انتقد ثلاثة من المسؤولين الأمنيين السابقين في إسرائيل، اليوم الجمعة، في مقال مشترك نشر في صحيفة "هآرتس"، سياسة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تجاه الاتفاق النووي مع إيران، ومساعي الإدارة الأميركية للعودة للاتفاق المبرم عام 2015، فيما يبدأ مسؤولون أمنيون وعسكريون إسرائيليون، الأسبوع المقبل، زيارة للولايات المتحدة تتصل بالموقف الإسرائيلي من محادثات فيينا.
ونشر كل من رئيس الموساد الأسبق إفرايم هليفي ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) زئيف فركش، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تشك فايرلخ، مقالا مشتركا في "هآرتس"، قالوا فيه إن "إسرائيل تقف اليوم أمام مفترقين استراتيجيين مهمين للغاية ومتداخلين بعضهما ببعض: مواجهة إيران، والعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية".
وبحسب هليفي وفركش وفايرلخ، فإن الولايات المتحدة مصممة على العودة للاتفاق النووي مع إيران، وكذلك على ما يبدو حال إيران، و"إذا لم تقع مفاجآت، فمن الممكن اعتبار العودة للاتفاق النووي حقيقة ناجزة".
ويقترح الثلاثة، لمواجهة مثل هذا السيناريو، على حكومة الاحتلال الإسرائيلي تبني سياسة جديدة من سبع مركبات، أولها ما يطلق الثلاثة عليه "التسامح الاستراتيجي"، ويقوم على أن "تستبدل إسرائيل سياسة الترهيب والتخويف المبالغ فيهما بشأن فورية الخطر الوجودي على إسرائيل بخط أقرب إلى الواقع، يقول إن إسرائيل أنشئت أيضا، من بين أهداف أخرى، لضمان عدم قدرة أي طرف خارجي على تهديد شعبنا بالإبادة. صحيح أننا نواجه تهديدات، لكن وجودنا وبقاءنا مضمونان".
أما المركب الثاني، فينص على "وجوب التنسيق في أقصى حدوده مع الولايات المتحدة، باعتباره الأمر المهم، وليست التصريحات المقرونة بأعمال وأحاديث تُفهم في الولايات المتحدة كمحاولة لتخريب جهودها للعودة للاتفاق". ويطالب الثلاثة بـ"اعتماد خطاب إسرائيلي حميمي وعميق يقوم على الثقة المتبادلة، وعدم القيام بخطوات أحادية من دون تنسيق مع الطرف الآخر، خصوصا أن مخاوف الولايات المتحدة من عمل عسكري إسرائيلي ضد إيران كان أحد دوافع مسارعة إدارة باراك أوباما لتوقيع الاتفاق مع إيران عام 2015".
أما المركّب الثالث، فيتمثل في "دعم العودة إلى اتفاق نووي محسّن قدر الإمكان". ويؤكد المسؤولون الأمنيون السابقون أن "الخيار الحقيقي المتوفر هو بين الاتفاق القائم وبين اتفاق أفضل، وليس كما يحاول البعض تصوير الوضع بأنه بين وجود اتفاق وعدمه، لأنه لولا الاتفاق لكانت إيران وصلت اليوم إلى كونها دولة (على عتبة تحصيل قدرة نووية)".
وأشار المتحدثون الثلاثة إلى أن "الاتفاق النووي من العام 2015 ينطوي على مساوئ، ويعاني من نواقص، لكنه أكسبنا مهلة زمنية بين 10 و15 عاما، وإن كانت غير كبيرة برؤية تاريخية، إلا أنها أكثر مما حققناه في الماضي في مواجهة أي خطر آخر تقريبا. وبدلا من محاولة إحباط العودة إلى الاتفاق، ينبغي العمل مع الإدارة الأميركية لبلورة شروط العودة والاتفاق المستقبلي".
رابعا، دعا هليفي وفركش وفايرلخ إلى "تعزيز العلاقات المتبلورة مع دول عربية ومسلمة في المنطقة باتجاه تعاون ضد إيران على الصعيدين السياسي والعسكري، حيث تزداد فرض تحقيق ذلك إذا تم الأمر بتنسيق مع الولايات المتحدة".
