مساعي الاحتلال لتشكيل قيادة محلية بديلة خارج المنظومة الوطنية الفلسطينية الحالية

31 مارس 2024
حفل تخرج ضباط الشرطة في قطاع غزة 12/12/2021 (أحمد زاقوت/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد حرب الإبادة على غزة، سعت مخططات اليمين الصهيوني المتطرف لتفكيك الهياكل السياسية الفلسطينية ومحو الهوية الوطنية، مما يعكس رغبة إسرائيل في السيطرة والتهميش.
- تضمنت الجهود الإسرائيلية إصدار وثائق ومحاولات لتمكين مجاميع فلسطينية بصلاحيات محدودة لإدارة الشؤون اليومية، بهدف إضعاف القيادة الفلسطينية وتقسيم الهوية الوطنية، لكنها فشلت بسبب الرفض الفلسطيني.
- منذ 1967، حاولت إسرائيل خلق قيادات محلية فلسطينية متوافقة مع سياساتها، لكن هذه المحاولات فشلت بسبب الوعي الوطني الفلسطيني ورفض التعاون مع الاحتلال، مؤكدةً على صلابة الهوية الوطنية الفلسطينية.

أعادت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزّة، أطروحات اليمين الصهيوني المتطرف ومخططاته القديمة الحديثة، في سياق تصوراته السياسية النهائية لمستقبل القضية الفلسطينية، وبالتحديد قطاع غزّة بعد الحرب، وهي مخططاتٌ تستبطن تفكيك الهياكل السياسية الفلسطينية الوطنية، ومحو الهوية الوطنية الجمعية، التي تشكلت عبر عمليةٍ كفاحيةٍ نضاليةٍ طويلةٍ، استمرت لعقودٍ، وكلفت الشعب الفلسطيني عشرات الآلاف من الشهداء ومئات آلاف الأسرى في كافّة أماكن تواجده، في فلسطين وفي الجبهات الإقليمية الأقرب.

تجلت مخططات اليمين الصهيوني بوضوحٍ في سلوكيات قيادات ومسؤولي ما يُسمى "الإدارة المدنية للجيش الإسرائيلي في المناطق المحتلة"، وفي الوثيقة المُعلنة التي أعدها بنيامين نتنياهو وشركاؤه في الائتلاف الحكومي المتطرف، في إطار رؤيتهم لمستقبل قطاع غزّة، أو "اليوم التالي للحرب"، حسب ما يروج نتنياهو نفسه وأقطاب حكومته، تكمن السردية الصهيونية اليمينية المتطرفة في تمكين مجاميع أو هياكل محلية فلسطينية من قطاع غزّة؛ لديها شيءٌ من النفوذ، وتمتلك بعض أدوات القوّة، من إدارة شؤون قطاع غزّة الحياتية اليومية، بمستوى صلاحياتٍ لا يتجاوز سقف مسؤوليات البلديات المحلية، وهو ما حدث فعلياً خلال الأشهر القليلة الماضية، من باب المحاولة، عبر تواصل عددٍ من ضباط جيش الاحتلال، من منظومة "الإدارة المدنية  التابعة للجيش الإسرائيلي"، مع عددٍ من شيوخ العائلات والعشائر والقبائل الكبيرة في غزّة، ورجال أعمال وتجار، وحتّى شخصياتٍ سياسيةٍ يصفها الاحتلال بـ"الشخصيات المعتدلة"، كما تجلت في أجلى صورها في التواصل مع عددٍ من التجار الكبار في القطاع  لاستلام مساعداتٍ إنسانيةٍ من مناطق العبور على محاور الموت؛ مفرقي الكويت والنابلسي شرق وغرب مدينة غزّة، ومن ثم توزيعها مباشرةً على السكان، وعلى مراكز الإيواء، طبعاً هناك من وافق مرحلياً من باب المساهمة في إغاثة الجوعى وإنقاذ أرواح الفئات المعرضة للخطر الوشيك من المجاعة في غزّة، ولكن وعلى أرض الواقع فشلت المحاولة، مع عجز جيش الاحتلال عن تسليم المساعدات الإنسانية مباشرةً على مفرقي النابلسي والكويت.

