عززت "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري بشار الأسد، والموالية للجانب الإيراني، مواقع عسكرية لها في ريف محافظة درعا الغربي في جنوب سورية، في خطوة يبدو أنّ هدفها فرض سيطرة كاملة على هذا الريف، بينما يواصل الجانبان الإيراني والروسي تجنيد الشباب في محافظة السويداء القريبة، لتأدية مهام داخل سورية وخارجها لصالح موسكو وطهران.
وأفادت مصادر محلية "العربي الجديد"، بأنّ "الفرقة الرابعة" عززت أمس السبت 4 نقاط عسكرية لها، وأنشأت نقاطاً جديدة في الريف الغربي لمحافظة درعا، بعد دخولها من حي الضاحية في مدخل مدينة درعا الغربي. وأوضحت المصادر أنّ التعزيزات مؤلفة من 5 دبابات وعشرات العناصر المسلحة، توزعوا على حاجز قرية خراب الشحم، وحاجز الري ومزرعة الأبقار بين بلدتي اليادودة والمزيريب، ومعمل الكنسروة شمال المزيريب، وحاجز مفرق بلدة العجمي. وبيّنت المصادر أنّ "الفرقة الرابعة" أنشأت كذلك نقاطاً عسكرية جديدة عند حاجز دوار مساكن جلين، ومعمل الشيبس على طريق درعا – طفس، مشيرة إلى أنّ الفرقة تطالب بتسلّم نحو 100 شاب، من بلدات المزيريب واليادودة وطفس، رفضوا الانضمام إلى قوات النظام بعد اتفاقات التسوية.
تطالب الفرقة الرابعة بتسلّم نحو 100 شاب رفضوا الانضمام إلى قوات النظام
في السياق، أشار الناطق باسم "تجمع أحرار حوران"، أبو محمود الحوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ اللواء الثامن الذي يقوده أحمد العودة، والتابع لـ"الفيلق الخامس"، الذي يشرف عليه الجانب الروسي "لم يتخذ حتى اللحظة أي إجراء إزاء تحركات قوات النظام في الريف الغربي من درعا". وأضاف الحوراني أنّ "النظام والجانب الإيراني يهدفان من هذه التحركات العسكرية إلى إطباق الحصار على بلدات الريف الغربي لدرعا، وزيادة القبضة الأمنية للضغط على الشباب لتسليم أنفسهم والانخراط في صفوف قوات النظام"، موضحاً أنّ الجانب الإيراني "يهدف إلى تسهيل عمليات الاتجار بالمخدرات في عموم محافظة درعا من وراء هذا التحرك، واتخاذ جنوب سورية ممراً لتهريب المخدرات إلى خارج البلاد".
وكانت فصائل المعارضة السورية في محافظتي درعا والقنيطرة المجاورة اضطرت إلى توقيع اتفاقات تسوية مع النظام منتصف عام 2018، برعاية الجانب الروسي، والتي تبيّن لاحقاً أنها كانت مجرد مدخل للنظام للعودة إلى المحافظتين والقيام بعمليات انتقام واسعة النطاق.
وليس بعيداً عن محافظة درعا، يواصل الجانبان الروسي والإيراني استقطاب شبان من محافظة السويداء المجاورة، ذات الغالبية الدرزية، لتجنيدهم لتأدية مهام داخل سورية وخارجها، مستغلين ظروفا معيشية خانقة تدفع الشباب إلى الانخراط بهذه المهام. وفي السياق، قال الكاتب نورس عزيز، وهو من أبناء محافظة السويداء، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ المحافظة "فيها مخزون كبير من الشباب الفقير والرافض للخدمة في جيش مشكوك في عقيدته وولائه"، مضيفاً "هناك أكثر من 50 ألف مطلوب للخدمة الإلزامية والاحتياطية، وهذا يشكل مخزوناً ثرياً بالنسبة لروسيا وإيران اللتين تستحوذان على مراكز القرار في سورية".
