يواجه رجل الأعمال المصري محمد الأمين، مؤسس شبكة قنوات "سي بي سي"، وهو أحد الذين دعموا النظام المصري في فترة سابقة، تهماً تصل عقوبتها إلى الإعدام في القانون المصري. وهذه التهم هي "الاتجار في البشر في التعامل مع أشخاص طبيعيين، وهن فتيات مجني عليهن من نزيلات دار أيتام مملوكة له في منطقة بني سويف، وذلك باستغلاله ضعفهن بقصد التعدي عليهن جنسياً، وتحريض أخرى على ارتكاب تلك الجريمة، وكذلك هتك عرضهن بالقوة والتهديد، حال كونه مِمّن له سلطة عليهن، وتعريضهن بذلك للخطر".
وبحسب مصادر تحدثت مع "العربي الجديد" فإنه "في أحد خلافات الأمين مع رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور، عام 2017، قام الأخير المعروف بعلاقاته بجهاز الأمن الوطني، بتسجيل فيديو يهدد فيه الأمين بفضح مسائل أخلاقية تتعلق بزواجه من قاصرات، وهو الفيديو الذي أعيد تداوله أخيراً بعد القبض على الأمين، ما يؤكد أن لدى الجهاز معلومات قديمة عن الأمين" قبل أن تقرر السلطات استخدامها أخيراً.
وجاءت اللحظة الحاسمة التي تمّ فيها القبض على الأمين، وبعدها قرار اتهامه، ثم قرار قاضي المعارضات في محكمة جنح التجمع الخامس، يوم الأحد الماضي، بتجديد حبسه 15 يوماً على ذمة التحقيقات بتهمة "الاتجار في البشر"، وسط حملة إعلامية موسّعة للهجوم عليه في الإعلام المملوك لـ"الشركة المتحدة" التابعة لجهاز الاستخبارات العامة.
رصدت اتصالات بين الأمين ومسؤولين إماراتيين أقلقت مسؤولين في أحد الأجهزة الاستخبارية المصرية
وقالت المصادر إن "الضربة التي تلقاها الأمين، تختلف عن تلك التي تلقاها رجل الأعمال حسن راتب، والذي اقتصرت الاتهامات الموجهة إليه على الاتجار بالآثار، أما الأول فقد قرّر النظام سحقه تماماً باتهامه بتهم تصل عقوبتها إلى الإعدام في القانون المصري.
وأضافت المصادر أنه "حتى إذا لم تستطع النيابة العامة إثبات التهم التي وجهتها إلى الأمين، وحتى لو حصل على حكم مخفف، فستظل وصمة التعدي جنسياً على فتيات يتيمات قاصرات تلاحقه مدى الحياة، ما يشير إلى أن الأمين قام بفعلة أغضبت النظام بشدة، غير مسألة المال، والتي طالما تسببت في إطاحة النظام برجال الأعمال ممن يرفضون التنازل عن ممتلكاتهم للأجهزة، كما حدث مع رجل الأعمال حسن راتب الذي رفض التنازل عن جامعة سيناء في العريش".
وأشارت المصادر إلى أن "محمد الأمين كان من ضمن فريق الناجين من رجال الأعمال، نظراً لتبرعه بنصف ثروته لصندوق تحيا مصر الذي يشرف عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شخصياً، وتنازله عن المؤسسة الإعلامية التي أسسها وتضم مجموعة قنوات سي بي سي وجريدة وموقع الوطن، وأسهمه في مجموعة قنوات النهار وصحيفة المصري اليوم، لجهاز الاستخبارات العامة".
كما لفتت المصادر إلى أن الأمين "كان من المقربين بشدة من السيسي ودائرته قبل وبعد انقلاب 2013، وبالتالي فإن مسألة المال مستبعدة كسبب من أسباب توجيه هذه الضربة العنيفة له".
وأوضحت المصادر أنه على الرغم من أن الأمين لا يزال يحتفظ بأصول عقارية مهمة بالشراكة مع منصور عامر في مجموعته "عامر غروب"، وهي الأصول التي يضع النظام عينه عليها، إلا أن دفع الأمين للتنازل أو بيع تلك الأصول للاستخبارات "لم يكن يستدعي ضربة بهذا القوة".
