يسود استياء صريح من سياسة المستشار الألماني أولاف شولتز، المنتمي إلى الاشتراكي، بشأن التعاطي مع الحرب الروسية على أوكرانيا، مع تأييد شريكي الائتلاف الحاكم (الخضر، والليبرالي الحر) تسليم الأسلحة الثقيلة لكييف، وتذمرهم من التقصير في ذلك، لا سيما أن الحرب تنذر بمواجهات كبرى.
هذا التأييد عرض شولتز لضغوط متزايدة، رغم إعلانه، أخيراً، عن زيادة المساعدات العسكرية للدول الشريكة إلى ملياري يورو هذا العام، سيذهب أكثر من مليار منها إلى كييف لشراء الأسلحة. من دون أن يحدد متى ستتوفر الأموال.
وفي الصدد، أكد وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر، الجمعة، أن بلاده ستخصص ملياري يورو إضافيين للإنفاق العسكري، وسيخصص معظم المبلغ لمساعدة أوكرانيا.
وكتب ليندنر، على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، أن "تقارير وسائل الإعلام صحيحة: التعديلات على الميزانية ستزيد من التمويلات المخصصة لتعزيز القوات بمقدار ملياري يورو. وستذهب الأموال بشكل كبير لصالح أوكرانيا".
يأتي ذلك، في وقت لا تنفك القيادة الأوكرانية عن مطالبة ألمانيا بدعمها، إذ من أجل إنهاء الحرب يجب أن تكون كييف قوية، ما يتطلب حصولها على الأسلحة اللازمة.
وفي الإطار، قال وزير العدل المنتمي لليبرالي الحر ماركو بوشمان، اليوم الأحد، لصحيفة "دي فيلت" الألمانية، إن إمدادات الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا "لا تعني دخول" بلاده في الحرب، موضحاً أن "ميثاق الأمم المتحدة يحظر الحروب من حيث المبدأ باستثناء واحدة، وهي الحرب الدفاعية. وهذه هي الحرب التي تخوضها أوكرانيا".
وخلص بالقول: "بالتالي، إذا كانت تتمتع بالحق في الدفاع عن النفس، فإن الدعم من خلال إمداد الأسلحة لا يمكن أن يؤدي إلى حقيقة أن من يوفر هذه الأسلحة (لأوكرانيا) سيصبح طرفاً مشاركاً فيها".
من جهته، قال وزير الاقتصاد روبرت هابيك، المنتمي إلى الأخضر، في تصريحات لصحف مجموعة "فونكه" الألمانية الإعلامية الصادرة الجمعة: "يتعين إرسال المزيد من الأسلحة. لا يمكننا التخلي عن أوكرانيا في الحرب. إنها تحارب أيضاً من أجلنا. لا ينبغي أن تضيع أوكرانيا، ولا ينبغي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يفوز".
وعندما سئل عما إذا كانت ألمانيا ستزود أوكرانيا بأسلحة ثقيلة، قال هابيك، الذي يشغل أيضاً منصب نائب المستشار: "المواطنون في أوكرانيا يقاومون بشجاعة وباستعداد لتقديم تضحيات. لدينا التزام بدعمهم بالسلاح. في الوقت نفسه تقع على عاتقنا مسؤولية ألا نجعل أنفسنا هدفاً للهجوم. هذا هو الإطار الذي نقدم من خلاله كل ما هو ممكن"، موضحاً أن هذا الإطار "لا يشمل حتى الآن دبابات كبيرة أو طائرات مقاتلة".
وأضاف هابيك: "توحش الحرب يعني أيضاً ضرورة زيادة واردات الأسلحة كمّاً وكيفاً. لكننا نناقش ذلك مع شركائنا الأوروبيين وشركائنا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)".
بدوره، قال زعيم المسيحي الديمقراطي المعارض، فريدريش ميرز، في مقابلة مع صحيفة فرانكفوتر ألغماينه، أخيراً، إن سلوك شولتز المتردد فيما يتعلق بتسليم الأسلحة إلى أوكرانيا يهدد تماسك المجتمع الدولي بأسره تجاه روسيا.
