أربع قرى أو تجمعات من أصل 12 قرية في مسافر يطا جنوبي الخليل، جنوبي الضفة الغربية، مهددة بالإخلاء بشكل كامل، بعد 10 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل: الفخيت وسط المسافر، والتبان والمجاز شرقاً، والحلاوة غرباً. تضمّ هذه التجمّعات 600 شخص، أكبرها في المجاز، التي يبلغ عدد سكانها نحو 250 شخصاً. وسيتم إخلاء تلك القرى بعد انتهاء المهلة التي منحتها محكمة الاحتلال للسكان، وما يسمى بالإدارة المدنية الإسرائيلية، لما أسمته بـ"التفاهم" حول الإخلاء لصالح التدريبات العسكرية لجيش الاحتلال في المنطقة. وكأن السكان لديهم القدرة على رفض الأمر والتوصل إلى تفاهم حول ذلك.
تعود القصة إلى عام 2012، حين طلبت إدارة الجيش الإسرائيلي من محكمة الاحتلال ضرورة اتخاذ قرار بطرد السكان من المسافر؛ معلّلة ذلك بأهمية المنطقة في التدريب العسكري. في السياق، يقول رئيس مجلس قروي المسافر، نضال يونس لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة جيش الاحتلال أصدرت عام 2012 أمراً بإخلاء ثماني قرى من أصل 12، وهي عدد القرى الكلي في المسافر. وتوجهنا للمحكمة التي أحالت القضية إلى وسيط بيننا وبين الإدارة المدنية للاحتلال، وهو قاضٍ متقاعد".
السكان يتوقعون إخلاءً في أي لحظة، ولا يُعرف بماذا ستحكم المحكمة
ويضيف يونس: "لم نوافق على ما طرحته الإدارة المدنية للاحتلال بإخلاء 60 في المائة من مساحة المسافر بشكل تام، وما تبقى من المساحة يجب على السكان إخلاؤها. رفض السكان هذا الأمر وبقيت الأمور على هذه الحال حتى عام 2016، حين عدنا للمحكمة لرفض كل عروض الإدارة المدنية. وبقيت تتأجل القضية حتى أغسطس/آب الماضي، فقررت المحكمة منح مهلة مرة أخرى للتفاهم كما قالت، حتى 10 نوفمبر المقبل". ويشير إلى أن السكان يتوقعون "إخلاءً في أي لحظة، ولا نعرف بماذا ستحكم المحكمة. يحاول الاحتلال استغلال الظروف الجوية لصالح مخططات الترحيل، ظناً منه أن السكان سيرحلون إذا صادر خيامهم، وهدم بيوتهم خلال أشهر البرد القارس".
ويخشى السكان بعد انقضاء مهلة المحكمة، التي يدرك الفلسطينيون أنها محكمة بمطرقة إسرائيلية لن تحكم لصالحهم، أن ينفذ الاحتلال وإدارته المدنية المقترح الذي رفضه السكان، وطرحته الإدارة المدنية عليهم خلال العام الحالي، بإخلاء أربع قرى من المسافر بشكل كامل وترحيل السكان بصورة نهائية. أما القرى الثماني الباقية فيُخليها سكانها خمسة أيام شهرياً، لصالح التدريبات العسكرية لجيش الاحتلال، ما يعني تشريد حوالي 1800 نسمة من السكان.
تبدأ منطقة إطلاق النار "التدريبات العسكرية للاحتلال" من قرية جنبا في الجنوب الغربي صعوداً باتجاه بئر العِد شمالي غرب المسافر، استمراراً بشكلٍ محاذٍ لخط الهدنة، مروراً بالتجمعات البدوية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، وصولاً إلى منطقة طوبا بمحاذاة مستوطنتي "ماعون" و"كرمئيل" المقامتين على أراضي الخليل؛ بمساحة 35 ألف دونم. وتُشكّل هذه المناطق 40 في المائة من مساحة المسافر، البالغة قرابة 95 ألف دونم، وما تبقى من مساحتها تلتهمه المستوطنات والإجراءات التقييدية لجيش الاحتلال.
