مخيم الهول... ثقب أسود للتصفية تحت أنظار "قسد"

30 يونيو 2022
مخيم الهول، إبريل 2019 (كايت غيراتي/Getty)
+ الخط -

بات مخيم الهول الواقع في محافظة الحسكة، شمال شرقي سورية، والذي يضم أكثر من 55 ألفاً من النازحين العراقيين والسوريين، ومعظمهم من عائلات مقاتلي تنظيم "داعش"، بمثابة "الثقب الأسود" لقاطنيه.

وتعاظمت في الفترة الأخيرة جرائم القتل وعمليات الاغتيال والتصفية داخل المخيم، وسط تصدّر النساء لائحة الضحايا. ويقع المخيم في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" الكردية، التابعة لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وتوكل مهمة ضبط الأمن داخله لقوات الأمن الداخلي "الأسايش"، وسط تساؤلات حول أدوار هذه الجهات في ضبط الفلتان الأمني الكبير الذي يتسبب بإزهاق الكثير من الأرواح.

ومع انتشار خلايا "داعش" داخل المخيم، برزت فرضية مفادها أن "قسد" و"الإدارة الذاتية" و"الأسايش" يميلون لفكرة إبقاء الوضع على ما هو عليه، من دون تدخّل حقيقي يحدّ من الفوضى داخل المخيم.

ويستنتج متابعون للوضع الحالي حيال التعامل مع بقايا "داعش"، أن هذه الجهات تتعمّد ترك هذه الخلايا وكل من يرتبط بها تعمل على تصفية بعضها بعضاً عن طريق عمليات الاغتيال.

ويعتبر المتابعون أن هذا التصوّر ناجم عن أن حلّ قضية عائلات مقاتلي التنظيم وحتى المتهمين بالانضمام للخلايا لا يزال صعباً وعصياً، ليس على المستوى السوري والعراقي وإنما على الصعيد الدولي، إذ تمتنع الكثير من الدول عن سحب المقاتلين المعتقلين أو عائلاتهم إلى بلدانهم الأصلية، سواء للتحقيق أو المحاكمة.


حلّ قضية عائلات مقاتلي التنظيم داخل المخيم، صعب

وأكدت مصادر من داخل المخيم لـ"العربي الجديد"، أن "داعش" بات يسيطر على المخيم ليلاً بشكل تام، مع انكفاء عناصر "الأسايش" إلى خارج المخيم لحراسة الأسوار والمداخل، لتكون السيطرة في هذا الوقت لخلايا "داعش" التي تسير الدوريات الأمنية المسلحة حتى السادسة صباحاً، قبل عودة عناصر "الأسايش" إلى داخل المخيم.

عمليات الاغتيال والتصفية في مخيم الهول

ومنعت الخلايا عمال تركيب الإنارة للمخيم من إكمال عملهم، وهددتهم أكثر من مرة، بل قامت بهجوم عليهم أدى لمقتل أحدهم، وذلك بهدف ترك المخيم من دون إنارة لتسهيل تنفيذ العمليات من دون انكشاف أمر الفاعلين.

وفيما يمتاز المخيم بحراسة مشددة من خارجه من قبل "قسد" و"الأسايش" وقوات التحالف الدولي الشريكة لهم، فإن داخله يعتبر معسكر اعتقال كبيرا، ودائماً ما يتبنّى "داعش" عمليات الاغتيال والتصفية التي تحدث داخله عبر المعرفات الرديفة له، ودائماً ما تكون مبرراتها الردة والتكفير والوشاية.

وغالباً ما تتم عمليات التصفية والاغتيال داخل المخيم، باستخدام الأسلحة النارية وكواتم الصوت، وتوجه أصابع الاتهام بالفساد لعناصر الحراسة لا سيما من "الأسايش" بتسهيل عمليات دخول الأسلحة إلى المخيم، وكذلك إلى عناصر المنظمات الإغاثية والإنسانية العاملة فيه بالتورط في ذلك.

وخرجت اتهامات لعناصر بعض المنظمات، بعملية إدخال الأسلحة وذلك بالتنسيق مع النظام، لقدره الأفراد المنتسبين للمنظمات على دخول المخيم من دون المرور عبر نقاط التفتيش على مداخله.

ولا ينفي المسؤولون الأكراد هذه التهمة ولا يؤكدونها، لكنهم يشددون على اتهام تركيا بدعم أي نشاط لتنظيم "داعش" في أي مكان من سورية، ومن ضمنه مخيم الهول.

وحاولت "العربي الجديد" التواصل مع مسؤولين من "الأسايش" و"قسد" للرد على الفرضيات المتعلقة باتهامهم بترك الفوضى قائمة من دون التدخل المباشر، وحول الفلتان الأمني داخل المخيم بالعموم، لكنها لم تلقَ ردوداً، وأحال المسؤولون الرد إلى مكتب شؤون النازحين واللاجئين في "الإدارة الذاتية" الذي يرأسه شيخموس أحمد.

