مشرق عربي نازف

09 يوليو 2021
الأزمات تحاصر اللبنانيين (حسين بيضون)
+ الخط -

تبدو مشاهد طوابير البنزين، وغياب الكهرباء ومستلزمات الحياة، والتقارير الاقتصادية والسياسية، غير مبشرة بمستقبل اللبنانيين والعراقيين والسوريين، فهي تكشف أن التردي في المشرق العربي آخذ بتحويل الأوطان إلى مرحلة ما قبل الدولة، وإلى حالة تهجير وهجرة واسعة، ليس فقط للكفاءات، كما شهد القرن التاسع عشر.

بيروت التي شكّلت نموذجاً لبعض الحريات الغائبة عربياً، تتحوّل إلى كابوس تحت "الديمقراطية الطائفية". وفي خيمة شد العصب الطائفي والمذهبي، يصبح اللبناني مختطفاً في "لبنانات" تتنافس على البحث عن "مخلص"، بإعادة تدوير "أمراء الطوائف"، وبما يتجاوز يوميات كآبة الحروب وغزو الاحتلال الإسرائيلي. فلبنان بلد هام في التجربة العربية، قبل أن تتقاذفه أهواء الغرق في "لبنان المتخيّل" لكل زعيم طائفة، وقبل أن يصير له ضمنياً حزبه، على طريقة البعث السوري، "القائد للدولة والمجتمع".
وعليه، فلا مشهد البحث عن حليب أطفال وقطرات بنزين والكهرباء، وضرورات البقاء حياً، ولا الاستهتار برأي الشارع اللبناني وتواصل آلام انفجار مرفأ بيروت قبل نحو عام، ولا الحديث عن الحكومة والفساد، وإجبار المواطنين على هجرة البلد، بمعزل عن مشهد أوسع في واقع عربي مفجع.

فبغداد حالها ليس أفضل، وإن سبق في رداءته ونتائجه الدامية حال بيروت بسنوات. فالبلد النفطي غارق في فساد موصوف محلياً وعالمياً، حتى صار الاستعصاء يعيد أيضاً هذا البلد الهام إلى مرحلة ما قبل الدولة. ودمشق يوسع نظامها "الأوليغارشية الطائفية"، بعد تهجير وتدمير نصف البلد ورده إلى ما قبل عقود، ولم يعد يتردد في تطييف مجتمعه وتقسيمه، سعياً لسورية أخرى تزيد مكاسب طبقة أمراء الحرب.

وفي سياق الحالة العربية الأوسع، فإن المشرق العربي، في نماذجه المشار إليها، مضاف إليه أزمات الأردن ومشهد فلسطيني تسلطي، يتشارك مع اليمن إصرار قوى محلية على الارتهان لسياسات وخيارات خارجية، وتبدو طهران هنا كنموذج فج بعد سيرها في ركب الثورات المضادة للربيع العربي منذ 2011.

هذا الواقع الأليم، الذي تزيده تشظياً تدخلات إقليمية، تستدعي أيضاً تدخلاً عالمياً، وغياب دول عربية مركزية عن معالجة الوضع برمته، والاكتفاء ببيانات ولقاءات رفع عتب، يطرح أسئلة كثيرة يصعب أن تكون أجوبتها سوى من أهل المنطقة، لعل أولها: كيف يمكن وقف استخدام العرب، من صنعاء إلى بيروت، كأوراق تفاوض، درءاً لمزيد من الانحدار إلى ما دون الدولة؟ فربما في الاقتراب من الإجابة الذاتية يكمن رهان الخلاص الجمعي، بعيداً عن الارتهان لطوابير الهوية الطائفية، وربما القبلية والعشائرية.

المساهمون