وأكدت المصادر أن "الأزمة لها أبعاد إقليمية، وتحديداً في الإمارات الذي يتمتع فيها الأمين بعلاقات طيبة كانت بعلم نظام السيسي في السابق، لكنها أخيراً أصبحت تشكل مصدر قلق له، وبالتالي جرى تشديد الرقابة على الجميع ومن بينهم الأمين، حتى تمّ رصد محادثات أغضبت الأجهزة المصرية".
وبحسب المصادر نفسها فإن توقيت القيض على الأمين جاء بعد رصد اتصالات بينه وبين مسؤولين إماراتيين، في وقت تشهد فيه العلاقات بين القاهرة وأبوظبي توترات بسبب تباينات في عدد من الملفات، منها الملف الليبي، وأزمة سد النهضة، والحرب في اليمن، وأخيراً العلاقات مع تركيا.
قنوات اتصال للإمارات في مصر
وأوضحت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "الإمارات لطالما حاولت فتح قنوات اتصال مع أطراف سياسية وإعلامية مصرية، خارج نطاق علاقاتها مع نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو الأمر الذي كان يزعج النظام المصري". مع العلم أن الأمين كان يعد من أبرز الداعمين لهذا النظام، بدءاً من التمهيد لتظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، ضد حكم الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وصولاً إلى الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز من العام ذاته.
ولفتت المصادر إلى أن "محاولات الإمارات هذه حدثت في ما قبل، عندما حاولت أبوظبي استخدام المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، وآخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، الفريق أحمد شفيق، والذي كان يعيش على أراضيها، من أجل التلويح به كبديل محتمل للرئيس السيسي".
وجهت إلى الأمين تهمة الاتجار بالبشر
وبحسب المصادر، فقد انتهى ذلك بـ"اتفاق بين نظام السيسي والنظام الإماراتي بقيادة ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، على أن يعود شفيق إلى القاهرة، ويتم إسقاط التهم الموجهة إليه، على ألا يتدخل في أي أمور سياسية، وأن يلتزم الصمت تماماً". ولفتت المصادر في هذا السياق إلى أنه "منذ وصول شفيق إلى القاهرة، وهو تحت أعين عناصر من الاستخبارات التي تتابعه خطوة بخطوة في أي مكان يذهب إليه".
وعن رجل الأعمال محمد الأمين، قالت المصادر إنه "كان دائم الزيارة إلى الإمارات، هو وأسرته، حيث كان يقيم لفترات طويلة في منزله هناك، حتى أنه كان يصطحب معه الخدم ومصفف الشعر الخاص به وبأسرته".
الأمن الوطني المصري يلاحق محمد الأمين
وبناء عليه، أشارت المصادر إلى أنه "كان من الطبيعي أن تراقب الأجهزة الاستخبارية اتصالات الأمين، لا سيما في ظل توتر العلاقة مع الإمارات"، مؤكدة أنه "تم رصد اتصالات بينه وبين مسؤولين إماراتيين، أقلقت المسؤولين في أحد الأجهزة الاستخبارية المصرية، وبالتالي قرّروا ضربه بقوة".
وأوضحت المصادر أنه "على الرغم من ذلك، فإن الجهاز الذي رصد اتصالات الأمين، وقرّر الإيقاع به، أوكل المهمة إلى جهاز آخر، وهو الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، والذي يتمتع بثقة الدائرة المقربة من السيسي، وعلى رأسها مدير الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل".
وقالت المصادر إن جهاز الأمن الوطني، "بعد الحصول على الضوء الأخضر، بدأ في تنفيذ العملية التي استغرقت نحو شهرين، تم خلالها استخدام أحد الأشخاص للإيقاع بالأمين"، مضيفة أن الأخير "مثله مثل أي شخصية عامة أو ذات تأثير، يقوم الأمن الوطني بإعداد ملف كامل عنها يحتوي على معلومات عن الشخص والكثير منها تكون معلومات صحيحة تدين ذلك الشخص، لكي يتم استخدامها في وقت الحاجة".
