ارتبك الاحتلال الإسرائيلي، في أعقاب إعلان المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، الأسبوع الماضي، أنها ستعتمد في تحقيقاتها في الجرائم التي ارتكبت خلال العدوان الأخير على قطاع غزة على الرواية الفلسطينية، في حال لم تتعاون تل أبيب مع المحكمة.
اقرأ أيضاً بنسودا: لمحكمة الجنايات صلاحية التحقيق بالجرائم في فلسطين
فقد فوجئ صناع القرار في تل أبيب عندما تبين لهم أن حملات نزع الشرعية التي قاموا بها ضدّ قرار المحكمة المبدئي بالتحقيق في الجرائم لم تؤثر على تصميم المحكمة بالمضي قدماً في تنفيذ قرارها، وهو ما دلل عليه التصريح الأخير لبنسودا. وتبين لإسرائيل بؤس الرهان على قرارها فتح تحقيقات داخلية مع جنودها في عدد من الأحداث خلال العدوان، والذي جاء بعدم منح المحكمة الدولية المسوغات لإجراء تحقيق مستقل.
وفيما تصرّ إسرائيل الرسمية على عدم التعاون مع المحكمة، فإن نخباً إسرائيلية حذّرت من أن هذا التوجه لن يخدم المصالح الإسرائيلية، بل يثير شكوكاً حول مسوغات الموقف الإسرائيلي، ويدلل على أن لدى تل أبيب ما تخشاه في حال تم التحقيق في هذه الاتهامات.
ورداً على تصريحات بنسودا، عادت إسرائيل إلى الاتكاء على مزاعمها بأن فلسطين ليست دولة، ولا يسمح للمحكمة بقبولها كعضو فيها، وبالتالي لا يجوز التعاطي مع الدعاوى التي يرفعها ممثلو فلسطين ضدّ تل أبيب. ونقلت صحيفة "ميكور ريشون"، في عددها الصادر الجمعة، عن مسؤول حكومي إسرائيلي قوله إن إسرائيل ستواصل العمل على إقناع هيئة المحكمة بعدم مواصلة التعاطي مع الدعاوى الفلسطينية، على اعتبار أنه لا يوجد أساس قانوني يسوغ معالجة هذه الدعاوى من قبل المحكمة. واتهم المسؤول، الذي لم يكشف عن اسمه، المدعي بنسودا بالاحتكام إلى اعتبارات سياسية، محذراً من أن هذه الخطوة تمس الثقة في المحكمة وقرارتها "وستؤثر سلباً على إمكانية إجراء حوار بين إسرائيل والفلسطينيين مستقبلاً".
غير أن هناك من رأى أن إسرائيل لا تملك ترف التعاطي مع المحكمة الدولية على هذا النحو، خصوصاً بعد تشكيل الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخها. فقد حذر المعلق البارز في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، من خطوة "غرس إسرائيل رأسها في الرمال" عبر رفض التعاون مع المحكمة، مشدداً على أن العالم لا يمكنه أن يقبل المسوغات التي تقدمها إسرائيل لتبرير عدم التعاون مع المحكمة.
وفي مقال نشرته الصحيفة، الجمعة، حذر ميلمان من أن مكانة إسرائيل الدولية ستتعرض لمزيد من التآكل، مشدداً على ضرورة التعاون مع المحكمة. ونوه إلى أن نخب الحكم اليمينية في إسرائيل لا تدرك حجم تبرم المجتمع الدولي من مواصلة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وسخر من موقف حكومة بنيامين نتنياهو الرافض للتعاون مع المحكمة الدولية، قائلاً إن تل أبيب "ستشتاق إلى تقرير غولدستون الذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في العدوان الذي شنته على غزة أواخر عام 2008 ومطلع عام 2009".
وفي السياق نفسه، حذر معلق الشؤون الدولية في قناة التلفزة الإسرائيلية الأولى، أورن نهاري، من أنه في ظل حكومة نتنياهو الجديدة ليس بوسع إسرائيل أن تحلم بتعاون الدول الأوروبية في التصدّي لأي قرارات يمكن أن تصدر عن المحكمة. وأشار إلى أن تشكيك الرئيس الأميركي باراك أوباما مجدداً في التزام الحكومة الجديدة بحل الدولتين، يعني أنه لن يتحمس للتحرك من أجل إسرائيل لمواجهة المحكمة، مشيراً إلى أن طابع الشخصيات التي تشكل الحكومة الجديدة والمواقف التي تعبر عنها لا تساعد أيا من أصدقاء إسرائيل على تبرير دعمها.
ورأى البعض أن ما يفاقم وضع إسرائيل الحرج، الشهادات التي أدلى بها العشرات من ضباطها وجنودها الذين شاركوا في العدوان الأخير على غزة حول جرائم ارتكبت ضد المدنيين الفلسطينيين العزل خلال الحرب بدون أي مسوغ أمني. وقد وردت هذه الشهادات في تقرير نشرته أخيراً منظمة "يكسرون الصمت"، وتروي خروقات ارتكبها جنود الاحتلال.
لكن في المقابل، فإن عدداً من القانونيين من ذوي التوجهات اليمينية يساندون قرار الحكومة الإسرائيلية بعدم التعاون مع المحكمة. فقد أوصى أستاذ القانون الدولي في جامعة "بار إيلان"، البرفيسور آبي بل، حكومة نتنياهو بتجاهل تصريحات بنسودا، والإصرار على عدم التعاون مع المحكمة. ونقلت صحيفة "ميكور ريشون" في عددها الصادر، الخميس الماضي، عن بل قوله إنه في حال أصرت إسرائيل على عدم التعاون مع المحكمة الدولية، فإن بنسودا ستضطر إلى إغلاق ملف القضية، رغم تهديدها بالاعتماد على الرواية الفلسطينية. وأضاف: "في حال تعاونت إسرائيل مع المحكمة وقدمت لها أية معلومات، فإن بإمكان بنسودا أن تجد فيها ما تبحث عنه، ويدفعها إلى تقديم لائحة اتهام ضد إسرائيل".
اقرأ أيضاً الخارجية الفلسطينية: ملف الاستيطان قُدّم للجنائية الدولية