لا تزال الخلافات تعصف في الداخل الليبي، وقد بلغت ذروتها في الأيام التي سبقت انعقاد مؤتمر برلين الثاني، الأربعاء الماضي، فيما ربط مراقبون وضوح شكل الوضع القريب بنتائج مشاورات ملتقى الحوار السياسي حول الأساس الدستوري للانتخابات.
وتنهي اللجنة الاستشارية لملتقى الحوار السياسي اجتماعها التشاوري، اليوم السبت، المنعقد في تونس من الخميس الماضي، وذلك للتوافق حول خيارات محددة حول الأساس الدستوري للانتخابات المقبلة لتقديمها للجلسة العامة للملتقى، التي ستنعقد يوم الاثنين المقبل في سويسرا، للبت في الأسس الدستورية للانتخابات.
ووفقا لمصادر مطلعة، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن أجواء من التفاهم تسود اجتماع أعضاء اللجنة الاستشارية في تونس ويتجه أغلبهم إلى إرجاء الاستفتاء على الدستور إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، مقابل اعتماد مقترح القاعدة الدستورية التي صاغتها اللجنة القانونية للملتقى.
وأكدت المصادر أن البعثة الأممية أبلغت ملتقى الحوار السياسي ولجنته الاستشارية برغبة شديدة من المجتمع الدولي بشأن إنهاء الجدل الدستوري للانتخابات، مرجحة أن يتوافق الملتقى يوم الاثنين المقبل حول تمرير القاعدة الدستورية كأساس مؤقت للانتخابات بعد تجاوز العديد من العراقيل وأهمها مسألة ترشح العسكريين وذوي الجنسية المزدوجة وانتخاب رئيس الدولة بشكل مباشر من الشعب.
ويرتبط العامل الأمني في البلاد وتصاعد توتراته مؤخرا بالعديد من القضايا، لكن أغلبها يتصل بشكل مباشر بشكل الأساس الدستوري للانتخابات، بحسب رأي المحلل السياسي الليبي مروان ذويب.
وبعد أن فشلت اللجنة القانونية في التوافق حول مقترح القاعدة الدستورية، خلال اجتماعاتها في 26 و27 مايو/أيار الماضي، قررت البعثة الأممية في ليبيا إحالة القاعدة ونقاط الخلاف فيها إلى مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة للبت فيها، لكنها عادت ودعت ملتقى الحوار السياسي الى الاجتماع، الاثنين المقبل في سويسرا، للبت في تصورات نهائية حول القاعدة الدستورية تعدها اللجنة الاستشارية المجتمعة حاليا في تونس.
وبعد أن فشل المجتمع الدولي، خلال أعمال مؤتمر برلين الثاني الأربعاء الماضي، في حسم ملف المقاتلين الأجانب في ليبيا اتجه للتشديد على ضرورة إجراء الانتخابات الوطنية في موعدها المقرر في 24 ديسمبر المقبل، ومطالبة السلطات الليبية بضرورة توضيح الأساس الدستوري لها.
ويرى ذويب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن التصريحات اللاحقة بعد انتهاء مؤتمر برلين بشأن التواجد الأجنبي المسلح في ليبيا تؤكد فشل المؤتمر في حسم هذا الملف، معتبرا أن الأطراف الخارجية مصرة على المحافظة على وجودها العسكري لضمان مواقع حلفائها في الانتخابات المقبلة.
ولفت إلى أن تحرك اللواء خليفة حفتر العسكري إلى الجنوب الغربي هو "لإظهار سيطرته على أغلب أجزاء البلاد وإعطاء ثقل انتخابي له ولشركائه من ناحية، ومن ناحية أخرى رسالة استبقت اللقاءات الدولية والمحلية بشأن شكل الأساس الدستوري تتضمن تهديدا بتقويضها إذا لم تسمح له أو لأنصاره العسكريين بالترشح".
وأوضح أن "مقترح القاعدة الدستورية حوله خلاف بشأن ترشح العسكريين ولا بد لحفتر من الضغط للسماح له او لمقربين منه بالترشح".
وخلال الأسبوع الذي سبق انعقاد مؤتمر برلين أمر حفتر مليشياته بالتحرك للسيطرة على الجنوب تحت ذريعة ملاحقة الإرهاب وطرد المرتزقة الأفارقة، قبل أن يعارض تقاربا نسبيا داخل لجنة 5 + 5 العسكرية بشأن فتح الطريق الساحلي الرابط بين شرق وغرب البلاد.
ورغم الإحاطة التي قدمها رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، للمشاركين في مؤتمر برلين، وحاول من خلالها إظهار تقدم من قبل حكومته للمضي في تنفيذ الاستحقاقات المرتبة على مهام الحكومة، إلا أن ذويب يرى أن الدبيبة كان دقيقا في تشخيصه عندما حدد حراك حفتر العسكري الحالي وعبر عن خشيته من وجود أطراف عسكرية لأغراض سياسية، وقال: "تلك رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن حفتر سيشكل عاملا لتقويض الانتخابات إذا لم يتم استيعابه أو منعه بشدة من أي عرقلة".
أهداف حفتر
من جانبه، يتساءل الناشط السياسي الليبي مالك هراسة عما تضمنه البيان الختامي لمؤتمر برلين حول ضرورة توحيد القوات الأمنية تحت إشراف وسلطة رقابة مدنية موحدة.
وقال هراسة إن "هذا أهم مطلب لتوفير الظرف الأمني اللازم لانتخابات حرة نزيهة لا يؤثر عليها طرف مسلح والمعني بهذا المطلب هو المجلس الرئاسي الذي لا يزال عاجزا أمام حفتر وآخر مظاهر فشله أنه أعلن عن إنشاء قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب في الجنوب وحتى الآن لا وجود لها مقابل سيطرة حفتر هناك".
واعتبر أن اكتساح حفتر العسكري للجنوب الغربي يعني اقترابه مجددا من الغرب الليبي حيث العاصمة طرابلس والقوى المسلحة المعارضة له.
ويؤكد هراسة، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "أهداف حفتر الحقيقية ستتبين قريبا"، موضحا أن نتائج ملتقى الحوار السياسي في التوافق حول شكل القاعدة الدستورية وتحديدا حول السماح للعسكريين بالترشح هي من ستحدد الوضع العسكري قريبا من الغرب الليبي.
وخلاصة رأي الناشط السياسي الليبي أن رؤية المجتمع الدولي وأمله في أن تخلق الانتخابات وضعا سياسيا جديدا دون وجود الأطراف الحالية لحلحلة كل الملفات العالقة في البلاد سيصطدم من الآن بضغوط الأطراف المحلية بالالتفاف على الأسس الدستورية للانتخابات من أجل خلق ثغرات قانونية تسمح لهم بالمرور للمشهد المقبل عبر الاستحقاق الانتخابي.