الاشتراكيون يدافعون عن شولتز
في المقابل، يدافع الاشتراكيون عن شولتز، إذ قال نائب كتلة الاشتراكي الديمقراطي أخيم بوست، لوكالة الأنباء الألمانية، إن خطوة شولتز صحيحة ومعقولة، ومع ذلك لا يزال من المهم المضي قدماً وبحكمة لتقييم العواقب المحتملة للتصعيد وإيجاد طرق عملية وفعالة للمساعدة، وأن المستشار يقوم بذلك بمسؤولية، ولا يترك نفسه ينحرف عن مساره بفعل الانتقادات على اختلاف مشاربها.
وفي السياق نفسه، اعتبر السياسي عن الحزب في البوندستاغ (البرلمان)، يان كورته، أن المسار الذي يتبعه الليبرالي الحر والخضر بالتدخل العسكري المتزايد باستمرار، بات يتخذ أبعاداً خطيرة، وحان الوقت لإنهاء هذه اللعبة الخطيرة بالنار.
ودعا شولتز إلى وقف اقتباس "مطالب الإفراط في التسلح" لهذين الحزبين، قائلاً إنه "يجب على أي شخص يريد تسليم الأسلحة الثقيلة لأوكرانيا بخطاب حرب مرتفع ويزداد كل يوم، أن يجيب على وجه التحديد على ماذا ينطوي الأمر؟ وإلى أي مدى والغرض الذي يتم السعي وراءه؟".
شولتز يعاني
على المقلب الآخر، انتقد السياسي عن المسيحي الديمقراطي نوربرت روتغن خطة شولتز القاضية بزيادة المساعدات المالية العسكرية، ووصف ما توصل إليه الأخير بالمثير للسخرية. وكتب على "تويتر" قائلاً "بينما تطلب أوروبا من ألمانيا القيادة والمسؤولية، عمد طرفا الائتلاف الحكومي إلى مقاربة دعم أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة لحفظ ماء الوجه".
وفي خضم ذلك، قال الباحث السياسي توماس ياغر، لشبكة "أن تي في" الإخبارية، إن "سلطة شولتز السياسية تعاني بالفعل بشكل كبير".
ويتعرّض المستشار الألماني الذي لا يتمتع بحضور قوي ويوصف بأنه "رجل آلي" بسبب خطبه الرتيبة، والذي يتولى منصبه منذ كانون الأول/ ديسمبر، لانتقادات منتظمة.
ورغم إشادة البعض من أطراف أحزاب الائتلاف الحاكم بالزيادة الهائلة في المساعدات المالية العسكرية لأوكرانيا، قال السفير الأوكراني لدى ألمانيا أندريه ميلينك، لـ"دي فيلت"، اليوم الأحد، إن الإعلان بدا جيداً للوهلة الأولى، إلا أنه لم يتم إبلاغ حكومته بالتفاصيل.
وتوقع الخبير العسكري والبروفسور في العلوم السياسية في جامعة البوندسفير في ميونخ كارلو ماسالا، في حديث مع "زد دي أف" الإخبارية، أن تستمر الحرب لمدة طويلة، وأن بعض الأنظمة العسكرية تحتاج شهوراً للتدريب، لكن هناك ما يكفي من الأشياء لتسليمها.
وأوضح "أوكرانيا تريد طائرات ومركبات مدرعة ومدفعية، والتسليم والتدريب خلال فترة قصيرة سينجح مع هذه النوعية من الأسلحة، إلا أن إحدى المشكلات تتمثل في تطوير السلاسل اللوجستية، أي البنية التحتية للصيانة والإصلاحات وقطع الغيار وتزويدها بالذخيرة والوقود".
وبيّن أن "المطلوب تنظيم ذلك كي لا نقع في مشاكل في الميدان، وهذا التحدي الأكبر"، لافتاً إلى أنه قد يصار إلى تأمين قطع الغيار من بولندا مثلاً.
فيما قال الخبير العسكري فرانك زاور مع "شبيغل"، أخيراً، إن "التحديات التقنية واللوجستية كبيرة ويمكن السيطرة عليها، دول أخرى تفعل ذلك.. لكن نحن لا نحاول".