وأضافت المصادر أن الأمين "لم يكن الوحيد الذي تم رصد اتصالات بينه وبين مسؤولين إماراتيين"، مؤكدة أن توقيف المذيع توفيق عكاشة قبل أيام ومنعه من السفر إلى الخارج سببه أيضاً "رصد اتصالات بينه وبين مسؤولين إماراتيين، كانوا يعدونه لاستخدامه في إنشاء كيان إعلامي جديد خارج مصر، وهو بالطبع أمر لم يكن ليحظى بموافقة الأجهزة المصرية حالياً، وبالنظر إلى أن الاتفاق تم من دونها".
وكانت الإمارات منذ عام 2013، تمتلك العديد من المؤسسات الإعلامية في مصر، واستحوذت الاستخبارات العامة عليها بعد ذلك، بحيث لم يتبق للإمارات في مصر سوى قناة "الغد" التي يديرها القيادي الفلسطيني المفصول عن حركة "فتح" محمد دحلان، والتي تبث من مدينة الإنتاج الإعلامي في القاهرة، وموقع "المدار" الذي يديره المذيع المقرب من نظام السيسي نشأت الديهي.
علاقات متأرجحة بين مصر والإمارات
ووصف دبلوماسي مصري سابق العلاقات المصرية - الإماراتية بـ"المتأرجحة"، موضحاً أنها "أحياناً تكون جيدة وأحياناً أخرى تكون متوترة، وذلك يعتمد على المواقف في الملفات المتعددة في ليبيا واليمن ومنطقة القرن الأفريقي".
وأضاف المصدر أنه "على الرغم من العلاقات الاستخبارية القوية بين النظامين المصري والإماراتي، منذ انقلاب يوليو 2013، إلا أن كل طرف لا يثق ثقة مطلقة في الطرف الآخر، وبالتالي فإنه يستعد من جهته بأي طريقة يراها مناسبة".
وأوضح المصدر أن "طريقة اللعب الإماراتي في هذا المجال، تعتمد على الإيحاء دائماً للسيسي بأن التغيير في مصر أمر سهل يمكن الإعداد له كما حدث في السابق بمعاونتهم، كما دعموا انقلابه بالمال والآلة الدعائية من خلال وسائل إعلام تابعة لهم، والتسويق له خارجياً عبر شركات العلاقات العامة الضخمة كما حدث في الولايات المتحدة وغيرها من الدول".
وأضاف المصدر أن "الإمارات ليست الدولة الخليجية الوحيدة التي تتوتر العلاقات بينها وبين نظام السيسي في الفترة الأخيرة، بل إن المملكة العربية السعودية هي أيضاً تنظر لنظام الرئيس السيسي بتوجس، وذلك في ظل تباين المواقف أيضاً في مسائل متعددة، منها الحرب في اليمن والعلاقات مع نظام بشار الأسد في سورية، والذي تدعم القاهرة عودته إلى مقعده في جامعة الدول العربية".
وقال الدبلوماسي المصري إن "النظام المصري في سبيل تأمين نفسه من المخططات التي تسعى إلى تخويفه باستمرار، يلجأ إلى الوسيلة الأقوى وهي العلاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي يقدم لها خدمات متعددة في ما يتعلق بعقد الصفقات مع الفصائل الفلسطينية مثل تبادل الأسرى وإعادة الإعمار، وهي الصفقات التي تحاول فيها القاهرة الضغط بشدة على الفصائل لتحقيق مكاسب للاحتلال، بينما تتسول الامتيازات منه لتقديمها للفلسطينيين".
وحذر الرئيس المصري على مدار يومين وفي أكثر من جلسة من جلسات منتدى شباب العالم، من تدخل دول أخرى، لم يسمها، في الشؤون الداخلية لمصر، و"التخريب الذي تتعرض له الدول من خلال التآمر"، مؤكداً أن مصر نجت من هذا التخريب الذي كان يستهدفها.