لم تألُ الحكومات الصهيونية المتعاقبة بعد عام 1967 جهداً في اجتراح قياداتٍ محليةٍ في مدن وقرى القدس، والضفّة الغربية، وقطاع غزّة

لم يكن سلوك القيادة الصهيونية المتطرفة، في محاولات تشكيل قياداتٍ محليةٍ بديلةٍ حالياً هو الأول من نوعه، فقد حاول اليمين الصهيوني بعد صعوده الحكم عام 1978 تشكيل قياداتٍ محليةٍ بديلةٍ في الضفّة الغربية، تابعةٍ لسلطة الاحتلال، تحت مسمى "روابط القرى"، للتنمية والنهوض الاقتصادي والاجتماعي في قرى الضفّة، في محاولاتٍ لبلورة بديلٍ عن القيادات المحلية لمنظّمة التحرير الفلسطينية، التي جسدت الإطار الوطني الجامع للكيانية الفلسطينية المُعترف بها دولياً، وبالفعل  انطلقت أولى الروابط من دورا في الخليل، ومن ثم في عددٍ من قرى رام الله، وقلقيلية، وبيت لحم، ونابلس، لكن بعد بضع سنواتٍ فقط، وبالتحديد عام 1984، أُسدل الستار عن تلك المحاولات بقرارٍ من حكومة الاحتلال، بعد فشلها في تحقيق نجاحاتٍ تُذكر على صعيد الحالة الوطنية، ومسألة التمثيل الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 1967.

بخلاف روابط القرى، لم تألُ الحكومات الصهيونية المتعاقبة بعد عام 1967 جهداً في اجتراح قياداتٍ محليةٍ في مدن وقرى القدس، والضفّة الغربية، وقطاع غزّة، وتقديمها للشعب الفلسطيني كشخصياتٍ سياسيةٍ أو اقتصاديةٍ أو اجتماعيةٍ، أو حتّى أكاديميةٍ وإعلاميةٍ مرتبطةٍ ارتباطاً مباشراً أو غير مباشرٍ بسلطات الاحتلال العسكرية أو "المدنية"، وظهر في الفضاء الفلسطيني، بإسنادٍ إعلاميٍ إسرائيليٍ، عددٌ من الشخصيات المحسوبة على عائلاتٍ كبيرةٍ، منهم رؤساء بلديات، وكتاب، ورجال أعمال، لكن دور هذه الشخصيات بقي محدوداً في السياق الفلسطيني العام. ربّما؛ يعتبر عام 1994 وتشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية الجدار الذي وضع حداً؛ لكن ليس نهائياً، لمحاولات الاحتلال صناعة قياداتٍ محليةً متناغمة معه.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

تشير المؤشرات كلّها إلى أن مساعي الحكومة الفاشية اليمينة المتطرفة، وبما لا يدع مجالاً للشك، في خلق قيادةٍ محليةٍ بديلةٍ في مرحلة "اليوم التالي للحرب على غزّة"، حسب الوصف الإسرائيلي، ستفشل كما فشلت كلّ محاولاته السابقة منذ عام 1967، ليس بسبب حالة الوعي المتقدم وجوهره الوطني لما يحيكه الاحتلال من مؤامراتٍ لتصفية القضية الفلسطينية فقط، أو لرفض الكلّ الفلسطيني القاطع لهذه المحاولات، بعد شلال الدم الهادر، والتضحيات الهائلة الناجمة عن حرب الإبادة الجماعية، إنّما لرفض أيّ شخصيةٍ فلسطينيةٍ محليةٍ، بغض النظر عن مسماها، لعب هذا الدور المشبوه، وليس أدل على ذلك بيان تجمع العشائر والقبائل الفلسطينية في غزّة هذه الأيّام، الذي يؤكد على الرفض القاطع للتعاطي بأيّ شكلٍ مع مخططات الاحتلال لخلق قياداتٍ محابيةٍ بديلةٍ.

المساهمون