كشفت مصادر مصرية خاصة، لـ"العربي الجديد"، عن مشاورات جرت أخيراً بين مصر وإيران، بهدف تحسين العلاقات بين البلدين، والتوصل إلى رؤى متقاربة بشأن عدد من الملفات الإقليمية تمنع التصادم، "في ظلّ سياسة خارجية مصرية جديدة تجاه كافة القوى الكبرى والدول في الإقليم، تقوم على عدم الدخول في أزمات بالوكالة عن أي طرف آخر، ومراعاة المصالح المصرية في المقام الأول"، على حدّ تعبير المصادر. وبحسب المصادر، فإنّ القاهرة استقبلت وفداً إيرانياً استخبارياً، الأسبوع الماضي، حيث التقى مع مسؤولين رفيعي المستوى في جهاز الاستخبارات العامة، لبحث مجموعة من الملفات ذات الحساسية بين البلدين، والتي ظلّت لفترة طويلة محل خلاف دائم وسبباً في تأزم العلاقات. وأشارت المصادر، إلى أن هذه المشاورات ليس الهدف منها تطبيع علاقات كاملة بين البلدين، ولكن إقامة علاقات متوازنة ضمن قنوات واضحة ودائمة، بهدف التنسيق الثنائي في القضايا المختلفة والمتعلقة بالجانبين، لمنع أي تضارب أو صدام.
تبحث مصر عن دور جديد كوسيط بين الخليج وطهران، يسمح بنفوذ لها وامتلاك أوراق قوة
وحول ما إذا كان ذلك التوجه قد يتسبب في غضب أطراف خليجية تربطها بمصر علاقات جيدة، مثل السعودية أو الإمارات على سبيل المثال، قالت المصادر إن تحولاً كبيراً طرأ على مخططي السياسة الخارجية المصرية الجدد في القاهرة أخيراً، وظهر توجه جديد بعدم تسليم مفاتيح العلاقات والمصالح المصرية لأي دولة أخرى مهما كانت العلاقات معها، مع توظيف أي علاقة في الإقليم لحساب المصالح المصرية، وتحقيق أكبر مكسب لها. وأكدت أن تراجع الضغوط الخليجية على القاهرة بسبب توقف الدعم المالي والاقتصادي من جانب القوى الخليجية، ساهم بشكل كبير في سعي الإدارة المصرية للحد من القيود التي فرضت عليها من جانب تلك القوى في أوقات سابقة، واستخدام أساليب مناورة، بحثاً عن إعادة نوع من التوازن لهذه العلاقات.
وكشفت المصادر أن التطور الأخير الذي طرأ على التصور المصري بشأن العلاقة مع إيران، جاء في ظل وجود رسائل سابقة من الجانب الإيراني لتطوير العلاقات، إلا أن القاهرة لم تعلق عليها، مشيرة إلى أن آخر تلك الرسائل جاء عبر القائم بالأعمال الإيراني في مصر، ناصر كنعاني، الذي أبدى تطلع بلاده لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، وتوافر إرادة سياسية قوية لدى بلاده لذلك. وأوضحت المصادر أن ذلك الأسلوب الجديد، يأتي نتاج تحالف متغيرات عدة، على رأسها إدارة جديدة معنية بتخطيط العلاقات الخارجية المصرية وتحديد مواقف القاهرة تجاه قضايا الإقليم، متمثلة في لجنة تقودها وزيرة التعاون الدولي السابق، مساعدة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الحالية، فايزة أبو النجا.
النشاط الإيراني في البحر الأحمر واليمن، وملفا سورية والعراق، كانت من ضمن مواضيع البحث
ولفتت المصادر إلى أن الجلسات التمهيدية التي جرت بين المسؤولين الأمنيين في البلدين، أسفرت عن بعض التوجهات الجديدة، والتي جاء في مقدمتها عدم الإساءة لأطراف البلدين، أو انتهاج خطاب سياسي أو إعلامي هجومي. وكشفت المصادر عن صدور تعليمات من جهاز الاستخبارات العامة لوسائل الإعلام المصرية، بوقف عرض أيّ مواد تحمل إساءة لإيران وأذرعها في المنطقة، مع ضبط بعض المصطلحات والتوصيفات الخاصة بأدوار إيرانية. وبحسب المصادر، فإن من بين الأهداف المصرية من وراء تصحيح مسار العلاقات مع إيران، محاولة البحث عن دور جديد، كوسيط في العلاقات بين الخليج وطهران، يسمح بنفوذ مصري وامتلاك أوراق من شأنها جذب مزايا اقتصادية بعد ذلك.
وقالت المصادر، إن النشاط الإيراني في منطقة البحر الأحمر واليمن، ومدى تقاطعه مع المصالح المصرية، شغل حيّزاً من الحديث الذي دار في القاهرة أخيراً، مؤكدة أن الجانب الإيراني كان محمّلاً برسائل، جميعها متعلقة باستعداد طهران لمراعاة أي ملاحظات مصرية أو مخاوف بشأن أدوارها في هذا المحيط، وتأمين الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، كون ذلك يعد أمراً حيوياً بالنسبة للقاهرة لتأمين مسار السفن العابرة في قناة السويس، بالإضافة إلى أمور أخرى متعلقة بالأوضاع في سورية. كما كشفت المصادر عن أن من بين الرسائل التي تم تبادلها خلال المناقشات، أمورا متعلقة بأمن الشركات المصرية التي ستشارك في عمليات إعادة الإعمار في العراق، التي تؤدي فيها طهران دوراً كبيراً عبر أذرعها القوية هناك، موضحة أن هذا الملف يعد من ركائز تحسين العلاقات بين البلدين.