يؤكد المسؤولون الأمنيون السابقون أن "الخيار الحقيقي المتوفر هو بين الاتفاق القائم وبين اتفاق أفضل، وليس كما يحاول البعض تصوير الوضع بأنه بين وجود اتفاق وعدمه"
أما في المركب الخامس، فشددوا على "مواصلة الحرب السرية ضد إيران، وفي الجبهة الشمالية، لعرقلة وإحباط البرنامج النووي الإيراني، وتموضع إيران في سورية، ومنع تحسين قدرات (حزب الله)، مع إبقاء فصول هذه المعركة سرية، وعدم النشر عنها أو الإشارة إلى تفاصيلها لصالح تحقيق مكاسب سياسية أو مكاسب لذراع أمنية على حساب غيرها".
سادسا، رأوا أنه "لحالة الضرورة، يجب تجهيز وضمان قدرة هجومية لضرب فعلي لبرنامج إيران النووي وجهودها الأخرى، وذلك من خلال إدراك أن "إيران وأذرعها تبنت استراتيجية طويلة الأمد لمواجهة إسرائيل، وأن التهديدات التي مصدرها إيران سترافقنا لسنوات طويلة، وعلينا تبني توجه طويل الأمد، ومتعدد الأوجه والجبهات- دبلوماسي، اقتصادي، عسكري وسيبراني".
سابعا، دعا الثلاثة إلى "الاستثمار في منظومة دفاع قومية متعددة الطبقات في مواجهة مجمل التهديدات للصواريخ الموجهة، أي منظومات القبة الحديدة، والعصا السحرية، ومنظومات حيتس (وهي منظومة مضادة للصواريخ الباليستية) وأخرى، وذلك لتحقيق هدفين: ضمان إدارة سليمة للدولة وروتينها كما حدث خلال حملة "الجرف الصامد" (العدوان على غزة في تموز 2014)، ولضمان عدم الحاجة إلى الاضطرار للاختيار بين الدفاع عن القدرات العسكرية وبين حماية التجمعات السكنية".
ويرى الثلاثة أنه خلافا للاعتقاد السائد، فإن "العلاقات مع الولايات المتحدة لم تكن هشة ومعرضة للخطر كما هي عليه اليوم، لا سيما في ظل التراجع والتآكل في شعبية إسرائيل لدى الديمقراطيين، وأي محاولة لمواجهة الإدارة الحالية الديمقراطية ستزيد فقط من غضب الجمهور الأميركي، ناهيك عن أن غالبية اليهود الأميركيين، الذين يشكلون أسسا متينة للعلاقات الأميركية- الإسرائيلية، محسوبون على الحزب الديمقراطي. وأي مساس بالعلاقات مع الإدارة الأميركية سيكون له تداعيات خطيرة، ويشكل عمليا الخطر الاستراتيجي الأول على إسرائيل".
وخلص الثلاثة إلى القول: "إننا نرى لزاما علينا التحذير من المس المتزايد بالأمن نتيجة للأزمة السياسية الداخلية المتواصلة في إسرائيل. ليس من واجنا تقديم النصائح لتبني هذا الحل أو ذاك، لكن الشلل الحالي في عملية صنع القرار، والدولة تدار من دون ميزانية رسمية معتمدة، وفي ظل عدم انتظام عمل منظومات سلطة مختلفة بشكل شبه تام تقريبا، ومن ضمنها الكابينت السياسي والأمني، والكنيست ولجانها، أصبح لا يحتمل".
وأضافوا: "لا يمكننا أن ننكر أنه تراودنا أيضا الفكرة الأسوأ، والتي تناقض كل ما عرفناه وجربناه، بأن قرارات مصيرية ترتبط بها حياة الناس تتخذ لاعتبارات غير سليمة لا تعتمد على حقيقة الواقع الأمني- السياسي، وبدون بوصلة موجهة لتعزيز أمن إسرائيل ومصلحة مواطنيها".