بعدما قرر الاتحاد الأوروبي، فضلا عن الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، مساء الإثنين، فرض عقوبات على عشرات من الشخصيات والشركات المرتبطة بنظام بيلاروسيا برئاسة ألكسندر لوكاشينكو، تسود مخاوف من أن تكون للعقوبات ارتدادات عكسية على الشعب البيلاروسي.
وقرر الأوروبيون أيضا استهداف مصادر عائدات مهمة لبيلاروسيا عبر وقف استيراد منتجات نفطية وبعض أنواع البوتاس، ووقف تصدير منتجات لمصانع التبغ البيلاروسية، وذلك ردا على اعتراض مينسك طائرة مدنية بهدف اعتقال صحافي معارض.
واعتبر رئيس قسم الأبحاث حول السلام والأمن في "المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية"، كريستيان فون زويست، في تحليل صحافي نشرته أخيراً صحيفة "تاغس شبيغل"، أن ما يتعرض له الاتحاد الأوروبي من ضغوط هائلة لتحويل تهديداته بمعاقبة نظام لوكاشينكو إلى أفعال ينتج عنه تضارب أساسي في الأهداف.
وأشار الباحث الألماني إلى أنه من ناحية يجب أن تكون العقوبات "ملحوظة" وذات تأثير على النظام البيلاروسي، ومن ناحية أخرى، يجب ألا تثقل كاهل المواطنين هناك.
وتابع قائلا إن "الأبحاث تظهر مدى صعوبة إجبار الأنظمة الاستبدادية على تغيير سلوكها من خلال التدابير التقييدية (فرض عقوبات)، لا سيما وأن لوكاشينكو يظهر أنه على استعداد لاستخدام الوسائل المتطرفة لتأمين بقائه في السلطة". وأوضح أن "احتمالات أن تقود عقوبات الاتحاد الأوروبي لوكاشينكو وأركان سلطته إلى تغيير توجهاتهم، ضئيلة للغاية، مع سعيه للبقاء في الحكم بأي ثمن".
وكان منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قد أكد في وقت سابق أن العقوبات الاقتصادية ستضر بشكل خطير باقتصاد بيلاروسيا.
ويُضاف إلى ذلك حديث وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، عن دوامة كبيرة وطويلة من العقوبات، ما استدعى ردا من لوكاشينكو، أمس الثلاثاء، الذي وصف ماس بـ"وارث النازيين"، متهما ألمانيا باتباع نهج نازي، مضيفا أنه لم يكن ليتوقع أن تشارك في هذه المؤامرة الجماعية ضد بلاده.
إلى ذلك، أبرز زويست أنه "يمكن الاعتماد على توسيع العقوبات لكن هناك حدوداً لتوسيع القائمة لسببين"، والسبب الأول حسبه أن "النخبة السياسية والعسكرية في الأنظمة الديكتاتورية، وفي بلد مثل بيلاروسيا التي يبلغ عدد سكانها حوالي عشرة ملايين نسمة، تتمتع بحجم سكان يمكن السيطرة عليه".
أما السبب الثاني، وفق رأيه، فيرتبط بضرورة توفر "سند قانوني" يبرر العقوبات، مسجلا أن بعض المشمولين بالعقوبات رفعوا دعاوى قضائية أمام محكمة العدل الأوروبية ومحاكم أخرى، في اعتراض على تجميد حساباتهم وحظر السفر الصادر بحقهم. وتابع زويست موضحا أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي تقديم أدلة واضحة على تورط النظام في بيلاروسيا في انتهاكات حقوق الإنسان والهبوط القسري للطائرة.
وأثار لوكاشينكو غضباً دوليّاً بإرساله مقاتلة في 23 مايو/ أيار الماضي لاعتراض طائرة تابعة لشركة "رايان إير" كانت تُسيّر رحلة من اليونان إلى ليتوانيا.
وأُجبرت الطائرة على الهبوط في مينسك، واعتقلت السلطات البيلاروسية الصحافي المنشق رومان بروتاسيفيتش وشريكته صوفيا سابيغا اللذين كانا في داخلها.
وكان الاتّحاد الأوروبي قد منع في وقت سابق شركات الطيران البيلاروسية من دخول أجوائه، كما منع شركات الطيران في دوله الأعضاء، البالغ عددها 27، من استخدام المجال الجوّي البيلاروسي.
وفي هذا الصدد، أوضح الباحث الألماني أن "هناك جانبين أساسيين لتطبيق العقوبات، إذ تتعين بداية صياغة الأهداف المرتبطة بالتدابير بشكل واضح: في ظل أي شروط يتم رفع العقوبات؟ أي تلك التي سيتم بموجبها رفع حظر الاتحاد الأوروبي للرحلات الجوية لشركات الطيران البيلاروسية لأنه وبدون أهداف ومعايير واضحة لرفعها تفقد الأخيرة حافز التأثير".
أما الجانب الآخر، وفق رأيه، فيتمثل في كون "العقوبات ليست الدواء الناجع، إنما مجرد أداة من ضمن مجموعة أدوات السياسة الخارجية، ويجب أن تستخدم باعتدال وبالاقتران مع الحوافز لتكون فعالة".
ودعا إلى أن يكون البيلاروسيون قادرين بسهولة على الحصول على تأشيرة دخول لدول الاتحاد الأوروبي، فضلا عن تعزيز برامج التبادل والمنح الدراسية، محذرا من أنه "لا تنبغي المبالغة في تأثير العقوبات وإمكانيتها أن تحدث تغييرا سريعا في بيلاروسيا".
في غضون ذلك، برزت تعليقات في بروكسل حول أهمية حماية المجتمع المدني ببيلاروسيا، بينها لوزير الخارجية السلوفاكي مارتن كلوس، الذي قال وفق ما أوردته "إيه أر دي" الإخبارية، إن "لوكاشينكو يحارب شعبه منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، وإن الأوروبيين سيسعون لمساعدة المعارضة الديمقراطية والمجتمع المدني".
وفي بداية اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، يوم الإثنين الماضي، خصص لبحث فرض العقوبات، عقد فطور عمل مع المعارضة البيلاروسية سفيتلانا تيخانوفسكايا، التي أعلنت عن ترحيبها بتوجهات الاتحاد الأوروبي بخصوص القائمة الجديدة من العقوبات بحق نظام لوكاشينكو.
ويبدو أن نقطة البداية ستكون من خلال تشديد العقوبات الأوروبية الموجهة ضد صناعة النفط والأسمدة، إذ تعد بيلاروسيا من أهم مصدري أسمدة البوتاس في العالم.
وأشارت صحيفة "تاغس شبيغل" إلى أن العقوبات الاقتصادية ستضر بنظام الرئيس لوكاشينكو على الأقل حتى يجد مشترين جدداً لمواده، مبرزة في الوقت نفسه أن مثل هذا الحظر على الواردات لا يؤثر على المواطنين في بيلاروسيا بشكل مباشر. إلا أن الصحيفة استدركت بالإشارة إلى أن الوضع مختلف بما يخص العقوبات المالية، مع صعوبة فصل نظام الدفع الدولي (السويفت) عن الاقتصاد، كما هو حاصل مع إيران.
ومن شأن هذا النهج، وفق الصحيفة الألمانية، أن يجعل التحويلات المهمة من البيلاروسيين الذين يعيشون في الخارج إلى عائلاتهم أكثر صعوبة.