تسبب موضوع المساعدات السنوية الأميركية لمصر بتعكير العلاقات بين واشنطن والقاهرة في السنوات الأخيرة. وبالتحديد منذ 2014، عندما ربط الكونغرس آنذاك مبلغ 300 مليون دولار منها (من أصل 1.3 مليار دولار)، بشرط قيام مصر بإجراء إصلاحات في مجال حقوق الإنسان، التي يقول الأميركيون إنها "تدهورت في ظل النظام الحالي". لكن مع تسليمها المبدئي بهذا التوصيف؛ اعتمدت الإدارات المتعاقبة مقاربة مختلفة من باب أن مصر "شريك استراتيجي مهم" لا يصح التعامل معه بهذه الصورة. وللالتفاف على شرط الكونغرس لجأ البيت الأبيض إلى "التنازل" عنه، أي الشرط، بحيلة أن الإفراج عن هذا المبلغ "يخدم المصلحة الأميركية".
على هذا الأساس قررت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الأربعاء، فك التجميد عن مبلغ 170 مليون دولار، على أن تستخدمه مصر في محاربة الإرهاب وتعزيز الأمن الحدودي وقضية منع انتشار أسلحة الدمار.
أما الباقي أي 130 مليون فيبقى قيد الحجز ولغاية إنجاز الإصلاحات المطلوبة في مجال حقوق الإنسان، وبخاصة "وقف ملاحقة الناشطين في هذا الحقل وإطلاق سراح المعتقلين بسبب التعبير عن آرائهم السياسية وحالات الاختفاء وظروف السجن والاعتقال التعسفي" وغيره من الانتهاكات.
وفي تعليلها للإفراج عن المبلغ، تقول الإدارة الأميركية إنها دأبت على مفاتحة مصر بموضوع حقوق الإنسان، وإنها لحظت حصول "بعض التقدم" في هذا الخصوص. لكن بعض الجماعات المشتغلة في هذا الشأن ردت بنفي زعم الإدارة، مؤكدة أن عدد الموقوفين بسبب حرية التعبير قد "ازداد" ولم ينقص.
بيد أن الإدارة ترى الوضع من عدسة أن لمصر دورا مهما على صعيد قطاع غزة وليبيا والقرن الأفريقي، وبالتالي لا يستقيم التعاطي معها بلغة الشروط ووقف المساعدات. لكن هذه الحيثية لم تقنع حتى جماعة حزب الرئيس بايدن في الكونغرس، ناهيك بمنظمات حقوق الإنسان.
السيناتور الديمقراطي كريس مرفي خصّ الموضوع بكلمة في مجلس الشيوخ، حمل فيها على مصر كما على موقف الإدارة، وشدد على وجوب توقّف مصر عن "اعتقال الناشطين بسبب تعبيراتهم السياسية واحترام حقوقهم الإنسانية، إذا أرادت أن تكون حليفاً للولايات المتحدة".
ويبدو من الردود أن الشكوك في الكونغرس عميقة، وأنه قد يجري استدعاء وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى جلسة استماع ليبين فيها ما زعمته الإدارة حول "التقدم الطفيف" الذي تحقق في هذا الحقل داخل مصر. وثمة اعتقاد لدى المشككين بأن الإدارة ربما تنوي إزالة الالتفاف على الشق المتبقي، 130 مليون دولار، لتحريره من الشروط.
الواضح أن إدارة بايدن باتت تعاني من مشكلة في صدقيتها، الرئيس من البداية توعّد النظام المصري بأنه بعد اليوم "لا شيكات على بياض"، واصفاً الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنه "الديكتاتور المفضّل" لدى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وزير خارجيته أنتوني بلينكن تعهّد، في أول خطاب له في فبراير/شباط 2021، بأن قضية حقوق الإنسان ستكون "العمود الفقري" لسياسة بايدن الخارجية.
بالمقارنة مع ما جرى بخصوص المساعدات، والذي أثار اعتراضات واسعة في الكونغرس؛ تجدد، بل تأكد الاعتقاد بأن إدارة بايدن لا ترسو على موقف. لديها صعوبة في ترجمة تعهّداتها، ويعود ذلك لواحد من اثنين: إما لأن قراراتها متسرّعة وغير مدروسة كفاية ولا تحيط مسبقاً بالموضوع بصورة شاملة ومتكاملة، أو أنها تتهيّب اللحظة عند التنفيذ وتتراجع. حصل ذلك في الموقف من السعودية، والآن يتكرر مع مصر. نقاط تُسجل ضد بايدن في مجال كان المفترض أن مكانه متميز.