وأشار الأخير لـ"العربي الجديد" إلى أن الكثير من الأطراف لها مصلحة بتنشيط خلايا "داعش"، وذلك رداً على سؤال فيما إذا كان النظام السوري يضطلع بإدخال الأسلحة إلى داخل المخيم.

وأضاف: "هذه الخلايا تنفذ عمليات القتل والاغتيال، بفعل وجود جهة تدعمها من خارج المخيم وتمدها بالأسلحة والأموال". واتهم أحمد تركيا بشكل مباشر بمساعدة خلايا التنظيم، معللاً بأن لها باعا في "دعم التنظيمات الإرهابية". وقال إن العناصر الذين يفرون من المعتقلات وحتى من داخل الهول يتوجهون لتركيا بشكل رئيس، والاستخبارات التركية تدعمهم بشكل أساسي.


عباس شريفة: هناك توجه لجعل المخيم منبتاً للفكر المتطرف

وتعليقاً على هذا الوضع، رأى الباحث المختص بالجماعات الجهادية عباس شريفة، أن المخيم ينطبق عليه وصف "المعتقل الأمني الواسع" أو "مخيم اعتقال جماعي"، أكثر من كونه مخيماً إنسانياً.

وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "جزءاً من التعامل الأمني لقسد مع المخيم وقاطنيه بالإبقاء على حالة الفوضى". وقال: "لا يوجد لدى قسد حلول مع هذا الملف، بل يستخدمون المتاجرة بملف المخيم في سياق التعاطي مع قضية مكافحة الإرهاب، ولذلك هي غير معنية بالجانب الإنساني".

ورأى شريفة أن "هناك توجهاً لجعل المخيم منبتاً للفكر المتطرف، واستخدامه لابتزاز عناصر التنظيم بأطفالهم وعائلاتهم، كما تستخدمه داعش أيضاً كورقة ضغط".

وأشار إلى أن "قسد تحاول أن تدعم من خلال المخيم قضية رأي عام في إطار تسويق نفسها كمحارب للإرهاب، وبالتالي تضغط على الدول لسحب رعاياها إلى دولهم، وبالفعل لجأت بعض الدول إلى سحب رعاياها، لكن لا يزال هناك الكثير من الأطفال والنساء داخل المخيم".

ظروف إنشاء مخيم الهول

وأُنشئ مخيم الهول في الأصل لإيواء اللاجئين العراقيين في أوائل عام 1991 خلال حرب الخليج الثانية، وأُعيد فتحه لاحقاً بعد تدفق المهاجرين العراقيين إلى سورية عقب غزو العراق عام 2003، كواحد من ثلاثة مخيمات على الحدود السورية العراقية.

ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2018 تمّ احتجاز عائلات مقاتلي "داعش" في قسم منفصل داخل المخيم بعد حوادث عنف متكررة بينهم وبين اللاجئين الآخرين، الذين هربوا جراء احتدام المعارك الأخيرة بين "داعش" وقوات "قسد" في الباغوز.

كما يحوي المخيم مئات الأسر العراقية لمدنيين هربوا من الحرب التي دارت بين "داعش" وقوات الجيش العراقي ومليشيات "الحشد الشعبي" العراقي، وأسراً سورية هربت من مناطق الحرب بين "داعش" و"قسد" والتحالف الدولي، فضلاً عن مئات الأسر من عناصر "داعش" المقتولين أو المعتقلين لدى قوات التحالف و"قسد"، من أكثر من 50 جنسية مختلفة.

وترفض غالبية الدول استلام رعاياها من المرتزقة على الرغم من النداءات المتكررة لـ"الإدارة الذاتية" في شمال وشرق سورية، ويطالب أهالي المنطقة الدول بتسلّم رعاياها من مخيم الهول أو بالمساهمة في إنشاء محكمة دولية لمقاضاة المرتزقة، الذين ارتكبوا جرائم حرب بحق مواطني سورية والعراق وبلدان أخرى حول العالم.

ومنذ مطلع العام الحالي إلى اليوم، سجلت إدارة المخيم 26 جريمة قتل، أودت بحياة 10 سوريين، من بينهم مُسعف في النقطة الطبية للهلال الأحمر الكردي، و14 شخصاً من اللاجئين العراقيين الذين يُشكِّلون أكثر من نصف عدد سكان المخيم، وقتيلين مجهولي الهوية، عدا عن 15 محاولة قتل باءت بالفشل.

ويضم مخيم الهول الواقع على بعد 45 كيلومتراً شرقي الحسكة، بحسب آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن "الإدارة الذاتية"، نحو55825 شخصاً بينهم 28723 من حاملي الجنسية العراقية و18848 نازحاً سورياً و8254 من الجنسيات الأجنبية.