبعض الصحف الموالية للدولة، بسبب تعاقده مع رجل الأعمال محمد السويدي على إقامة عشر جامعات تكنولوجية جديدة، وسعيه لتعميم هذه التجربة مع مجتمع رجال الأعمال لإقامة شراكة دائمة مع الدولة في مجال التعليم العالي، وزيادة أعداد الخريجين من تلك الجامعات التكنولوجية، للعمل مباشرة في مصانع وشركات رجال الأعمال هؤلاء.
وأضافت المصادر أن عبد الغفار يحاول بكل جهده الإجادة في إدارة ملفات الوزارتين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لينال ثقة السيسي ويتصدى لمحاولات إبعاده، والدفع بشخصية أكاديمية جديدة أكثر قرباً من الأجهزة الأمنية، نظراً لرغبة بعض الأجهزة في الدخول بقوة أكبر في مجال الاستثمار التعليمي، وهو ما لا يرفضه عبد الغفار بالمرة. وذكرت المصادر أن تلويح الأجهزة السيادية والأمنية، وضباط الاتصال والنواب المحسوبين على السلطة بالتعديل الوزاري بشكل دائم أصبح من الأدوات المعتادة لفرض السيطرة على الوزراء وإملاء اتجاهات بعينها عليهم، لخدمة مصالح الأجهزة وشخصيات نافذة بها.
وتؤدي التحركات غير المعتادة للرقابة الإدارية حالياً، من خلال عناصرها المكلفة بإدارة شؤون الوزارات، وعناصر أخرى تم الدفع بها أخيراً، بعد أزمة وزارة الصحة، إلى فوضى في بعض الوزارات، إذ أثارت التحقيقات الصورية التي تم إجراؤها بشكل متسرع، خلال الأسبوعين الماضيين، على التعاقدات الحكومية الأخيرة، شبهات فساد عديدة داخل وزارات الزراعة والتموين وغيرها، ما يبقي أيضاً الوزراء تحت الضغط، في ظل تواتر أنباء عن تحديد يوم 18 الشهر الحالي لإجراء تعديل وزاري موسع.
وفي خضم حالة عدم الارتياح السائدة بين الوزراء، كشفت المصادر عن بدء إجراء اجتماعات بين ممثلي الهيئة الهندسية للجيش والوزراء ومسؤولي مكاتبهم من الأمس وتستمر حتى نهاية الأسبوع المقبل، لتحديد احتياجات الوزارات للعمل من العاصمة الإدارية، ما أثار اضطراباً واسعاً أيضاً، بسبب عدم إلمام معظم الوزراء والمسؤولين المركزيين في الدواوين بطبيعة الأماكن المطلوب منهم الانتقال إليها حتى الآن. فثمة وزارات قليلة فقط هي التي تولت تنسيق المباني الخاصة بها في العاصمة الإدارية، كالخارجية والعدل، أما باقي الوزارات ذات الطابع الخدمي، والتي تمتلك العدد الأكبر من الموظفين، فليس من المعروف حتى الآن ما إذا كانت المباني المخصصة لهم سوف تستوعب العدد المطلوب من الموظفين من عدمه، فضلاً عن ضيق الوقت أمام تجربة شبكات الاتصال المؤمّنة ومتطلبات العمل اليومي والتجهيزات اللوجيستية اللازمة لذلك.
وأوضحت المصادر أن بعض الجهات التي كان مطلوباً منها الانتقال إلى العاصمة الإدارية قريباً (غير الوزارات) سجلت العديد من الملاحظات السلبية على المنشآت المخصصة لها، بعد تجهيزها من قبل الهيئة الهندسية للجيش، بسبب عدم استشارتها في المتطلبات اللازمة، من حيث عدد الإدارات والعاملين والاحتياجات العينية، الأمر الذي أدى إلى إرجاء الانتقال إلى العام المقبل، لحين تعديل المنشآت وإعادة تجهيزها.
تؤكد المؤشرات صعوبة انتقال جميع مساعدي الوزراء في المرحلة الأولى إلى العاصمة الإدارية
وسبق أن تم تسجيل ملاحظات فنية ومعمارية عديدة على المنشآت الثلاث الرئيسية: الرئاسة ومجلس الوزراء والبرلمان، ومطالبة الإدارات الحكومية بتعديلها كلياً أو جزئياً، لضرورات تبينت أهميتها وحساسيتها، ما أدى لصدور تعليمات جديدة للمقاولين بإعادة بعض الأعمال، وهو ما أثار حنق بعض كبار المقاولين العاملين مع الجيش، والذين يديرون بدورهم شركات مقاولات من الباطن، وأرجعوا ذلك إلى ضعف التنسيق والمتابعة في المراحل التحضيرية، والتسرع الذي كان بادياً في أداء المشرفين الفنيين ومكاتب التصميمات. ولحل المشاكل التي ظهرت كان على الجهات المالكة الانتظار حتى نهاية العام الحالي.
وهذا الأمر يبدو قابلاً للتكرار في حالة الوزارات خلال الفترة التجريبية التي أمر السيسي بأن تستمر لستة أشهر. ولكن سيكون الثمن المحتمل لذلك تعطيل مصالح المواطنين وتأخر الإنجاز في العديد من الملفات، وعرقلة إصدار القرارات المهمة، فضلاً عن ضعف التواصل بين الوزراء، الذين سيكونون موجودين بالأمر في العاصمة الإدارية، ومساعديهم الذين تؤكد المؤشرات صعوبة انتقالهم جميعاً إلى هناك خلال المرحلة الأولى. وذكرت المصادر أن تعامل المواطنين مع دواوين الوزارات خلال هذه الفترة سيستمر من القاهرة، لصعوبة انتقال جميع الموظفين، وكذلك عدم السماح للمواطنين حتى الآن بدخول العاصمة الجديدة، وهو ما سيحتم عملياً عدم انتقال جميع العاملين بالدواوين، ما سيبقي حالة الارتباك قائمة إلى أجل غير مسمى.
وتعتمد الدولة حتى الآن على قائمة محدودة بشركات وسيطة متخصصة في تنفيذ أعمال المقاولات من الباطن، يدير معظمها ضباط سابقون بالجيش المصري أو أقارب للضباط الحاليين. واشترطت على مقاولي الباطن، الذين تتعامل معهم في مختلف المشاريع، الاشتراك أو المساهمة مع الشركات المحددة في تلك القائمة، بهدف السيطرة على جميع أعمال مقاولات الباطن في مختلف المشاريع، بما في ذلك التي تتولى إدارتها وتنفيذها شركات حكومية.