وتهدد مخططات "الإدارة المدنية الإسرائيلية" وجيش الاحتلال مصير 100 طالب على مقاعد الدراسة، في المدرسة الثانوية الوحيدة لمنطقة المسافر، وهي مدرسة الفخيت. في هذا الإطار، تقول الطالبة في الصف الثامن الأساسي، فاطمة أبو صبحة لـ"العربي الجديد": "بالطبع سنحزن إذا هدمت مدرستنا؛ فهي بيتنا الثاني، وقد كبرنا فيها من الصف الأول، أحب التعليم، وألتقي بصديقاتي من بقية قرى المسافر في المدرسة. وأتمنى أن يصبح حالنا أسوة ببقية طلاب العالم". مع العلم أن الطلاب يدرسون في غرف من الطوب ومسقوفة بالصفيح.
ويعتبر مدير المدرسة هيثم أبو صبحة في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المدرسة ليست مكاناً للتعليم فقط، بل متنفس للطلاب. وأخشى أن يحصل الهدم، الذي يعني حرمانهم من التعليم، والاحتمال الأكبر أن تُحرم الإناث منه، نظراً لصعوبة تنقلهن من دون حماية في منطقة المسافر".
لا تأمن الأُم جملة أبو صبحة على أطفالها أثناء توجههم للمدرسة، وتقول لـ"العربي الجديد": "لا أمان في المسافر، وأخشى كلما اقتحمت مركبات الاحتلال المنطقة، أن يتم اقتحام المدرسة. لدي ثلاث بنات وولد في مدرسة الفخيت، وأخاف عليهم من جنود الاحتلال والمستوطنين".
يدرك الفلسطينيون أن المحكمة بمطرقة إسرائيلية ولن تحكم لصالحهم
وبسبب التدريبات العسكرية لجيش الاحتلال، خسر أهالي المسافر العديد من أبنائهم منذ إعلان مسافر يطا منطقة عسكرية مغلقة عام 1981، من بينهم سبعة بين مرحلة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو (1993) وحتى عام 2005. وفي منتصف الثمانينيات هدم الاحتلال قرى المسافر عديد المرات، وصادر الأغنام، وظل السكان في حالة مطاردة دائمة من قبل الاحتلال في الكهوف والجبال. وفي خريف عام 1999، أغلق الاحتلال منطقة المسافر بشكل كامل، وأخلى جنود الاحتلال كل السكان بالشاحنات منطقة خربة، وبعد ساعات عاد السكان للكهوف. مع العلم أنه عند تنفيذ الاحتلال أي اقتحام، يترك السكان الكهوف نحو الجبال، ثم يعودون لها نهاراً. وظل منوال المطاردة مستمراً، حتى ربيع عام 2000، إذ أصدرت ما تسمى "محكمة العدل العليا الإسرائيلية" قراراً احترازياً بضرورة بقاء السكان في منازلهم، وعلى أثره جمّد الاحتلال التدريبات بالذخيرة الحية حتى عام 2012، حين عاد جيش الاحتلال يطالب بمسافر يطا لتدريباته العسكرية.
لم ينس جيش الاحتلال مسافر يطا، وكذلك لم ينس خليل أبو عرام ابنه فضل (17 عاماً)، الذي استشهد في صيف عام 2005؛ جرّاء انفجار مخلفات الاحتلال، أثناء رعيه الأغنام، في منطقة الحلاوة، كما أصيب ثلاثة من إخوته بتشوهات كبيرة جراء الانفجار. يقول أبو عرام لـ"العربي الجديد": "فقدت ابني وتشوه إخوته، وهدم الاحتلال منزلي وبركسات الأغنام ثلاث مرات الشتاء الماضي، لكن هم يهدمون ونحن نعيد البناء".