النظام والجانب الإيراني يهدفان إلى إطباق الحصار على بلدات الريف الغربي لدرعا
وأوضح عزيز أنّ روسيا "تجنّد الشباب لحماية منشآت في ليبيا"، مشيراً إلى أنها "قدّمت سابقاً لمن ذهب معها، مبالغ مالية وصلت إلى ألف دولار شهرياً، وهو مبلغ يعتبر ضخماً بالنسبة لشباب يتعرضون للحصار الاقتصادي والتضييق". ولفت إلى أنّ الشباب المطلوبين للخدمة في قوات النظام "لا يستطيعون السفر أو مغادرة المحافظة، ولكن الروس والإيرانيين يجرون تسويات لهم"، موضحاً أنّ "الروس يرسلون عدداً من المجندين من شباب السويداء، إلى ريف حماة لحماية العمال الروس أثناء تصليح خط الغاز الذي وهبه بشار الأسد لموسكو". ولفت المتحدث نفسه إلى أنّ "هناك تنسيقاً بين الجانب الإيراني وجهاز المخابرات الجوية التابع للنظام، لنقل شباب من السويداء إلى منطقة خناصر في ريف حلب الجنوبي، مقابل رواتب شهرية زهيدة".
وتعد محافظة السويداء التي تبلغ مساحتها نحو خمسة آلاف كيلومتر مربع، وتتاخم البادية السورية من جهة الشرق، من المحافظات السورية قليلة الموارد، وهو السبب الرئيسي الذي يدفع شبابها للانخراط في المليشيات الإيرانية أو الروسية. ووفق مصادر محلية تحدثت لـ"العربي الجديد"، تنشط إيران دعوياً في السويداء، مشيرةً إلى أنّ الإيرانيين "يحاولون كسب ولاء أهالي المحافظة من خلال تغيير معتقدهم الديني مقابل إغراءات مالية، لكنهم لم يحققوا حتى اللحظة نجاحاً كبيراً على هذا الصعيد".
من جانبه، أكد الكاتب، حافظ قرقرط، والمنحدر من السويداء، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "هناك رفضاً مجتمعياً لتجنيد الشباب، ولكن المجتمع لا يمتلك أدوات فاعلة لإيقاف ما يجري". وأضاف: "تتوسع عمليات التجنيد مع تفاقم الأزمة الاقتصادية بشكل حاد في محافظة معزولة ولا تملك خيارات تواصل سوى مع العاصمة دمشق حيث النظام وأدواته". ولفت إلى أنّ "بعض الفعاليات الدينية حاولت التصدي للظاهرة، فكل رجال الدين بمن فيهم المقربون من النظام، يرفضون هذه الحالة، وكذلك الواجهات الاجتماعية الفاعلة بالإضافة لتيار واسع جداً من المثقفين".
تتوسع عمليات التجنيد في السويداء مع تفاقم الأزمة الاقتصادية
وكانت شهدت محافظة السويداء خلال سنوات الثورة العديد من حركات الاحتجاج نتيجة سوء الأوضاع المعيشية، آخرها كان في مايو/ أيار الفائت، حيث نظّم ناشطون وقفات احتجاجية تحت شعار "بدنا نعيش"، سرعان ما تراجع زخمها.
وطيلة سنوات الثورة، سعى النظام إلى خلق أجواء توتر بين محافظتي السويداء ودرعا، من أجل ضمان اصطفاف الدروز إلى جانبه، تحت ذريعة حماية الأقليات من "مجموعات متطرفة" تستهدف وجودهم. وفي حادث تشير معطيات إلى أنّ النظام مهّد له الطريق، هاجم تنظيم "داعش" في منتصف عام 2018، قرى في ريف السويداء الشرقي، ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات من المدنيين. كذلك، اختطف التنظيم المئات من أبناء القرى الدرزية، ولم يفرج عنهم إلا بعد إبرام صفقة مع النظام والجانب الروسي.